على مدار عقود، استخدم النظام السوري السابق، سياسات اقتصادية قمعية لإخضاع الشعب، مستغلاً التجويع والحصار كأدوات لقمع السوريين ومنع أي حراك سياسي. هذه السياسات التي بدأت منذ الستينيات كرّست الفقر والتبعية الاقتصادية وأدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسوريين، حيث يعيش اليوم نحو 90% من السكان تحت خط الفقر، ويحتاج أكثر من 15 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية.
ولجأ النظام السوري المخلوع، إلى استخدام التجويع والحصار بشكل ممنهج لإخضاع المناطق الخارجة عن سيطرته. ووفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا عام 2014، استخدم النظام “التجويع كسلاح”، مما أدى إلى معاناة مئات الآلاف من المدنيين.
وشملت هذه الممارسات حصار مناطق مثل الغوطة ومضايا وحمص والمعضمية وداريا، حيث أجبر السكان على الاستسلام أو التهجير القسري.
ولم تكن سياسات التجويع التي انتهجها النظام السوري السابق مجرد وسيلة قمع، بل أداة ممنهجة لتمزيق النسيج الاجتماعي وتحويل المجتمع إلى أداة طيّعة تحت سيطرته.
المحامي والباحث فراس حاج يحيى، أوضح لموقع “963+” أن هذه السياسات استهدفت “تمزيق النسيج الاجتماعي للسوريين وزيادة الفجوة بين الشرائح الاجتماعية”.
وأضاف حاج يحيى، أن “النظام وزع الموارد بشكل يفضّل بيئته الحاضنة، مما عمّق الانقسامات وأدى إلى استقطاب داخل المجتمع.
الاقتصاد في خدمة القمع
أوضح الخبير الاقتصادي زياد أيوب عربش، لـ”963+” أن “النظام السوري السابق افتقر إلى رؤية اقتصادية متكاملة، حيث اعتمد على تحويلات المغتربين، والممارسات غير القانونية مثل تجارة المخدرات، والإنتاج الداخلي للموارد الطبيعية”.
وأضاف عربش، أن “المؤسسات المصرفية والجمارك والضرائب كانت تُدار لخدمة مصالح ضيقة، مع تركيز الثروة في أيدي قلة لا تتجاوز 0.2% من السكان، بينما يتحمل الباقون عبء الأزمات الاقتصادية”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “النظام استغل هذه الظروف لتقييد الحريات ومنع أي نشاط سياسي”. وقال: “كانت السياسات الاقتصادية تهدف إلى إبقاء السوريين منشغلين بتأمين لقمة العيش بدلاً من المطالبة بالحقوق السياسية”.
وعلى الرغم من الضغوط الهائلة، لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً محورياً في مواجهة سياسات التجويع. قدمت هذه المنظمات مساعدات إنسانية طارئة، وساهمت في تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال مبادرات مثل الزراعة المجتمعية وتبادل المواد الأساسية.
ومع ذلك، واجهت هذه الجهود تحديات كبيرة، أبرزها التضييق الأمني والقوانين الصارمة التي فرضها النظام لتحجيم العمل المدني.
انعكاسات سياسات التجويع على المجتمع
تسببت سياسات التجويع في تفاقم معاناة السوريين، حيث أجبرتهم الظروف الاقتصادية على العمل في وظائف متعددة لتأمين احتياجاتهم الأساسية، مما قلل من فرص الانخراط في الشأن العام.
كما أدت هذه السياسات إلى تهجير الملايين، حيث يقدر عدد السوريين في الخارج بـ12 مليون شخص يساهمون بتحويلات مالية لدعم عائلاتهم.
وأكد حاج يحيى أن التخلص من سياسات التجويع يتطلب “بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، وإرساء قواعد العدالة الانتقالية”. وأضاف أن “السوريين أظهروا صموداً مذهلاً في مواجهة هذه السياسات”، مشيراً إلى أن “هناك وعياً متزايداً بأهمية الحقوق المدنية والسياسية”.
من جهته، دعا عربش، إلى “استغلال الموارد البشرية والجغرافية بشكل عادل لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة”، مشدداً على أن “هذا لن يتحقق إلا إذا تولت نخبة جديدة إدارة البلاد بعيداً عن ممارسات النظام السابق”.
وفي ظل الوضع القائم في سوريا، تبقى الحاجة إلى تدخل دولي ودعم محلي لإعادة بناء سوريا على أسس العدالة والديمقراطية ضرورة ملحّة لإنهاء معاناة السوريين وبناء مستقبل أفضل.
وكانت قد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان الإثنين الماضي، عن أنها أصدرت رخصة عامة لسوريا تسمح بإجراء معاملات مع مؤسسات حكومية سورية، وبعض معاملات الطاقة والتحويلات المالية الشخصية، وأصدرت إعفاءات تهدف لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية للبلاد، موضحةً أن الترخيص يجيز تحويل الأموال الشخصية بما في ذلك عبر البنك المركزي.
ويأمل السوريون، أن يسهم الإعفاء الجزئي للعقوبات على بلادهم من قبل الولايات المتحدة، في دعم التعافي الاقتصادي وفتح الباب لاستثمارات تضع حداً للأزمة الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة منذ أكثر من عقد، في ظل حرب مدمرة أتت على أغلب مقدرات البلاد، وأدت لانهيار العملة المحلية وتضرر البنية التحتية الأساسية بما في ذلك منشآت الطاقة والكهرباء.
ودعا قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع الشهر الماضي، إلى رفع العقوبات عن البلاد ورفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قوائم العقوبات الدولية والغربية، وقال خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إن “سوريا منهكة من الحرب ولا تشكل تهديداً لجيرانها أو للغرب، ويجب رفع العقوبات المفروضة عليها”، وذلك بعد دعوة مماثلة أطلقها خلال لقاء وفد من وزارة الخارجية البريطانية، “من أجل تمكين السوريين في دول العالم من العودة إلى بلادهم”.