في إحدى ليالي العام الماضي، كانت لحظةٌ فارقة غيّرت حياة السائق محمد أحمد عربي للأبد. أثناء قيادته على أحد طرق حمص الرئيسية وسط سوريا، بسرعة معتدلة، فوجئ بشاب يخرج من خلف شجرة ممسكًا بهاتفه المحمول، لم يستطع التوقف في الوقت المناسب، مما أدى إلى حادث مميت.
وبالرغم من تقيده بقوانين السرعة، واعتراف القضاء بعدم تعمده الحادث، انتهى الأمر بسجن محمد مؤقتاً ومصادرة سيارته ودفع تعويض مالي لذوي الضحية، بحسب ما قاله لموقع “963+”.
هذه الحادثة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث يكاد مشهد المارة الممسكين بهواتفهم وسط الطرقات يتحول إلى ظاهرة خطيرة.
حوادث يومية وخسائر إنسانية ومادية
في دمشق، وقعت حادثة مشابهة حيث دهس السائق مجيد عمّار شاباً يبلغ من العمر 16 عاماً كان منشغلاً بهاتفه أثناء عبوره طريقاً مزدحماً.
الإصابات كانت طفيفة، ولكن القلق دفع السائق لتسليم نفسه للشرطة، حيث استفاد من قانون يخفف العقوبة إذا شعر السائق بخطر حال إسعافه الضحية.
تمكن مجيد، بحسب ما أخبر “963+” من تسوية الأمر مع أهل الشاب بتكفل تكاليف العلاج، مما أنقذه من عقوبات مشددة.
لكن ليس كل الحوادث تنتهي بالتسوية. السائق مغيث إدلبي، الذي دهس طفلًا على طريق المتحلق الدولي بدمشق، عاش تجربة مريرة. الطفل قفز فجأة من الحاجز الأوسط للطريق، بينما كان مغيث يحاول تجنب شخص آخر منشغل بهاتفه.
افتقار سيارته إلى تأمين ساري المفعول ورفض ذوي الضحية قبول التعويض أدى إلى سجنه عدة أشهر.
تم سجن مغيث إثر ذلك بضعة أشهر، بحسب ما يقول لـ”963+”، ويضيف: “أول شيء فعلته حين خرجت من السجن أني بعت السيارة، صرت أخشى ركوبها وقيادتها، قتل طفل صغير ليس أمراً سهلاً، ضميري يؤنبني حتى اليوم، ولا زلت رغم مضي عامٍ وبضع أشعر بالفوبيا من قيادة أي سيارة ومن الركوب فيها حتى”.
الهواتف المحمولة: تهديد مزدوج
المفارقة أن المشكلة ليست قاصرة على المارة فقط، فهناك العديد من الحوادث التي تكون فيها الهواتف المحمولة سبباً رئيسياً بسبب انشغال السائقين بها.
الشاب ممدوح كاتبي كان يقطع الطريق من المكان المخصص عندما دهسته سيارة كان سائقها منشغلاً بهاتفه.
تعرض ممدوح لإصابات خطيرة لكنه تنازل عن حقه الشخصي، مؤكداً أن الحوادث ليست دائماً بسبب المارة، بل إن انشغال السائقين بالهواتف يمثل خطراً أكبر أحياناً.
ويعامل القانون السوري حوادث السير وفقاً لظروف الحادث ونوع الأضرار الناتجة عنه. ووفق المادة 550 من قانون العقوبات، فإن التسبب بالوفاة نتيجة الإهمال يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع إمكانية تخفيف العقوبة إذا ثبت وجود أخطاء من الطرفين أو توافر أسباب مخففة. أما في حال الإصابات الجسدية، فتصل العقوبة إلى الحبس سنة واحدة.
وأكد القاضي المتقاعد راجح خلف في تصريح لـ”963+” أن العقوبات المتعلقة بحوادث السير في سوريا تتنوع وفقًا لنتيجة الحادث وطبيعته، وتخضع لتقدير المحكمة وقد تُخفف في حالات متعددة، حيث يُنظر إلى الحوادث عادة على أنها خطأ من طرفين.
إحصائيات مقلقة
بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، تُعتبر حوادث السير ثالث أكبر سبب للوفاة عالمياً، وتساهم الهواتف المحمولة في حوالي 25% من تلك الحوادث.
وفي سوريا، وعلى الرغم من غياب الإحصائيات الدقيقة، إلا أن عدد حوادث السير يشهد ارتفاعاً مستمراً، ويُعزى ذلك جزئياً إلى الاستخدام غير المسؤول للهواتف أثناء القيادة أو عبور الطرقات.