لم تمنع حالة الاستقرار التي يعيشها أبو سامر مع عائلته في ريف دير الزور شرقي سوريا، من التفكير في العودة إلى مسقط رأسه بريف حماة وسط البلاد، بعد رحلة نزوح طويلة، إثر سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
تنحدر عائلة أبو سامر من قرية تل ملح بريف حماة الجنوبي الغربي، ونزحت قبل سنوات إلى بلدة البصيرة في ريف دير الزور الشرقي، بعد أن أصبح الابن الأكبر سامر، ملاحقاً من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام المخلوع بسبب آرائه السياسية.
اقرأ أيضاً: بيدرسن يدعو لحل سياسي لإنهاء التوتر شمال شرقي سوريا
يروى أبو سامر لموقع “963+”، الصعوبات التي رافقت رحلة النزوح، قبل أن يستقر المقام بالعائلة في ريف دير الزور، وإيجاد فرصة جديدة للحياة وتأسيس مشروع عمل صغير لبيع الحلويات يشترك فيه أغلب أفراد العائلة، وأصبح يعطي لاحقاً عوائد جيدة.
تصطدم رغبة العائلة بالعودة إلى الديار في ريف حماة بعد إسقاط النظام، بعوائق وتحديات كبيرة وفق ما يتحدث لـ”963+”، أبرزها فقدان المنزل جراء قصف سابق، والواقع الأمني الغير واضح، والمخاطر المتعلقة بمخلفات الحرب من ألغام غير منفجرة وغيرها.
بنى تحتية منهارة وخدمات مفقودة
وتشكل البنى التحتية المنهارة وفقدان الخدمات الأساسية وتراجع مستوى المعيشة للسكان، أبرز التحديات التي تواجه الحكومة المؤقتة برئاسة محمد البشير، التي تم تكليفها من قبل إدارة العمليات العسكرية بعد إسقاط النظام.
حال أبو سامر، ينطبق أيضاً على عناد الفرخ (57 عاماً) المنحدر من مدينة داريا بضواحي العاصمة دمشق، والمقيم في بلدة الفوعة بريف إدلب شمال غربي البلاد، والذي أصبح منزله بداريا أثراً بعد عين، وفق ما يؤكد لـ”963+”.
زار الفرخ قبل أيام منزله في داريا، وتفاجأ بحجم الدمار الكبير في المدينة، وكيف تحولت إلى أكوام من الركام، موضحاً أنه “اكتفى بالوقوف على مكان المنزل وزيارة بعض الجيران، قبل أن يعود إلى إدلب”.
يقول: “ادفع إيجار رمزي للإدارة التي تستلم المنازل في الفوعة، لأني لست قادراً على إعادة تأهيل منزلي، والذي يحتاج إلى عام كامل من العمل دون أي مصاريف”.
اقرأ أيضاً: أردوغان إلى دمشق.. تركيا وسوريا في مفترق طرق لإعادة بناء الدولة
ومع انهيار قيمة الليرة أمام الدولار من 50 إلى 15000 ليرة للدولار الواحد، وارتفاع تكاليف الواردات، انفجر التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في سوريا، حيث تخطى 200% سنويًا في بعض الفترات، ما جعل السيطرة على الأسعار أمراً مستحيلاً.
منازل مدمرة
تبكي السيدة أنعام شامي من مدينة جوبر بدمشق، وهي تروي ما شاهدته عند زيارتها لمدينتها حيث كانت تبحث عن معالم لحارتها لكي تتعرف على مكان منزلها الذي سوي تماماً بالأرض.
تقول إنعام لـ”963+”، إنها “اكتفت بالحسرة وعادت للعيش بمحافظة إدلب فإعادة بناء منزلها صعبة جداً لا سيما بأنه كان يقع ضمن مبنى مؤلف من 4 طوابق، وتضيف: “الآن لي في الهواء مساحة يمكن العودة إليها في حال ارتفع المبنى مجدداً”.
معتصم النهاري، شاب نزح من حي الفيحاء بمدينة تدمر بريف حمص الشرقي، إلى مدينة الرقة شمال شرقي البلاد، بعد أن أصبح ملاحقاً أمنياً من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، بسبب آرائه السياسية وخروجه في المظاهرات الشعبية ضد النظام.
افتتح نهاري، محلاً للهواتف الخليوية في الرقة وفق ما صرح لـ”963+”، وأصبح معتاداً على نمط معين من الحياة بالمدينة، تجعله يتردد في العودة إلى تدمر، في ظل وجود عوائق وتحديات أخرى تتعلق بالواقع الأمني وشن عناصر تنظيم “داعش” هجمات متكررة في المدينة.
اقرأ أيضاً: متغيرات وتحديات قطاع التعليم في سوريا بعد سقوط نظام الأسد
وشهدت البنى التحتية والمرافق الخدمية الأساسية في سوريا، تدهوراً كبيراً جراء الأزمة المستمرة منذ العام 2011، ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة “يونيسف”، فقد تضرر نحو 60% من مرافق المياه والصرف الصحي بالبلاد، ما أدى إلى ارتفاع حاد في الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا.
كما تعرضت شبكات توزيع الكهرباء لأضرار جسيمة، خاصة في المناطق التي شهدت معارك طاحنة. وفقًا لـ البنك الدولي، فإن القدرة الكهربائية المتاحة لا تتجاوز 25% من الحاجة الفعلية للسكان. هذا النقص أدى إلى انقطاعات يومية طويلة، مما أثر بشدة على الحياة اليومية للسوريين، حيث لجأت العديد من الأسر لاستخدام مولدات كهربائية خاصة، ما رفع التكاليف وأثقل كاهل المواطنين الذين يعانون أصلًا من أزمات اقتصادية خانقة.
نتيجة لهذه الأزمة، ارتفعت تكاليف المعيشة بأكثر من 800% مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، في حين شهدت أسعار الطعام والوقود زيادات سنوية تصل إلى 50-100% بين 2021 و2024، مما جعل تأمين الاحتياجات الأساسية تحدياً يوميًا للمواطنين، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، ما يعكس حجم الدمار الاقتصادي الهائل في البلاد.