رافق سيطرة “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً” وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا على مدينة حلب شمالي سوريا قبل أيام، معطيات جديدة وتساؤلات كثيرة أبرزها يتعلق بالوضع الاقتصادي للمدينة وانعكاس ذلك على الاقتصاد السوري بشكل عام، على اعتبار أنها توصف بـ”العاصمة الاقتصادية” للبلاد، لاسيما في ظل الانهيار الذي شهدته الليرة أمام العملات الأجنبية في الأيام التالية للسيطرة.
سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي سجل يوم أمس الأربعاء في مدينة حلب بحسب مصادر محلية، 23 ألف ليرة للدولار الواحد في هبوط كبير و”سقوط حر ومدوي” شهدته للمرة الأولى في تاريخها، بعد أن كانت تساوي 15 ألفاً قبل سيطرة “الهيئة” والفصائل على المدينة يوم السبت الماضي.
لا شكل للاقتصاد وتوقف الحركة التجارية
الخبير الاقتصادي السوري المقيم في باريس يونس الكريم، اعتبر أنه “لا يوجد شكل حقيقي للاقتصاد يمكن أن تتبعه هيئة تحرير الشام في حلب، لأنها لا تملك مؤسسات لإدارة البنية الاقتصادية، وإنما هي شبه مؤسسات تخضع لحكومة الإنقاذ، كما أنها كانت سابقاً تدير جزءاً من مدينة إدلب، أما الآن فهي تدير مساحة واسعة من الجغرافيا، وعليه فإنه من المتوقع أن تكون إدارة الاقتصاد مزيج من تجربتها السابقة في الرقة وإدلب”.
اقرأ أيضاً: حماة تترقب مصير حلب وإدلب.. فهل سيتوقف هجوم “الهيئة” عندها؟
ويقول في تصريحات لموقع “963+”، إن “الحركة التجارية في حلب سوف تتوقف وسيتعرض الكثير من الأعمال للإيقاف والإفلاس لعدة أسباب، أبرزها أن الكثير من الشركات مملوكة من رجال النظام، إلى جانب الانتظار حتى معرفة ردة فعل النظام، إضافةً لتأمين السيولة النقدية للتعامل والعمال، ومعرفة الأسواق التي ستقوم حلب بتزويدها بالسلع، لذلك فإنه ولأكثر من شهر لن يكون هناك حركة صناعية أو تجارية بالمدينة”.
فوضى اقتصادية وتخبط بعمليات البيع والشراء
ويتوقع أغلب المحللين الاقتصاديين، أن يكون هناك ارتدادات اقتصادية لسيطرة “هيئة تحرير الشام” على حلب ليس على المدينة فقط، إنما على الاقتصاد السوري ككل، وهو ما تجلى بما يمكن وصفه بـ”السقوط الحر” لليرة أمام العملات الأجنبية، وفي ظل استمرار العمليات العسكرية في محافظة حماة واحتمالية سيطرة “الهيئة” والفصائل على مناطق جديدة، وانعكاس ذلك على الاقتصاد في مناطق الحكومة التي تعاني أصلاً أزمة اقتصادية منذ سنوات.
وتحدثت مصادر محلية لـ”963+”، أن أسواق حلب تشهد “تخبطاً وتفاوتاً بالأسعار بين منطقة وأخرى وما يشبه الفوضى الاقتصادية في عمليات البيع والشراء، حيث سجل سعر ربطة الخبر في بعض الأحياء 20 ألف ليرة (دولار أميركي واحد)، فيما تباع بأحياء أخرى بأربعة آلاف ليرة.
تعامل محدود بالليرة التركية وإغلاق للبنوك
لكن رغم ذلك فإن الكريم، “لا يتوقع أن يتم التعامل بالليرة التركية في حلب بشكل رسمي، لأنه حتى الآن لم تحصل حكومة الإنقاذ على اعتراف رسمي من الحكومة التركية للتعامل بالليرة، لأن ذلك يتطلب إقامة بنوك وتحمل أعباء تشمل السياسيات النقدية للبنك المركزي التركي، لذلك سيتم التعامل بالدولار كعملة أساسية وبالليرة التركية بشكل محدود لتسهيل استيراد البضائع”.
اقرأ أيضاً: تراجع الليرة أمام الدولار وارتفاع أسعار المحروقات جنوبي سوريا
ويشير الكريم، إلى أن “البنوك في حلب لديها مشكلات كثيرة، أولها يتعلق بوجود العملة السورية فيها وبكميات كبيرة ما يجعلها خاسرة، كما أنها ترتبط مع إدارتها بالعاصمة دمشق وبالتالي قرارها يخضع لدمشق وللبنك المركزي السوري ولا يمكن أن تعمل لذاتها، لذلك كل ما ستقوم بها هيئة تحرير الشام الآن هو إغلاق البنوك وحمايتها ريثما يتم التفاوض عليها مع النظام على آلية عمل هذه البنوك بشيء شبيه بمنطقة الإدارة الذاتية”.
وبحسب المحلل الاقتصادي، فإنه “من المتوقع أن يتم التفاوض بين الهيئة والنظام على أحد أمرين، إما أن يتم أخذ العملة السورية من قبل دمشق والتخلي عن الدولار كما حصل سابقاً في الرقة، أو يتم السماح للبنوك بالعمل وفق شروط مؤسسة النقد لدى حكومة الإنقاذ، وهنا لا يمكن لبنوك خارجية أن تفتتح فروعاً في حلب دون موافقة دمشق على اعتبار أنها لازالت الحكومة المعترف بها دولياً، لكن سيتم فتح مكاتب تحويل وصرافة وذلك سيكون له تأثير سلبي على الصناعة وحياة المواطنين”.
وتتحدث تقارير عن توجه سكان حلب لاسيما أصحاب رؤوس الأموال، إلى التخلي عن الليرة السورية والتعامل بالدولار وعملات أخرى بعد سيطرة “الهيئة” على المدينة، ما يعكس فقدان التجار وسكان المدينة الثقة بالحكومة السورية، بحسب محللين.
وتتهم “هيئة تحرير الشام” بفرض “سياسة احتكار السوق عبر شركات خاصة تابعة لها في المناطق التي تسيطر عليها، حيث سبق وأن احتكرت تجارة النفط والمحروقات في إدلب وريفها وريف حلب، عبر المديرية العامة للمشتقات النفطية التي تؤكد تقارير تبعيتها لها، إلى جانب منح إدارة قطاع الكهرباء لشركة “غرين إنرجي” التي تمتلك علاقات مع شركات تركيا ومقربة من الهيئة”.
ويتخوف السوريون، من أن ينهار الاقتصاد في مدينة حلب بشكل كلي على غرار ما حدث إبان سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على أجزاء واسعة منها عام 2013، والاتهامات حينها من قبل “اتحاد غرف الصناعة السورية” لتركيا بـ”تفكيك وسرقة المعامل والمصانع في المدينة”.
وقال اتحاد الغرف حينها في رسالتين موجهتين إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، إن “تركيا مشاركة في أعمال قرصنة وجرائم عابرة للحدود تستوجب رد فعل دولي”، وطالب بإلزام أنقرة بإعادة المعامل إلى أصحابها ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم.