ناشد المئات من عناصر فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية لتركيا، قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع، السماح لهم بالعودة مع عائلاتهم إلى مناطقهم في البلاد، الأمر الذي يرفضه قادة هذه الفصائل بأوامر من الجانب التركي، ما يثير تساؤلات بشأن مصيرهم، خصوصاً بعد انتفاء أسباب بقائهم بسقوط النظام السوري السابق.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أكد هذا الأمر، مؤكداً أن العائلات المُهجّرة التي نزحت من منطقة عفرين وإليها، إبان العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا باسم “غصن الزيتون”، تواجه ضغوطاً متزايدة، لا سيما من فصيل “العمشات” الموالي لتركيا، والذي يسعى إلى إبقائهم قسراً في المنطقة.
هذا أمر طبيعي، بحسب سامر كعكرلي، رئيس المكتب الاقتصادي بحزب اليسار الديموقراطي السوري، إذ يقول لـ “963+” إن “تركيا هي من تدفع رواتب عناصر الجيش الوطني، وطبيعي أن يعمل هذا الجيش ضمن الأجندة التركية، فتركيا في النهاية ليست جمعية خيرية، إنما هي دولة تبحث عن مصالحها، والقوات التركية المنتشرة على الأراضي السورية هي قوات أجنبية تمثل شكلاً من أشكال الاحتلال”.
“الجيش الوطني السوري” تشكيل عسكري يضم فصائل عديدة عارضت نظام الأسد، وتأسس في عام 2017 بدعم أنقرة التي هدفت من وراء هذه الخطوة إلى دمج فصائل المعارضة السورية كلها تحت قيادة واحدة تابعة لها.
انتفاء أسباب البقاء
يقول الإعلامي والباحث السياسي السوري خضر دهام إنه لم يعد لعناصر فصائل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا أي مبرر أو دافع للمرابطة في المناطق التي ينتشرون فيها بعد سقوط النظام السوري السابق، وإفساح “هيئة تحرير الشام” المجال أمامهم للعودة إلى مناطقهم، بعد حل هذه الفصائل أنفسها.
ويضيف دهام لـ “963+”: “يبحث عناصر هذه الفصائل عن سبل للعودة إلى مناطقهم، وهذا طبيعي، فهم يشعرون أن العوامل التي دفعتهم للخنوع للتركي والرضوخ لمصالحه كانت نتاج الضغط الذي مارسه عليهم النظام السوري السابق، بينما انتفت اليوم أسباب بقائهم والزج بهم في مستنقعات حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل”.
وتمت إطاحة نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الجاري بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” والفصائل المسلحة المتحالفة معها على أغلبية المدن الرئيسية في سوريا، ومنها حلب وحماة وحمص ودرعا والسويداء، وأخيراً العاصمة دمشق.
وأعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا أن الشرع اتفق اليوم الثلاثاء مع قادة الفصائل المسلحة على حلّها ودمجها بالجيش الجديد. ويوضح الباحث السوري: “الحل سيكون سورياً وفق أسس وطنية، وربما يكون هذا دافع آخر لمراجعة عناصر هذه الفصائل وقادتها حساباتهم في هذه المرحلة الحساسة”.
اقرأ أيضاً: ماذا وراء زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لدمشق؟
رفض تركي
تقول مصادر أهلية في ناحية شيخ الحديد بمدينة عفرين لـ”963+” إن فصيل “العمشات” يرفض عودة المهجرين إلى ديارهم في الداخل السوري، وقد قتل عدداً من عناصر فصيل “أحرار الشرقية” المنضوي ضمن “الجيش الوطني” بعد إلقائهم السلاح رغبةً منهم في العودة إلى مناطقهم، ورفضهم الانخراط في القتال مجدداً.
ويقول دهام: “الجانب التركي يحاول بشتى السبل منع هذه الهجرة العكسية للعناصر التي عمد إلى تجميعها من كل حدب وصوب، لأنه سيفقد هو الآخر أدواته التي استخدمها لسنوات طويلة لشرعنة وجوده على الساحة السورية”، فيما يشير كعكرلي إلى أن بعض عناصر الفصائل المسلحة بالشمال السوري، المنحدرين من منطقة القلمون، “عادوا مع عتادهم ووضعوا أنفسهم في تصرف إدارة العمليات العسكرية، وقد تحققنا من ذلك وتواصلت شخصياً مع قائد تلك القوات وأتحفظ عن ذكر اسمه”، وفق قوله، داعياً إلى حلّ جميع الفصائل المسلحة، وحلّ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ودمجهم بجيش سوري موحد.
وكان مظلوم عبدي، القائد العام لـ”قسد”، قد قال في تصريحات سابقة إن قواته لم تصطدم حتى الآن مع “هيئة تحرير الشام”، مؤكداً: “نريد أن نكون جزءاً من جيش وطني سوري في حال تشكيله”.
تجمع هجين
يصف دهام الفصائل المسلحة الموالية لتركيا بأنها تجمع هجين من مناطق سورية مختلفة، “بدءاً بدرعا مروراً بريفي حمص وحماة، بموجب ما سمي بتوافقات أستانا سابقاً إلى جانب متزعمين من تنظيم “داعش” (المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبية وفي دول عربية وآسيوية عدة).
ويوضح: “وفّرت لهم تركيا بيئة آمنة وحولتهم إلى مرتزقة تنفذ أجنداتها في الداخل السوري والخارج”، فيما يرى كعكرلي أن مصالح الدولة التركية التي ترمي لمنع إقامة كانتون كردي على حدودها الجنوبية، “تلاقت مع مصالح الفصائل السورية المعارضة التي ترمي لمنع أي حالة انفصالية بشمال شرق سوريا تحت أي مسمى، سواء كان لا مركزية سياسية أو فيدرالية أو كونفدرالية. “لأن السوريين يؤمنون بوحدة سوريا ويؤمنون فقط باللامركزية الإدارية”، وفق قوله.
وتؤكد تقارير أن تركيا استخدمت “الجيش الوطني” منذ تشكيله في عام 2017، على أنقاض فصائل مسلحة معارضة، رأس حربة في عملياتها العسكرية وسعيها لتوسيع نفوذها في سوريا، حيث شنت عناصره بدعم تركي 4 عمليات (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وفجر الحرية)، فأسفرت عن سيطرة تركية على مناطق واسعة شمالي البلاد، كما أدت إلى تغيير في خارطة السيطرة ونزوح آلاف السكان عن منازلهم.
وعلى مدى السنوات الماضية، شهدت مناطق سيطرة هذه الفصائل في شمال سوريا عمليات اقتتال متكررة في ما بينها، لأسباب مختلفة أبرزها يتعلق باختلاف التوجهات والمرجعيات ومناطق السيطرة والنفوذ. ويتهم “الجيش الوطني” وقيادات فيه بارتكاب انتهاكات، بدءاً من عفرين في الشمال الغربي، مروراً برأس العين وتل أبيض في الشمال الشرقي، وصولاً إلى مدنية منبج في الشمال السوري، بحسب تقارير حقوقية.
اقرأ أيضاً: انتهاكات موثقة وأهداف غامضة: ما الذي يحدث في شمال سوريا؟
القتال خارج سوريا
بحسب تقارير متتالية نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية، وصل أكثر من 1000 مرتزق سوري إلى النيجر، ضمن قوات تابعة لشركة “سادات” الأمنية التركية الخاصة، المقربة من الرئيس أردوغان.
جرت العملية نفسها في غرب ليبيا، حيث أثبت تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية في حزيران/يونيو 2020 دور مجموعة سادات في الإشراف على نحو 5000 من المساعدين السوريين في طرابلس، إلى جانب جنود من الجيش أنقرة النظامي، “ومكّن هذا التدخل حكومة فايز السراج، حليف تركيا، من صد هجوم شنّته قوات المشير خليفة حفتر، المدعوم من ’فاغنر الروسية‘. وأعرب التقرير الأميركي حينها عن قلقه من عدم انضباط المرتزقة السوريين، مرجحاً أن يثير ذلك ردة فعل عدائية بين الليبيين”، بحسب التقرير.
يقول دهام: “أسست تركيا هذه الفصائل المسلحة لخدمة أجنداتها وجردتهم من أي هدف وطني سوري. فبينما كان السوريون يقارعون داعش والنظام السوري السابق، كان المئات من عناصر هذه الفصائل المسلحة تقاتل في ليبيا وأذربيجان ومالي والنيجر وغيرها من المناطق لصالح تنفيذ مخططات جيوسياسية تركية”.