أثار التصعيد الأخير في شمالي سوريا، والذي أطلقته فصائل المعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام”، ضد القوات الحكومية السورية في ريف حلب الغربي، موجة من التحليلات السياسية المتباينة حول خلفيات العملية وأهدافها. ففيما يرى بعض المحللين أن التصعيد يعكس استراتيجيات مدروسة من الجانب التركي لتحقيق مكاسب إقليمية، يربط آخرون الأحداث بتعقيدات المشهد الدولي وصراع القوى الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا.
تركيا ورسائل متعددة الأطراف
يرى المحلل السياسي المختص في الشأن التركي، خورشيد دلي، أن العملية العسكرية التي قادتها تركيا “تأتي كجزء من استراتيجية محسوبة بدقة، تحمل رسائل سياسية وعسكرية متعددة”.
ويعرب دلي في حديث لموقع “963+” عن اعتقاده أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى من خلال دعم هذا التصعيد لتأكيد دور بلاده كلاعب رئيسي في سوريا والمنطقة”.
ويتضمن ذلك عدة رسائل، الرسالة الأولى، بحسب دلي، “موجهة إلى الولايات المتحدة، حيث تريد تركيا أن تظهر كحليف يمكن الاعتماد عليه في إعادة ترتيب خرائط المنطقة”.
أما الرسالة الثانية “موجهة إلى روسيا، حيث ترى أنقرة أن العملية تمثل ورقة ضغط للرد على رفض موسكو أي عملية عسكرية تركية جديدة في سوريا”، بحسب المحلل السياسي.
في حين أن الرسالة الثالثة، “موجهة إلى النظام السوري، مفادها أن تركيا قادرة على فرض معادلات ميدانية جديدة في حال لم يتم التوصل إلى تفاهمات سياسية تتوافق مع المصالح التركية”.
روسيا وصراع المصالح الدولية
في المقابل، ترى علا شحود، المتخصصة في الإعلام والعلاقات الدولية والمقيمة في موسكو، أن “التصعيد الأخير يتجاوز الأهداف التركية ليكون جزءاً من لعبة سياسية دولية معقدة”.
وتعتقد شحود في حديث لـ”963+” أن “موسكو تنظر إلى هذه العمليات على أنها محاولة أميركية لإثارة التصعيد في سوريا وأوكرانيا على حد سواء، في سياق صراع أوسع مع روسيا”.
وتضيف أن “انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا يفسر صمتها النسبي تجاه العمليات الأخيرة في شمال سوريا”، مشيرةً إلى أن “روسيا قد تضطر إلى اتخاذ خطوات أكثر حدة إذا تصاعد الوضع بشكل يهدد مصالحها في المنطقة”.
التوقيت ودلالاته
بينما يركز دلي على الأبعاد الإقليمية لعملية المعارضة السورية، مشيراً إلى أن التوقيت جاء “مثالياً في ظل تراجع نفوذ الفصائل الإيرانية وحزب الله بسبب انشغالهم بالأوضاع في لبنان”، ترى شحود أن اختيار هذا التوقيت “مرتبط أكثر بمحاولة أميركا تحريك ملفات دولية ضاغطة على روسيا”.
ويعتقد المختص بالشأن التركي، أن “الهجوم يبدو محاولة للعودة إلى مرحلة ما قبل اتفاق بوتين – أردوغان، وهو ما يعني السيطرة على طريق M4 وفرض حصار شبه كامل على مدينة حلب التي قد تتحول إلى هدف رئيسي في المرحلة المقبلة”.
اقرأ أيضاً: معارك عنيفة وفصائل المعارضة تسيطر على قرى جديدة بريفي حلب وإدلب – 963+
ويلفت إلى أن الهجوم “كان مخططاً له منذ وقت طويل برعاية تركية”، مشيراً إلى أن الفصائل التي تقاتل إلى جانب تحرير الشام، المصنفة ضمن قوائم الإرهاب، “لن تقدم على أي هجوم دون موافقة تركية”.
ويوافق المحلل السياسي سلمان شبيب، رئيس حزب “سوريا أولاً”، سابقه في فكرة أن “هذا الهجوم والذي جاء بدعم وتشجيع تركي كان يحتاج إلى تجهيزات لوجستية وحشد قوات على مدى فترة طويلة، وليست وليدة اللحظة”.
ويضيف شبيب لـ”963+” إلى أن توقيت الهجوم يرتبط بتطورات عدة، أبرزها “الإمدادات العسكرية الأوكرانية للمجموعات المسلحة، تعثر جهود التطبيع الروسي بين سوريا وتركيا، وتجاهل دمشق لدعوات أردوغان للقاء الأسد”.
وأكد المحلل السياسي السوري، أن العملية تعكس نية تركيا استكمال “المنطقة العازلة” على الحدود، مشيراً إلى أن “التصعيد يتأثر أيضاً بالحرب الإسرائيلية المستمرة على سوريا وتهديدات إقليمية، منها تصريحات نتنياهو حول تغيير ملامح الشرق الأوسط”.
وأصدرت الحكومة السورية بياناً وصفت فيه العملية بأنها “انتهاك سافر لاتفاقيات خفض التصعيد”، محملة المعارضة السورية والداعمين الإقليميين والدوليين مسؤولية التصعيد.
وأشار البيان إلى أن قوات الحكومة “تصدت للهجوم وكبدت الفصائل المهاجمة خسائر كبيرة”، لكن مصادر المعارضة أفادت بتحقيق تقدم ميداني واسع، ما يعكس استمرار حالة التجاذب العسكري والسياسي بين الطرفين.
ويعتقد دلي، أن التصعيد الحالي “قد يؤدي إلى تفاهمات جديدة بين أنقرة وموسكو، خاصة إذا قررت روسيا التدخل بفاعلية أكبر عبر غارات جوية لوقف تقدم المعارضة”.
وعلى النقيض، ترى شحود أن “التصعيد قد يتحول إلى مواجهة مباشرة إذا قررت روسيا الرد على ما تعتبره استفزازات أميركية غير مباشرة في سوريا”.
اقرأ أيضاً: الدفاع السورية: قواتنا تصدت لهجوم ما زال مستمراً في حلب وإدلب – 963+
وقتل خلال العمليات العسكرية 35 عنصراً من فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام”، فيما قتل نحو 50 عنصراً من القوات الحكومية بينهم ضباط، إضافةً لأسر 12 عنصراً آخرين، بحسب ما أفاد مصدر مقرب من فصائل المعارضة لـ”963+”.
وتشهد قرى وبلدات ريف حلب الغربي، حركة نزوح كبيرة للسكان نحو مناطق ريف إدلب، في ظل القصف العنيف من قبل القوات الحكومية والروسية.
وكان مصدر محلي قد قال لموقع “963+” في وقت سابق من اليوم الخميس، إن فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” سيطروا على بلدات الشيخ علي وأرناز وكفربسين في ريف حلب الغربي، في اليوم الثاني من العملية العسكرية التي أطلقوها في المنطقة.
كما بدأت الفصائل و”هيئة تحرير الشام” عملية عسكرية على محاور ريف إدلب الشرقي، وسيطرت على بلدة داديخ وتلتها واقتربت من الطريق الدولي حلب – اللاذقية المعروف بـM4″”.
وبلغ عدد القرى والبلدات التي سيطرت عليها الفصائل و”تحرير الشام” 36 قرية وبلدة في ريف حلب الغربي وإدلب الشرقي، إضافةً للفوج 46، بحسب المصدر، فيما أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” التي تضم “الهيئة” وعدة فصائل أخرى السيطرة على 20 قرية غربي حلب إضافةً “للفوج 46”.