دمشق
وجهت “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” إلى السفارات العربية والأجنبية في دمشق خطاباً أرادته معتدلاً، أكدت فيه أن رؤيتها لسوريا المستقبل “هي دولة تقوم على الحوار”، في مسعى لتلميع صورتها، على وقع الأخبار الآتية من المناطق التي سيطرت عليها الهيئة في إدلب وحلب.
ويأتي هذا الخطاب ضمن سلسلة من التدابير تتخذها “الهيئة” في هذا الاتجاه، أبرزها استخدام زعيمها أبو محمّد الجولاني اليوم الخميس، وللمرة الأولى، اسمه الحقيقي أحمد الشرع، في منشور على “تلغرام” تزامن مع سيطرة قواته على مدينة حماة في وسط سوريا، وحديثه عن “نصر بلا ثأر”، مطمئناً الأقليات في المناطق التي وقعت تحت سلطته.
فقد نشر حساب قيادة الفصائل المعارضة التي تشنّ هجوماً على القوات الحكومية منذ أكثر من أسبوع، تمكّنت خلاله من السيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، وعدد من المناطق المجاورة، ثم على مدينة حماة اليوم، صورة للجولاني مرفقة بعبارة “نبارك لأهل حماة النصر”، وجاء تحتها عبارة “القائد أحمد الشرع”.
وكان اسم الجولاني، المولود في عام 1982، قد ارتبط بجبهة النصرة التي كان أميرها منذ عام 2012، والتي سيطرت وفصائل معارضة على محافظة إدلب (شمال غرب سوريا) في عام 2015، وكانت تابعة لتنظيم القاعدة.
في تموز/يوليو 2016، أطلّ الجولاني علنا للمرة الأولى ليعلن فك ارتباط النصرة بالقاعدة وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام” التي تحوّلت بعد اندماج فصائل إسلامية ومعارضة معها في عام 2017 إلى هيئة تحرير الشام.
وسبق لزعيم “الهيئة” أن أكد في مقابلة مع شبكة “بي بي أس” الأميركية في عام 2021 أن اسمه الحقيقي أحمد الشرع، ولقبه الجولاني مرتبط بأصول عائلته من هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل.
سجل يثير المخاوف
وعلى الرغم من هذا الجهد لتغيير الصورة النمطية التي توصف بها “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً”، أعلنت الأمم المتحدة الأربعاء أن 115 ألف شخص “نزحوا أخيراً في أنحاء إدلب وشمال حلب” جراء القتال، فيما أعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية الأربعاء عن مخاوفها من تعرّض المدنيين في شمال سوريا “لانتهاكات جسيمة على يد الجماعات المسلحة المعارضة والحكومة السورية”.
وأشارت المنظمة، في بيانها، إلى أن “سجلات الفصائل المسلحة بشأن الاعتقالات تثير مخاوف جدية إزاء سلامة الأشخاص المرتبطين بالحكومة السورية أو الجنود السوريين الذين تم أسرهم أثناء الهجوم العسكري، كما أن الفصائل لديها سجلات موثقة جيدًا لسوء معاملة الأقليات الدينية والعرقية والنساء في المناطق الخاضعة لسيطرتها”.
وقال نائب مدير منطقة الشرق الأوسط لدى المنظمة، آدم كوغل: “وعدت الجماعات المسلحة بضبط النفس واحترام المعايير الإنسانية، لكن في المحصلة سيتم الحكم على أفعالها وليس أقوالها”، مضيفاً: “مؤكد أن السجل الدموي للفظائع التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع في سوريا سيستمر إذا ما اكتفى القادة بالأقوال ولم يدعموا جهود المساءلة، ومن دون عدالة موثوقة، لن تلوح في الأفق نهاية للمعاناة التي تحملها السوريون، بغض النظر عن الجهة التي تسيطر في الميدان”.
قلق أممي
توالت الأنباء عن تجاوزات كثيرة حصلت في حلب بعيد سقوطها بيد “الهيئة”. وقال الدكتور آدم عبد المولى، المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، أمس الأربعاء إن الوضع كارثي في حلب ومناطق أخرى في شمال غرب سوريا، مضيفاً: “من أكثر الروايات الصادمة هي أن هناك جثثاً ملقاة في الشوارع، ولا تستطيع فرق الهلال الأحمر العربي السوري أو أي منظمات أخرى حتى الآن جمع هذه الجثث ودفنها بشكل لائق”.
وتابع: “نحاول التواصل مع سلطات الأمر الواقع في الشمال الغربي عن طريق زملائنا العاملين بمكتب الأمم المتحدة عبر الحدود من غازي عنتاب. لقد زاروا مدينة إدلب والتقوا بقادة هيئة تحرير الشام هناك، وتدارسوا معهم إمكانية السماح للمنظمات الإنسانية أن تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرتهم”.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن التطورات الجديدة تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المروع بالفعل للمدنيين في شمال البلاد. وأضاف: “إن المحاصرين في الخطوط الأمامية لم يتمكنوا من الوصول إلى أماكن أكثر أمانا أو الوصول إلى الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، ويجسب ضمان المرور الآمن لمن يفرون، وسواء غادر المدنيون أو قرروا البقاء، يجب حمايتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية”.