منذ سيطرة “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة على مدينة حلب شمالي سوريا قبل أسبوع، دفعت تركيا فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم منها، لشن هجمات ضد مناطق خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) وسيطرتها على الشهباء وتل رفعت، ما طرح تساؤلات بشأن الدور التركي في التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا، وخططها بشأن شمال شرقي البلاد.
ورغم أن هجمات فصائل “الجيش الوطني” والقصف الجوي التركي متكرر على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا منذ العام 2016، إلا أنه برز توجه من قبل تلك الفصائل للتوسع مجدداً وبدء هجمات جديدة، حيث أطلقت عملية عسكرية بريف حلب الشرقي أطلقت عليها اسم “فجر الحرية” استهدفت منطقتي الشهباء وتل رفعت، إلى جانب تقارير عن تحشيدات على محاور منبج، بموازاة إطلاق “تحرير الشام” والفصائل عملياتها في محافظتي حلب وإدلب.
اقرأ أيضاً: “قسد” تتقدم بريف دير الزور بعد اشتباكات مع فصائل موالية لإيران
الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، كانت قد شنت هجمات على مناطق “الإدارة الذاتية” وسيطرت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، على منطقتي رأس العين (سري كانييه) وتل أبيض شمال شرقي سوريا، بعد سيطرتها في 2018 على منطقة عفرين شمال غربي البلاد، وجرابلس والباب بالشمال في 2016، ورافق ذلك عمليات نزوح لآلاف السكان، وتقارير عن “انتهاكات” جرى ارتكابها على يد عناصر تلك الفصائل.
سقوط الحكومة يفتح الباب أمام نظام فيدرالي
الباحث في العلاقات الدولية المقيم في باريس طارق وهبي، قال إن “تركيا تعي جيداً أن قوات قسد أنشأت قطاعاً شبه مستقل بإدارة ناجحة وبناءةً، وتريد أن تقوم الفصائل بمنع حزب العمال الكردستاني من التدخل في تركيا، وهذا ما يسمى باتفاق عدم نزاع بشروط واضحة، والكل سيستفيد منه لأن الإطاحة بالنظام الحالي ستفتح الباب أمام التفكير بنظام فيدرالي يشبه ما يحصل في العراق وتستفيد منه قسد لإنشاء كردستان سوريا بإطار دستوري للدولة السورية”.
وأضاف في تصريحات لموقع “963+”، أن “تركيا هي المحرك الأساسي ووضعت شروطاً على كل الفصائل المسلحة السورية، أولها أنها هي من تقرر متى وكيف توقف هذه الموجة التحريرية التي استقطبها السوريون ورحبوا بعودة الثوار والمعارضين وذلك يعطي فكرة عن مدى عدم الرضا عن النظام، لكن المهم أن هناك اتفاق مع الفصائل على تمرير مصالح تركيا أولاً”.
اقرأ أيضاً: القوات الكردية تنسحب من تل رفعت والإدارة الذاتية تعلن التعبئة العامة
موافقة تركية ومساع لتثبيت خرائط سيطرة جديدة
ويشاطر حسن الحريري، عضو اللجنة الدستورية السورية طارق وهبي الرأي بشأن علم وموافقة تركيا على هجمات “الجيش الوطني السوري” شمالي البلاد، ويقول في تصريحات لموقع “963+”، إن “الجيش الوطني أطلق معركة فجر الحرية لإعادة السيطرة على الأراضي السورية بالتزامن مع المعارك المفتوحة بالشمال والجنوب وبعلم وموافقة تركية”.
إلا أن رئيس المركز الكردي للدراسات نواف خليل، يعتبر خلال تصريحات لـ”963+”، أن “الهدف الواضح من زج تركيا لفصائل الجيش الوطني نحو مناطق الإدارة الذاتية هو الذي يردده بشكل متكرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو احتلال المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، وتثبيت الخرائط الجديدة على الأرض قبل أن تتبلور نتائج التطورات الدراماتيكية التي تشهدها سوريا”.
وأعقب السيطرة الأخيرة قبل أيام على بلدة تل رفعت ومنطقة الشهباء بريف حلب الشمالي، نزوح نحو 120 ألف شخص، كثير منهم اضطروا للفرار مرة أخرى بعد تهجيرهم سابقاً في هجوم تركي سابق على عفرين، ورافق ذلك تداول مقاطع مصورة تكشف ارتكاب عناصر الفصائل انتهاكات بحق المدنيين، بينها ظهور مسلح يحمل مقاتلة كردية من “وحدات حماية الشعب” التابعة لـ”قسد” بطريقة مذلة، بينما تم تكديس أسرى آخرين فوق بعضهم البعض”.
وفي مقطع آخر، ظهر عناصر مسلحون يعتدون بالضرب والركل على أسرى داخل مستشفى تل رفعت، بعد أن سيطر عليها “الجيش الوطني” إثر انسحاب قوات “تحرير عفرين”. وبينما يحذر أحد المسلحين زملاءه من الاستمرار في التصوير، يقوم آخر يرتدي ملابس صحافي بركل الأسرى وسط شتائم تنضح بالكراهية والتحريض.
تنسيق أميركي مع تركيا و”قسد”
لكن وهبي، يشير إلى أن “الولايات المتحدة على علم ومعرفة بما يحصل وهي على تنسيق كامل مع الأتراك والقوات الموجودة في شمال شرقي سوريا، لأنها أولاً ضامنة لقسد وثانياً من أجل عدم عودة أي حركات وتنظيمات كتنظيم داعش والنصرة بالمفهوم السابق لهما”، معتبراً أن “تركيا للأسف تبحث عن مصالحها الخاصة والضيقة ولا تأبه لأي شيء آخر”.
وبحسب الحريري، فإن “الموافقة التركية على هذه العمليات جاءت كونها تصب في جزء منها بمصالح الدولة التركية المتضررة من انتشار قوات قسد على حدودها”، مشيراً إلى أن “هذه المواجهات ستعقد ربما المشهد في سوريا لكنها لن تؤثر على سير المعارك”.
اقرأ أيضاً: نزوح بلا نهاية.. مأساة عفرين تتكرر في الشهباء وتل رفعت
وكانت القوات التركية قد صعدت أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من قصفها على مناطق “الإدارة الذاتية” واستهدفت عبر غارات جوية بالطيران الحربي والمسير، مواقع لـ”قسد” وقوى الأمن الداخلي (الأسايش)، ومنشآت خدمية وبنى تحتية أساسية ومحطات للطاقة والكهرباء وحقول نفطية.
وقال المجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية” في بيان حينها، إن “إجمالي الهجمات التركية على المنطقة بلغ 1031 هجوماً، أسفرت عن مقتل 17 شخصاً وإصابة 65 آخرين من مدنيين وعسكريين”، مشيراً إلى أن “عدد الهجمات عبر الطائرات المسيرة بلغ 118، فيما بلغ عدد هجمات الطائرات الحربية 20 هجوماً، كما تسبب القصف بانقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 150 ألف عائلة، بالإضافة إلى انقطاع المياه عنهم بسبب انقطاع الكهرباء عن محطات المياه”.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، قد قالت بتقرير في شباط/ فبراير الماضي، إن “تركيا تتحمل المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة التي يرتكبها عناصر قواتها والجماعات المسلحة المحلية التي تدعمها في الأراضي التي تحتلها شمالي سوريا”، مضيفةً أن “المسؤولين الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات بل يتحملون المسؤولية باعتبارهم سلطة احتلال، وفي بعض الحالات كانوا متورطين مباشرة في جرائم حرب محتملة”.