قدّم عضوان في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لفرض عقوبات على تركيا، على خلفية اختراق الأخيرة لاتفاق وقف إطلاق النار مع قوات سوريا الديمقراطية المعلن من قبل أميركا، واستمرار هجمات الفصائل المسلحة المدعومة منها على الشمال السوري، فهل سلاح العقوبات الأميركية ضد تركيا سيجدي نفعاً ؟
وقدّم الديموقراطي كريس فان هولن، والجمهوري ليندسي جراهام، مشروع قانون لمجلس الشيوخ الأميركي، عُرف باسم “قانون مواجهة العدوان التركي لعام 2024”، من شأنه فرض عقوبات على تركيا، مشيرين إلى أن العقوبات تهدف لمنع المزيد من الهجمات من قبل تركيا أو الفصائل التابعة لها على قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وفق ما جاء في بيان لهما.
وقالا في البيان، إن واشنطن ينبغي أن تعمل مع تركيا ديبلوماسياً لتسهيل وقف إطلاق النار المستدام وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين تركيا وسوريا، محذرين من خطر عودة ظهور تنظيم “داعش” مجدداً في سوريا.
بدوره، أكد مظلوم عبدي، القائد العام لـ”قسد”على الالتزام الثابت بتحقيق وقف شامل لإطلاق النار في كافة أنحاء سوريا. وأعلن في منشور على “X”، استعداد “قسد” لتقديم مقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة كوباني، مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف وتواجد أميركي.
أهمية مشروع القانون الأميركي
ويرى المحلل السياسي، صهيب المزريقي، أن مشروع القانون الأميركي مهم في هذا التوقيت، ويهدف لكبح جماح التوسع التركي في سوريا وضمان التحكم في قواعد اللعبة وبسط السياسة الأميركية، وعدم ترك مآلات الأوضاع للصدفة.
ويقول المزريقي في تصريحات خاصة لموقع +963: “تركيا في كل تحركاتها تنسق مع الجانب الأميركي والإسرائيلي، وقد تجلى ذلك في تصريحات الأطراف المتداخلة خاصة في التخطيط لإسقاط النظام السوري السابق، مما يحيلنا إلى أن تركيا مجرد لاعب وظيفي لقوى الغرب ينتهي دوره بتحقيق مصالح الغرب”.
ويشير إلى أن العقوبات الأميركية ليست إلّا دليل على ضمان عدم تغول تركيا أكثر مما رسم لها سابقاً من قبل سياسة البيت الأبيض، وتحجيم دورها التوسعي في سوريا حتى لا تصبح كإيران وتذهب في منطق تسليح الجماعات واستغلالها، للتوسع في الوطن العربي والتصرف كلاعب في المنطقة.
اقرأ أيضاً: الحشود العسكرية التركية بسوريا.. تهديد لـ”قسد” أم تقويض للحل السياسي؟
المصالح الأميركية التركية
بينما يخالفه الرأي الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، المقيم في القاهرة، فيوضح أن ما طُرح مجرد مشروع قانون، ولن يكون هناك عقوبات أميركية ضد تركيا، ويُرجع ذلك إلى أن “تركيا حليفة أميركا في حلف الناتو، وتجمعهما مصالح مشتركة”.
ويقول غباشي لـ”+963″: ” قاعدة إنجرليك العسكرية الأميركية في تركيا هي القاعدة الأهم لأميركا بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، لذلك ليس من مصلحة أميركا إغضاب تركيا”، مشيراً إلى أن الأخيرة ستذهب إلى الروس بسهولة “كما فعلت عندما امتنعت أميركا عن إعطاء الأتراك مقاتلات إف 35 قدمت روسيا لها صواريخ إس 400”.
وفي عام 2017 أبرمت تركيا عقداً مع روسيا لتوريد أنظمة “إس-400” التي استلمتها عام 2019. وفي الوقت نفسه، طالبت الولايات المتحدة بالتخلي عن الأنظمة الروسية لصالح أنظمة “باتريوت”، لكن أنقرة لم توافق على ذلك. وبهذا السبب استبعدت واشنطن تركيا من برنامج توريد مقاتلات “إف-35” وفرضت عقوبات على قادة المجتمع الصناعي العسكري التركي.
ويذهب الأكاديمي المصري في حديثه إلى أن العلاقة الأميركية مع “قسد” هي علاقة مهمة أيضاً، لذلك ستحاول أميركا التوازن في علاقتها بين “قسد” وتركيا. ويتابع: “تركيا أيضاً تدرك هذه العلاقة وتعلم جيداً أن أميركا تريد الحفاظ على هذه العلاقة”.
ولعبت “قسد” دوراً مهما في إلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش”، بدعم جوي من التحالف الدولي. يوضح المزريقي، “تركيا ربما لن تأبه بالعقوبات الأميركية ضدها، وستشن هجوماً على مدينة كوباني، وستسعى جاهدةً لخلق الأزمة بين قسد وأميركا، من منطلق زعزعة أمن المنطقة، وبالتالي لفسح المجال لداعش بالظهور من جديد”.
اقرأ أيضاً: بين التحشيدات التركية والمخاوف الإنسانية.. كوباني تواجه مصيراً مجهولاً
“ضرب بعرض الحائط”
وعلى عكس ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي، إنه تم التوصل لاتفاق بين تركيا و”قسد”، يوقف إطلاق النار شمالي سوريا، صرح مسؤولٌ بوزارة الدفاع التركية، بعده بساعات، بأنه “لا يوجد اتفاق بين أنقرة وقسد حتى الآن”، مضيفاً أن “أنقرة تدعم الفصائل التابعة لها في شن هجوم على مدينة كوباني ومناطق في الشمال السوري”.
ويعلّق المزريقي على التناقض في التصريحات الأميركية والتركية، بأنها ما هي إلاّ محاولة تركية “لضرب الدعوات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار في المنطقة بعرض الحائط”، ويقول: “سياسة تركيا معروفة مبنية على الخداع والانتهازية والاستغلال وتسعى لخلق الفوضى واللعب على التناقضات الداخلية والدولية”.
ويتابع: “تركيا تحاول فرض هيمنتها الأمنية والاقتصادية وتحويل سوريا إلى دولة تابعة لتركيا إقتصادياً وأن تكون مجرد سوق استهلاكية للسلع التركية، وسياسياً تريد أن تكون سوريا على شكل حكومة إخوانية مسلوبة الإرادة ومرتهنة القرار لأنقرة”.
ورغم إشهار أميركا سلاح العقوبات بوجه تركيا، على أمل أن يدفع التهديد بالعقوبات الأطراف نحو وقف إطلاق النار، تتصاعد المخاوف من هجوم قد تشنه فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، في كوباني شمالي سوريا، ضد “قسد” التي قالت لن تتردد “في التصدي لأي هجوم” على مناطقها داعية المواطنين لحمل السلاح.