مع استمرار النقاشات الدولية حول مستقبل سوريا بعد سقوط النظام السابق، تتزايد الدعوات لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وسط تأكيدات من محللين قانونيين واقتصاديين على أن هذه العقوبات لم تعد تحقق أهدافها الأساسية وأصبحت تُثقل كاهل الشعب السوري. وفي ظل التطورات السياسية الأخيرة، يبرز التساؤل حول مدى إمكانية المجتمع الدولي في التحرك نحو إنهاء هذه الإجراءات.
وفي 8 كانون الأول/ديسمبر الجاري، أعلنت فصائل المعارضة سقوط نظام بشار الأسد، بعد السيطرة على كبرى المدن السورية، وذلك خلال عملية عسكرية بدأت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلقت عليها اسم “ردع العدوان”.
وأكد قائد العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع، (أبو محمد الجولاني) في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أن “سوريا منهكة من الحرب ولا تشكل تهديدًا لجيرانها أو للغرب”، داعيًا إلى رفع العقوبات المفروضة على البلاد.
اقرأ أيضاً: واشنطن تفرض عقوبات على ضابط سوري وأفراد من عائلته – 963+
العقوبات تعيق إعادة الإعمار
قال المحلل الاقتصادي يوسف لهلالي، المقيم في فرنسا، لموقع “963+” أن استمرار العقوبات الاقتصادية يشكل عائقاً كبيراً أمام إطلاق الاقتصاد السوري وبدء عمليات الإعمار.
وأشار إلى أن الحرب التي دامت 13 عاماً دمرت البنية التحتية بالكامل، بما في ذلك المطارات والموانئ والمرافق الأساسية الأخرى، مما يتطلب استثمارات ضخمة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة بنائها.
وأوضح لهلالي أن “النظام السياسي السابق فشل في تقديم جهود حقيقية لإنعاش الاقتصاد السوري”، مشيراً إلى أن “العزلة الدولية المفروضة على سوريا، حتى من قبل الدول الحليفة، زادت من تعقيد الوضع الاقتصادي”.
وأكد أن “رفع العقوبات يمثل الخطوة الأولى لتحقيق إعادة الإعمار”، لكنه شدد على أن ذلك “يجب أن يترافق مع جهود دولية لدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي”.
وأضاف أن القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، “تترقب خطوات إيجابية من القيادة السورية الجديدة، تشمل احترام حقوق الإنسان والديمقراطية”. ودعا الدول العربية إلى “لعب دور ريادي في توفير الدعم المالي، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، لتحقيق إعادة إعمار شاملة”.
وكانت معظم حكومات دول الاتحاد الأوروبي قد رحبت بسقوط بشار الأسد، لكنها تدرس مدى قدرتها على العمل مع الحكومة السورية الانتقالية، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”.
ويرى ديبلوماسيون غربيون إنّه يجب مراقبة نهج الفصائل في التعامل مع الانتقال السياسي في سوريا قبل اتخاذ قرارات كبيرة، مثل إنهاء العقوبات ورفع “تحرير الشام” من قوائم الإرهاب، وصولاً إلى تقديم الدعم المالي لسوريا في نهاية المطاف.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يستبعد رفع العقوبات عن سوريا في الوقت الحالي – 963+
رؤية قانونية
في السياق القانوني، أوضح الدكتور عمر العكور، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأردنية، أن العقوبات المفروضة على سوريا أُنشئت في الأساس للضغط على النظام السابق بسبب انتهاكاته للقانون الدولي الإنساني. إلا أن هذه العقوبات، التي كانت تهدف إلى تقليص قدرات النظام، أصبحت تُثقل كاهل الشعب السوري بشكل غير مبرر
وأشار العكور في حديث لـ”963+” إلى أن القانون الدولي يهدف إلى حماية حقوق الإنسان وصون كرامته، مؤكداً أن استمرار العقوبات يتعارض مع هذه المبادئ. ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة لرفع العقوبات، سواء من خلال قرارات صادرة عن الأمم المتحدة أو عبر مبادرات فردية من الدول. وأضاف أن رفع العقوبات سيكون له تأثير إيجابي كبير على توفير الغذاء والدواء وتحقيق حياة كريمة للشعب السوري.
كما شدد العكور على أن “القيادة السورية الجديدة يجب أن تبعث برسائل تطمينية للمجتمع الدولي تؤكد التزامها بحماية حقوق الإنسان، مما يعزز فرص رفع العقوبات وتسريع عملية إعادة الإعمار”.
وكان قد دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اليوم الخميس، “هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها أحمد الشرع، قائد قيادة العمليات العسكرية في سوريا، إلى “الاستفادة من دروس العزلة التي تواجه طالبان بأفغانستان، وانهيار النظام السوري السابق”.
ورد الشرع بالقول: “سوريا ليست أفغانستان ولن تكون”، مشدداً على الاختلاف الجذري بين البلدين من حيث التقاليد والعقلية
اقرأ أيضاً: بلينكن يدعو “تحرير الشام” للاستفادة من دروس طالبان والأسد – 963+
الشرع: سوريا ليست أفغانستان وندعو لرفع العقوبات – 963+
ضرورة استهداف الأنظمة وليس المدنيين
أكد المحامي رمزي حسونة، المقيم في دمشق، أن العقوبات يجب أن تكون موجهة نحو الأنظمة القمعية دون أن تلحق الضرر بالمدنيين. وأوضح أن الأطر القانونية لفرض العقوبات تعتمد على قرارات مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لكن تضارب المصالح بين الدول الأعضاء، خاصة تلك التي تملك حق النقض (الفيتو)، يعطل صدور قرارات فعّالة.
وأضاف حسونة لـ”963+” أن بعض الدول تلجأ إلى فرض عقوبات فردية خارج إطار القانون الدولي، وهو ما يُعد إجراءً غير قانوني وغير فعّال، حيث يلحق الضرر بالمدنيين أكثر من النظام المستهدف.
وأكد أن العقوبات يجب أن تُحصر بما يؤثر على الشخصيات والكيانات المرتبطة بالأنظمة القمعية فقط، مع استثناء الحاجات الأساسية مثل الغذاء والدواء
وأشار إلى أن المجتمع الدولي بحاجة إلى إيجاد وسائل بديلة لمواجهة الأنظمة القمعية، مثل الإدانة في المحافل الدولية والمقاطعة الاقتصادية الموجهة بدقة. كما دعا الدول التي فرضت العقوبات إلى مراجعة قراراتها والنظر في تأثيرها على الشعب السوري.
مواقف دولية متباينة
في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، دعا الأعضاء إلى “عملية سياسية يقودها السوريون وتلبي تطلعاتهم في دولة مدنية ديمقراطية”. وأكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أن التطورات الأخيرة في سوريا تمثل فرصة تاريخية لتحقيق انتقال سياسي شامل
من جهتها، صرحت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن الاتحاد لن يرفع العقوبات عن سوريا في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن أي خطوات بهذا الاتجاه تعتمد على تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية.
اقرأ أيضاً: ترامب يدعو إدارة بايدن لإبقاء “هيئة تحرير الشام” ضمن قائمة الإرهاب – 963+
وشهدت الفترة الأخيرة نقاشات حول إدراج “هيئة تحرير الشام” ضمن العملية السياسية. ورغم الدعوات لإزالتها من قوائم الإرهاب، لا تزال هذه الخطوة مثار جدل في الأوساط الدولية. وذكرت مصادر دبلوماسية أن الاتحاد الأوروبي يراقب نهج الفصائل السورية في التعامل مع الانتقال السياسي قبل اتخاذ قرارات كبرى، مثل رفع العقوبات.
وكانت وسائل إعلام نقلت عن مصادر خاصة، بأن إدارة ترامب دعت الإدارة الأميركية الحالية لتمديد “قانون قيصر لحماية المدنيين”، الذي وقّعه ترامب في عام 2019 بعد موافقة الكونغرس، ومنح مهلة مدتها خمس سنوات لإزالة العقوبات الاقتصادية.
ولم يستبعد المصدر تصويت مجلس الشيوخ على تمديد “قانون قيصر” خلال الأيام القادمة أو العمل على تشريع قانون جديد يتماشى مع التطورات الحالية في سوريا.
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، اتهمت منظمات حقوقية دولية أجهزة أمنية تابعة للحكومية بتعذيب المعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام من دون محاكمات داخل السجون. وتستهدف دعاوى قضائية عدة في أوروبا اليوم الحكومة السورية بتهم تعذيب معتقلين.
وكانت واشنطن من السبّاقين لقطع علاقاتها مع دمشق، بعد اندلاع الاحتجاجات عام 2011 والتي تحولت لنزاع مسلح، ومن ثمّ تبعتها عواصم عربية وغربية.
وفي عام 2020، دخلت مجموعة جديدة من العقوبات الأميركية حيّز التنفيذ بموجب قانون “قيصر”، استهدفت أفراداً من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد والمقربين لحكومته، بمن فيهم زوجه أسماء الأخرس.