في خطوة لافتة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية وإنسانية، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، مؤخراً، تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا التي كانت تستهدف نظام بشار الأسد المخلوع. هذا الإجراء الذي وصفه نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، بأنه “فرصة تاريخية لإعادة البناء”، يعكس رؤية أميركية تسعى لتحقيق التوازن بين الضغط على النظام السابق ودعم التحول السياسي والإغاثة الإنسانية في البلاد، وتباينت الآراء بين التفاؤل الحذر والقلق من احتمالية فشل السلطة الانتقالية في الالتزامات الدولية والمحلية.
وجاء في بيان الوزارة أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أصدر ترخيصاً جديداً يوسع نطاق التصاريح المتعلقة بالأنشطة والمعاملات في سوريا اعتباراً من 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. وأكد البيان أن هذا القرار يهدف إلى ضمان عدم إعاقة العقوبات الأمريكية للأنشطة الإنسانية الأساسية، بما يشمل تقديم الخدمات العامة وتوصيل المساعدات الإنسانية.
وأوضح البيان أن الترخيص “يمتد لفترة ستة أشهر مع مراقبة مستمرة للأوضاع على الأرض”، لكنه لا يرفع الحظر عن ممتلكات أو مصالح الأشخاص المحظورين بموجب العقوبات السابقة، بما في ذلك أفراد من النظام السابق، مثل بشار الأسد وشركائه، وكذلك البنك المركزي السوري وهيئة تحرير الشام. وأضاف أن الترخيص يسمح بإجراء معاملات محددة فقط، مثل بعض مبيعات الطاقة والمعاملات العرضية المتعلقة بالخدمات الأساسية.
وصرح نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، بأن “نهاية حكم بشار الأسد الوحشي والقمعي، الذي كان مدعوماً من روسيا وإيران، تفتح المجال أمام سوريا وشعبها لبدء عملية إعادة البناء”. وأكد أن وزارة الخزانة ستواصل دعم المساعدات الإنسانية وتشجيع الحكم الرشيد في سوريا خلال المرحلة الانتقالية، مشيراً إلى أن العقوبات المفروضة سابقاً كانت نتيجة لأفعال النظام السابق التي شملت دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
أدييمو أوضح أن العقوبات الأميركية ستظل أداة لضمان عدم العودة إلى سياسات النظام السابق، مع دعم جهود الانتقال السياسي في سوريا.
في سياق متصل، دعا وزير الخارجية المكلف في الإدارة الانتقالية الجديدة، أسعد الشيباني، إلى “إلغاء كافة العقوبات التي أصبحت تستهدف الشعب السوري”. وأكد الشيباني أن الشعب السوري بحاجة ماسة إلى التعافي السريع على كافة الأصعدة، معتبراً أن العقوبات تشكل العقبة الأبرز أمام هذا التعافي.
وقال الشيباني: “لقد عانى الشعب السوري طويلاً من السياسات القمعية للنظام السابق. الآن، بعد سقوط النظام، يجب أن يتم التركيز على إعادة بناء المؤسسات ودعم الاقتصاد لتخفيف المعاناة وتحقيق الاستقرار”.
تفسير أميركي للتخفيف.. مراقبة انتقال السلطة
من جانبه، أشار توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق متوسطي للديموقراطية، لموقع “963+” إلى أن قرار تخفيف العقوبات يعد إجراءً مرحلياً يهدف إلى مراقبة أداء الإدارة الانتقالية الجديدة بقيادة أحمد الشرع. وقال حرب إن “الهدف من هذا التخفيف هو تقييم كيفية تصرف الإدارة الجديدة في خطواتها الأولى، خاصة فيما يتعلق بانتقال السلطة من الحكومة الحالية إلى حكومة انتقالية، وتشكيل لجان لصياغة دستور جديد للبلاد”.
وأضاف حرب، في تصريحاته، أن القرار “يسمح للشعب السوري بإعادة تأهيل اقتصاده تدريجياً”، لكنه شدد على أن واشنطن ستراقب عن كثب أداء السلطة الانتقالية. وأوضح أن “التخفيف هو بمثابة رسالة حسن نية للإدارة الجديدة، لكنه مشروط بعدم تقويض المعارضة أو تقييد الحريات”.
واشنطن: شروط وضوابط للتعاون مع أحمد الشرع
يرى حرب أن الولايات المتحدة تحاول “ملاقاة قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في منتصف الطريق”، موضحاً أن التزام الشرع بوعوده للرأي العام العربي والدولي سيؤدي إلى تعاون غربي أوسع. لكنه حذر من أن “أي محاولات للتحايل على هذه الوعود، مثل تقييد المعارضة أو تقويض حقوق الأقليات، ستؤدي إلى تعقيدات كبيرة، وربما إعادة فرض العقوبات بشكل أشد”.
وأكد أن العقوبات لن ترفع بشكل كامل إلا مع تحقيق تقدم ملموس في مسار التحول السياسي. وأضاف: “واشنطن ستنتظر حتى نهاية شهر تموز/يوليو القادم لتقييم مدى التزام الإدارة الانتقالية بتنفيذ وعودها”.
وعن تأثير انتقال السلطة في واشنطن على الملف السوري، أوضح حرب أن إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب ستستلم هذا الملف من إدارة الرئيس جو بايدن وستتعامل معه باعتباره من الملفات الدولية الساخنة. وأشار إلى أن “الملف السوري يبرز بشكل كبير في ظل ارتباطه بالوضع في إيران، ودعمها لبعض الفصائل في المنطقة مثل الحوثيين وحركة حماس”.
وأضاف حرب: “إدارة ترامب ستراقب أيضاً كيفية تعامل الشرع مع القضايا الحساسة في الداخل السوري، خاصة العلاقة مع الأكراد ومكونات المجتمع الأخرى. أي انحياز نحو الإسلام السياسي سيؤدي إلى أزمات جديدة، وربما اندلاع مواجهات قد تضطر واشنطن للتدخل للسيطرة عليها”.
الدستور السوري: مفتاح الاستقرار
أكد حرب أن صياغة دستور جديد لسوريا تعد خطوة أساسية في مسار توحيد المجتمع السوري. وقال: “يجب أن يضمن الدستور حقوق جميع المكونات الإثنية والدينية في سوريا، مع بناء جيش جديد يكون على مسافة واحدة من الجميع”. وأشار إلى وجود تنسيق أمريكي مع السلطة الانتقالية لتحقيق هذه الأهداف، مع إمكانية ممارسة ضغوط إضافية لضمان الالتزام بالمبادئ الديمقراطية.
وأشار إلى بعض الانتقادات الموجهة لأحمد الشرع بسبب اختياراته لبعض الشخصيات في الحكومة الانتقالية. وقال إن “هناك معلومات تصل للإدارة الأميركية تفيد بأن بعض السياسات الجديدة لا تتماشى مع قيم المساواة والعدالة، مما قد يؤدي إلى ضغط أميركي مباشر على السلطة الجديدة لتصحيح المسار”.
على الصعيد المحلي، يرى الكاتب السوري مصطفى النعيمي، أن المرحلة القادمة تتطلب خطوات عاجلة لتخفيف الأعباء عن الشعب السوري. وقال النعيمي لـ”963+”: “العقوبات التي كانت موجهة للنظام السابق أصبحت اليوم جائرة بحق الشعب السوري. يجب أن تكون الأولوية لإعادة بناء الاقتصاد وضمان استقرار سياسي يسمح للسوريين بتحقيق حياة كريمة”.
وأكد أن تحقيق الاستقرار السياسي يعد مفتاحاً لتحسين الوضع الاقتصادي، مشيراً إلى أن تخفيف العقوبات يجب أن يتزامن مع إجراءات تدعم هذا المسار.
وتظل العقوبات الأميركية والغربية أداة وظيفية لمراقبة الأداء السياسي في سوريا. وبينما يرحب البعض بخطوة تخفيف العقوبات، يشير مراقبون إلى أنها مشروطة بأداء الإدارة الانتقالية. المرحلة القادمة ستحدد ما إذا كان المجتمع الدولي سيتجه نحو رفع كامل للعقوبات أو العودة إلى تشديدها وفق تطورات المشهد السوري.