بينما يحّل الشتاء بارداً على سكان مدينة الرقة شمالي سوريا، يشهد محيطها سخونة عسكرية بين الأطراف المتصارعة في البلاد، ما يثير مخاوف الأهالي من النزوح، مع سيطرة فصائل المعارضة على مدينة منبج بريف محافظة حلب.
ذكريات النزوح تعود من جديد
تخوف سكان الرقة من نزوح جديد ينبع من تجارب سابقة عاشوها حيث لا تزال تفاصيل حياة الخيام ومعاناة النزوح حاضرة في أذهانهم، رغم سنوات من الاستقرار النسبي بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مناطق شرق الفرات.
تزايدت هذه المخاوف بالتزامن مع التهديدات بتغيير خرائط السيطرة، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أطاحت بـ”نظام الأسد” وتسريبات من مدينة منبج تُظهر مشاهد إعدامات وعمليات سرقة ونهب.
تلك المخاوف بدأت تعتري سكاناً في الرقة مع إطلاق الفصائل الموالية لتركيا لهجوم “فجر الحرية” الذي أعقب إعلان الهيئة لعملية “ردع العدوان” والتي انتهت بعد 11 يوماً بالدخول إلى قصر الرئيس الأسد الذي فرّ إلى موسكو في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الجاري.
“فجر الحرية” هي عملية عسكرية استهدفت بشكل رئيسي ريفي حلب والرقة، وأسفرت عن سيطرتها على مدينة منبج بعد أيام من المعارك مع مجلس منبج العسكري المنضوي تحت راية “قسد”.
مخاوف من الانتهاكات والفوضى
لم تكن أنباء السيطرة على منبج الواقعة بريف محافظة حلب شمالي سوريا مبشرة بالنسبة لسكان الرقة، خاصة مع انتشار مقاطع مرئية تُثبت تورط جهاز الاستخبارات التركي بتصفية مقاتلين جرحى في مجلس منبج العسكري في إحدى المستشفيات.
سبق ذلك، اعتداءات موثقة، بمقطع مرئي، على كادر طبي تابع لمستشفى في تل رفعت، حينما أقدم مسلحون على إهانة وضرب ممرضين بدافع انتقامي بحجة أنهم كانوا يعملون مع “قسد”.
ولأنه رأى ذلك، يتخوّف أبو صالح الأربعيني من دخول “الجيش الوطني” إلى مدينة الرقة، “سيرتكبون مجازر بحق السكان”.
ويوقن الرجل ذو الأصول الكردية بأن تلك الفصائل ستمارس أعمالاً انتقامية دون تمييز و”لن يسلم أحد من شرهم”، على حد وصفه.
ولا يتمنى الرجل المقيم في حي شمال السكة بطرف مدينة الرقة الشمالي، أن تشهد المنطقة المزيد من الصراعات، حيث عانى السوريون طيلة سنوات من الحرب التي خلّفت أزمات اقتصادية ومعيشية واجتماعية.
ويضم “الجيش الوطني” الذي أعادت تركيا تنظيمه أواخر أيار/مايو 2017، فصائل إسلامية وأخرى موالية لتركيا، ويتهم بعض قادته بارتكاب جرائم حرب، فيما يحتوي ببعض تشكيلاته على مسلحين سابقين في تنظيم “داعش” المتطرف.
وتثير ممارسات المسلحين الموالين لتركيا مخاوف سكان الرقة، في ظل ما شهدته مدينة منبج من سرقات وعمليات تشليح وجرائم قتل بدافع السرقة وأخرى بدافع انتقامي.
بينما تتحدث شهادات حصل عليها “963+” من داخل منبج عن تردي الأوضاع الأمنية هناك وانتشار السرقات والأفعال الانتقامي، واضطرار السكان لملازمة منازلهم لأيام خوفاً من القتل.
وكشفت قناة “حلب اليوم” المقربة من “الجيش الوطني” عن تدهور الأوضاع الأمنية في مدينة منبج، حيث تسود حالة من الفوضى والخوف نتيجة عمليات سرقة ونهب مستمرة منذ السيطرة على المدينة وحتى الآن وتُنفذ باسم فصائل الجيش الوطني، بحسب قولها.
وقالت إن عدداً من الأهالي تعرضوا لتوقيفات مفاجئة على الطرقات يتم خلالها الاستيلاء على سياراتهم بالقوة فضلاً عن اقتحام المنازل وسرقتها إضافة لمصادرة منازل تعود لسوريين أكراد في المدينة تحت ذريعة الانتماء لـ”قسد”.
فيما لم تسلم المؤسسات العامة من عمليات السطو، إذ تم الاستيلاء على شركة الكهرباء وسياراتها إلى جانب سرقة ممتلكات مؤسسة الأعلاف. وسط مناشدات للجهات المعنية لوقف هذه التجاوزات التي تفاقم معاناة السكان اليومية، في حين لم يصدر أي تعليق رسمي حتى اللحظة من الجيش الوطني السوري.
رفض شعبي وقلق من المستقبل
ويرفض باسم الأحمد 31 عاماً دخول فصائل “فجر الحرية” إلى الرقة، ويشير إلى أن رفضه نابع من حاضنة شعبية لا ترغب بتلك الفصائل، كونه سبق لها أن سيطرت على مدينة الرقة في عام 2013، وحينها ترافق وجودها بالفلتان الأمني وانتشار العصابات.
اقرأ أيضاً: جيش موحد لسوريا الجديدة.. رؤية غرفة عمليات الجنوب لإعادة الإعمار
ويقول إن عشائر الرقة في غالبيتها ترفض دخول فصائل “الجيش الوطني”، خاصة أن الرقة تشهد استقراراً منذ سنوات، فيما سيسعى هؤلاء للفوضى وممارسة أعمال السرقة والسلب والنهب للأموال العامة والخاصة.
وتنشر حسابات مقربة من فصائل “الجيش الوطني” عن تحشيدات بالقرب من منبج وتل أبيض بريف الرقة الشمالي، وذلك يثير الهلع بين الأهالي، ويشير بعضهم إلى أنهم لن يستطيعوا العيش بسلام إذا ما دخل هؤلاء.
وتهدد تركيا باجتياح مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد”، وتحاول مساندة تلك الفصائل جوياً، إلا أن تدخل التحالف الدولي بقيادة أميركا يحول دون ذلك.
وتسببت تحشيدات “الجيش الوطني” بتفاقم مخاوف السكان بعد استهداف سد تشرين شرقي منبج، ما أدى لتضرر بعض أجزاءه، وسط تحذيرات سادت حينها، من الانهيار وإغراق المنطقة، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب والري.
ومنذ أيام، وثقت رابطة تآزر مقتل 13 مدنياً، بينهم 3 أطفال في قصف تركي على كوباني وعين عيسى، وقالت إن القوات التركية تواصل قصفها المكثف على مناطق شمال شرقي سوريا، واستهدفت المدنيين والمرافق الطبية والقرى المأهولة بالسكان، بالتزامن مع دعمها لفصائل “الجيش الوطني”، التي كثّفت هجماتها على المنطقة التي تُعد نموذجاً للتعايش الأهلي بين الكُرد والعرب والأقليات القومية والدينية، وتحتضن أكثر من مليون نازح داخلي.
وتأتي هذه الاعتداءات في لحظة حرجة، حيث تنفّس ملايين السوريين الصعداء مع سقوط “نظام الأسد”. وفي حين دعت الأمم المتحدة ودول كثيرة جميع الأطراف المسلحة في سوريا إلى ضبط النفس ووقف التصعيد، مؤكدةً ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين، والحوار لبناء سوريا الجديدة، تستمر الهجمات التركية والفصائل المدعومة منها في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، بما يشمل القتل والاعتقال التعسفي ونهب الممتلكات، بحسب “تآزر”.