أعلنت نحو عشر دول أوروبية بينها ألمانيا، تعليق البت في طلبات اللجوء لعشرات آلاف السوريين، وسط دعوات في بعض الدول لترحيلهم، وذلك بعد يوم واحد على سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل اللاجئين السوريين في أوروبا، ومدى ملائمة الظروف في سوريا للعودة في ظل انهيار البنى التحتية وتدهور الاقتصاد.
بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” وفصائل من المعارضة المسلحة على العاصمة السورية دمشق يوم الأحد، وفي ضوء التقدم الكبير الذي حققته أحزاب اليمين المتطرف في أغلب الدول الأوروبية، أعلنت الحكومات في كل من ألمانيا والنمسا والسويد والدنمارك والنرويج وبلجيكا وسويسرا وبريطانيا، تعليق طلبات اللجوء للسورين، فيما قالت فرنسا إنها تدرس اتخاذ قرار مشابه، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) أمس الإثنين.
وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، قالت في بيان إن “نهاية الاستبداد الوحشي للديكتاتور السوري بشار الأسد هي مصدر راحة لكثيرين ممن عانوا التعذيب والقتل والإرهاب، العديد من اللاجئين الذين وجدوا الحماية في ألمانيا، يحدوهم الأمل في العودة إلى وطنهم الأم سوريا وإعادة بناء بلادهم، لكن لا يمكن في الوقت الراهن التنبؤ بالإمكانات الملموسة للعودة، سيكون من غير المهني التكهن بشأنها في وضع مضطرب كهذا”.
وفي السويد، التي أعلنت هي الأخرى تعليق النظر بطلبات اللجوء للسوريين، ذهب زعيم الديمقراطيين الذي يدعم حزبه الائتلاف الحاكم بالبلاد إلى أبعد من ذلك، وطالب بترحيل السوريين، فيما قالت وزارة الداخلية في النمسا التي تحتضن أكثر من 100 ألف سوري: “بدءاً من الآن ستتوقف إجراءات اللجوء المفتوحة للسوريين، التعليمات تقتضي إعداد برنامج ترحيل منظم إلى بلادهم”.
سوريا غير مستقرة والمستقبل فيها غير واضح
قصي شيخو، وهو صحفي سوري مقيم في ألمانيا، اعتبر خلال تصريحات لموقع “963+”، أن “سوريا غير مستقرة حالياً رغم سقوط النظام والمستقبل فيها غير واضح، من حيث هل ستكون هناك حكومة جديدة بديلة للأسد لكن بنكهة إسلاموية، وما مدى احتمالية أن يكون هناك اشتباكات بين الفصائل المتعددة في ظل غياب جيش موحد”.
ويقول إن “الغالبية العظمى من اللاجئين لن تعود بناءً على هذه المعطيات حتى أولئك الذين ليسوا مطلوبين أمنياً لهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى أو لديهم مشكلات تتعلق بالديانة والطائفة وغيرها، على اعتبار أنهم بنوا حياة مستقرة في الدول الأوروبية مثل ألمانيا من حيث أعمالهم ومدارس أبنائهم، إلى جانب عوامل أخرى تتعلق بالغطاء الدولي لسوريا على اعتبار أن “هيئة تحرير الشام” لا تزال على قوائم الإرهاب الدولي”.
اقرأ أيضاً: تداعيات سقوط الأسد على دول الجوار السوري
وتحاول الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين لاسيما في الجوار السوري، أن تدفع باتجاه الحديث عن أن الظروف أصبحت مناسبة للعودة، فبعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهذا الشأن قبل أيام، قال وزير الداخلية الأردني مازن الفراية أمس الإثنين بتصريحات لقناة محلية، إن “الظروف أصبحت مهيأة إلى حد كبير لعودة السوريين، ما كان يحول بين اللاجئين السوريين والعودة هو الموضوع الأمني، بعضهم كان يخشى التجنيد الإلزامي والمحاسبة من قبل النظام السابق، اليوم هذا الأمر لم يعد موجوداً”.
سقوط النظام لا يزيل أسباب الهجرة
الحقوقي السوري حسين نعسو المقيم في ألمانيا، لا يتوقع حدوث عمليات عودة منتظمة للاجئين، ويقول لموقع “963+”، إن “الظروف لن تصبح مهيأة لعودة اللاجئين بمجرد سقوط النظام، فسقوطه ليس عصا سحرية من شأنها إزالة جميع الأسباب التي دعت السوريين إلى الهجرة، كما أن ملامح سوريا الجديدة ليست واضحة وتميل للسواد بسبب الخوف والتوجس مما ينتظر البلاد”.
ودعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أمس الإثنين، في أعقاب الإعلانات الأوروبية الى إظهار “الصبر واليقظة” بشأن قضية عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم بعد إسقاط نظام بشار الأسد، بعد إعلان العديد من الدول الأوروبية تعليق طلبات اللجوء للسوريين، وقالت في بيان، إنه “من الضروري التأني لمعاينة الأوضاع في سوريا والتحقق من مدى ملائمة الظروف للعودة”.
اقرأ أيضاً: الجدل حول اللاجئين السوريين يعود إلى الواجهة في أوروبا
وبحسب شيخو، فإنه “رغم تعليق السلطات الألمانية عملية البت بأكثر من 47 ألف طلب لجوء للسوريين بينها 46 ألفاً طلب أول، فإن أعداداً جديدة لا تزال تصل إلى البلاد بشكل مستمر لاسيما من تركيا وفق ما توثق المنظمات العاملة بالمجال الإنساني”، مشيراً إلى أن “الحكومة الألمانية أوقفت البت بالطلبات بشكل مؤقت حتى تتوضح الأمور على الأرض في سوريا وإجراء التقييم المناسب”.
ويشير إلى أن “التقييم يتعلق بمدى إمكانية إعادة اللاجئين إلى سوريا رغم سقوط النظام، على اعتبار أن كثيرين منهم من مسيحيين وعلويين وأكراد ومسلمين سنة، تم التنكيل بهم من قبل مجموعات أخرى غير النظام بينها “هيئة تحرير الشام” وأخذوا حق اللجوء على هذا الأساس”، موضحاً أن “إيقاف البت أصدره المكتب الاتحاد للهجرة واللاجئين، وللتصديق عليه يحتاج ذلك إلى تقييم من قبل البرلمان الألماني”.
اقرأ أيضاً: مصالح متباينة.. ملامح صراع بين الفصائل يهدد خطط تشكيل جيش موحد
ويلفت نعسو، إلى أن “أبرز المعوقات أمام العودة هو وجود عشرات الفصائل والمنظمات المتطرفة والموضوعة على لوائح الإرهاب، إلى جانب أن تجارب دول المنطقة كالعراق واليمن والسودان وغيرها غير مشجعة ولا تدعو للتفاؤل، من حيث الحروب الأهلية والاقتتالات وانتشار الميليشيات، لذا يفضل التريث بشأن إطلاق دعوات العودة للاجئين”.
شروط العودة
ويشدد الحقوقي السوري، على أن “هناك جملة من المطالب يشترط تحققها لعودة اللاجئين تتعلق بالاستقرار واستتباب الأمن وبناء جيش موحد وأجهزة أمنية قادرة على فرض الأمن والنظام، وحل الميليشيات ونزع سلاحها، وتأهيل البنى التحتية والبدء بإعادة الإعمار التي دونها لا يمكن الحديث عن أي عودة، على اعتبار أن أكثر من نصف سوريا مدمر إما كلياً أو جزئياً”.
ويشير إلى “وجود عوائق وتحديات تتعلق باللاجئين أنفسهم، على اعتبار أنهم قضوا نحو 14 عاماً خارج البلاد، وما تخلل ذلك من نشوء جيل جديد في بلاد اللجوء يجد حتى صعوبة في إتقان اللغة العربية، وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان إعادة اندماج هؤلاء مع المجتمع السوري وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة مجدداً، إلى جانب ارتباط كثير من اللاجئين بمصالح اقتصادية في الخارج، إضافةً إلى أن الحكومة المؤقتة ولدت من رحم حرب أهلية طويلة وليس لديها القدرة على إعادة الإعمار”.
يشار، إلى أنه إلى جانب ملايين اللاجئين في كل من لبنان والأردن وتركيا، تستقبل ألمانيا نحو مليون لاجئ سوري، وهو العدد الأكبر بين دول الاتحاد الأوروبي، فيما يعيش في النمسا حوالي 100 ألف سوري، إلى جانب آلاف آخرين ينتظرون الموافقة على طلبات لجوء تم تقديمها، إضافةً لمئات الآلاف في كل من السويد والدنمارك وسويسرا والنرويج وهولندا.