خاص ـ معن عبد الرحمن/ درعا
مع سقوط النظام السوري، وجد أهالي المعتقلين في درعا أنفسهم أمام واقع صادم: السجون التي كانت تحتجز أبناءهم أصبحت فارغة. اختفى المعتقلون دون أي أثر، تاركين وراءهم تساؤلات محيرة وألماً لا يوصف لعائلاتهم. هل تم إعدامهم؟ أم اقتيدوا إلى أماكن مجهولة؟ أم اقتادهم النظام السوري السابق معه كدروع بشرية؟ هذه التساؤلات تظل بلا إجابات واضحة، ما يزيد من غموض المشهد في المحافظة التي كانت مهد “الثورة السورية” كما يصفونها.
وفي إحدى ليالي ريف درعا الغربي، قبل أربعة أشهر، اقتحم مسلحون ملثمون منزل أم يوسف، وادعوا أنهم من “الأمن العسكري”. أخذوا ابنها سيف الدين، تاجر المواشي المعروف بسمعته الحسنة، دون تقديم تفسير سوى أنهم سيعيدونه صباحاً.
ومنذ ذلك الحين، لم تسمع العائلة أي خبر عنه. أم يوسف، التي تعيش على أمل ضئيل، تقول لموقع “963+”: “بحثنا في كل مكان، وتوصلنا إلى أن من أخذ ابني هو المدعو مؤيد الأقرع، المعروف بأبي حيان حيط، لكننا لم نحصل على أي إجابة واضحة حتى الآن”.
سيف الدين هو واحد من مئات المعتقلين الذين اختفوا من السجون في درعا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، تاركين وراءهم عائلات تتساءل عن مصيرهم وسط شائعات عن إعدامهم جماعياً أو استخدامهم كدروع بشرية أثناء انسحاب قوات النظام.
مصير المعتقلين: علامات استفهام بلا إجابات
حتى الآن، لم يتم تحرير أي معتقل من سجون درعا. يقول ليث، شقيق أحد المعتقلين لـ”963+”: “ذهبنا لفتح المعتقلات بعد انسحاب النظام، لكننا وجدناها فارغة. يبدو أن النظام أخذ المعتقلين معه كدروع بشرية”.
وتشير مصادر أهلية إلى مخاوف من أن يكون المعتقلون قد أُعدموا جماعياً ودُفنوا في مقابر سرية. ومع غياب أي أدلة واضحة، يبقى مصيرهم مجهولاً، ما يزيد من ألم عائلاتهم ومعاناتهم.
وفي حديث خاص لـ”963+”، أكد أحمد الزعبي أن “ليلة انسحاب النظام شهدت إحراق وثائق حساسة في الأفرع الأمنية. وأوضح أن أبو حيان، بالتعاون مع قادة آخرين، قام بتهريب العميد لؤي العلي ومعتقلين آخرين كانوا محتجزين بتهم الإرهاب”. الزعبي أضاف: “لو تم تحرير المعتقلين، لانكشفت جرائم أبو حيان”.
من جهتها، تتهم أم يوسف أبو حيان بخطف ابنها، وتقول: “قدمنا له عرضاً بدفع فدية مالية، لكنه أنكر مسؤوليته. بعد سقوط النظام، علمنا أن الأمن العسكري أخذ المساجين معه عند الانسحاب”.
شهادات أخرى من سكان الريف الشرقي تشير إلى أن عماد أبو زريق لعب دوراً رئيسياً في تهريب المعتقلين ووثائق أمنية ليلة انسحاب النظام. يقول إياس مسالمة، وهو اسم مستعار: “شاهد الأهالي سيارات مغلقة برفقة أبو زريق، مرجحين أن المعتقلين كانوا بداخلها”.
سرقة الوثائق وإخفاء الجرائم
مع سقوط النظام الـ8 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري وانسحاب قواته من درعا، استهدفت مجموعات مسلحة تابعة لما يُعرف بـ”اللجان المركزية” مقرات الدولة ومواقع عسكرية.
وأكد شهود عيان، مثل أحمد الزعبي، لـ”963+” أن “قائد اللجان، أبو حيان حيط، أشرف على إحراق وثائق ومستندات أمنية كانت تحتوي على أدلة حول تورط الأفرع الأمنية في جرائم، منها تجارة المخدرات وتهريبها إلى الأردن بدعم من العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في درعا”.
ولم تقتصر الانتهاكات على إحراق الوثائق، بل شملت أيضاً تهريب معتقلين ووثائق أمنية. في الريف الشرقي،” قاد عماد أبو زريق عملية تهريب معتقلين ليلة انسحاب قوات النظام”. شهود من المنطقة أكدوا لـ”963+” أن سيارات مغلقة رافقت رتل النظام باتجاه الحدود الإدارية مع ريف دمشق، وسط تكهنات بأن المعتقلين كانوا داخل هذه السيارات.
وكانت قد تحولت اللجان المركزية، التي أُنشئت بعد اتفاقية التسوية في 2018، إلى أدوات لتعزيز النفوذ الإيراني في درعا. أبو حيان، قائد اللجان في ريف درعا الغربي، استغل موقعه لتعزيز تجارة المخدرات، بدعم من العميد لؤي العلي، بحسب مصدر في درعا.
وعلى الجانب الآخر، كان عماد أبو زريق، الذراع الأيمن للعميد العلي في الريف الشرقي، يدير شبكة تهريب معتقلين ووثائق، ويُعتبر أحد أبرز مهربي المخدرات في الجنوب السوري. أبو زريق مدرج على قائمة العقوبات الأميركية، ضمن قرار “كبتاغون 2” الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن في نيسان/ أبريل الماضي.
وتستمر أصوات العائلات المطالبة بكشف الحقيقة، لكن في ظل غياب سلطة مركزية وانعدام الشفافية، يبقى السؤال: متى ستُكشف الحقيقة؟ وهل ستعود درعا يومًا إلى عهد الاستقرار؟