منذ أن أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، الخميس الماضي عن إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، والسؤال الأكثر طرحاً، هل سيُحاسب نتنياهو بناءاً على قرار المحكمة أم لا؟
الجنائية الدولية تقول كلمتها
وقالت المحكمة الجنائية الدولية كلمتها الأخيرة، وأصدرت مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، إضافة إلى قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة “حماس”، محمد الضيف.
وتشمل التهم الموجهة لنتنياهو وغالانت، الإبادة الجماعية، التسبب في المجاعة كوسيلة حرب، منع وصول الإغاثة الإنسانية إلى المدنيين، واستهداف المدنيين عمداً، بينما تشمل التهم الموجهة للضيف، ارتكاب جرائم حرب تتعلق بالهجوم على المدنيين في إسرائيل.
ورداً على قرار المحكمة الجنائية الدولية، قال مكتب نتنياهو، إن “القرار معادي للسامية وإسرائيل ترفض التهم السخيفة والكاذبة الموجهة إليها”، وفق تعبيره، أما رئيس الكنيست الإسرائيلي فعلّق بأن القرار هو “يوم أسود في تاريخ القانون الدولي”.
وجاء القرار، عقب أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في 20 أيار/مايو الماضي ، إصدار مذكرات توقيف بحق قادة من إسرائيل وحركة حماس، على خلفية جرائم مرتبطة بهجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت، والحرب في غزة.
اقرأ أيضاً: الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ومحمد الضيف
“الجنائية الدولية تحتاج لتعاون الدول الأعضاء”
ويرى أستاذ القانون الدولي، الدكتور أيمن سلامة، أن المحكمة الجنائية الدولية أكدت من خلال قرارها أنها هيئة قضائية جنائية دولية مستقلة ومحايدة ولم تتعرض لضغوط سياسية من أي دول كبرى كالولايات المتحدة الأميركية.
ويقول سلامة، في تصريحات خاصة ل “963+”، إن قرار المحكمة بحق كل من نتنياهو وغالانت لا تعني الإدانة النهائية لهما، وهي تحتاج لتعاون الدول الأعضاء وهي 125 دولة وقعت على ميثاق روما الأساسي الذي نظم عمل المحكمة الجنائية الدولية.
ويوضح الأكاديمي المصري شكل التعاون، فيقول: “التعاون هنا ليس فقط اعتقال نتنياهو وغالانت حين يصلا إلى أراضي هذه الدول، وإنما التعاون هنا مد المحكمة بالمعلومات والأدلة اللازمة التي في حوزة أي من هذه الدول إلى المدعي العام للمحكمة لتثبيت وتوطيد الأدلة التي تزعم أن المتهمَين الإثنين ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية المُشار إليها في مذكرات الاعتقال”.
ويضيف سلامة، أن أي دولة يصل لها نتنياهو من بين الـ125 دولة ولا تعتقله وتسلمه للمحكمة الجنائية الدولية تتعرض للمساءلة من مجلس الأمن بعد أن تُحيل المحكمة هذه الدولة لمجلس الأمن ليتصرف حيالها.
ويشير سلامة إلى أن “الجنائية الدولية لا تستطيع اعتقال المتهمين كونها لا تملك عناصر إنفاذ قانون ولا شرطة خاصة، وإنما تحقق ذلك من خلال تعاون الدول الأعضاء، وكذلك ليس للمحكمة سجن في لاهاي، وحين يصدر الحكم النهائي إن قام المتهمان بالاستئناف في لاهاي، فالدول الأعضاء هي التي توفر السجون للمحكمة لقضاء المتهمين نتنياهو وغالانت عقوبتهما”.
انقسام غربي بشأن قرار الجنائية الدولية
وبين مؤيد ومعارض تباينت ردود الفعل الدولية، إزاء قرار المحكمة الجنائية، حيث تعهدت دول مثل بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وسلوفينيا وإيرلندا والبرتغال بتنفيذ أوامر محكمة لاهاي، فيما تشكك دول أخرى في مصداقية الجنائية الدولية على غرار النمسا والمجر.
ودعا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، نتنياهو لزيارة بلده، وأكد أنه لن يواجه أي مخاطر إذا زار المجر، ووصف القرار بأنه “وقح وخبيث وغير مقبول على الإطلاق”، لكن عدداً من الدول الأوروبية الأخرى قالت إن نتنياهو سيُعتقل إذا دخل أراضيها.
بينما انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن، القرار معرباً عن دعمه ما وصفه بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس”، في حين قال مايكل والتز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، “توقعوا رداً قوياً في يناير المقبل على تحيز الجنائية الدولية المعادي للسامية”، في إشارة منه إلى موعد تسلم ترامب منصبه رسمياً.
اقرأ أيضاً: نتنياهو: سقوط إسرائيل يعني سقوط العالم بأسره
“إسرائيل ستواجه عزلة دولية “
ويرى الخبير السياسي والاقتصادي, وعضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، الدكتور ياسر شويتة، أن إعلان بعض الدول الغربية التزامها بتطبيق قرار الجنائية الدولية، يجعل من نتنياهو وغالانت غير قادرَين على السفر لهذه الدول، موضحاً أنه “حدث ذلك بالفعل فإنه تم إلغاء أحد زيارات نتنياهو في أعقاب صدور قرار الجنائية بحقه”.
ويقول شويتة، في تصريحات خاصة ل”963+”، أن القرار يعد دليلاً قانونياً من قبل أعضاء المحكمة بالإدانة، وهو ما يستوجب توقيف واعتقال نتنياهو وغالانت في أي دولة عضو بالمحكمة، مشيراً إلى أن إسرائيل ستتعرض لعزلة دولية كأحد الآثار المترتبة على القرار الصادر وهو ما يسهل على محكمة العدل الدولية عند النظر في الدعاوى المرفوعة أمامها ضد إسرائيل.
وحول تأثير قرار المحكمة على الحرب في غزة، يعقب الباحث المصري، إن “إسرائيل لا تبالي بقرار الجنائية الدولية و لا تلتزم به لأنها ليست عضواً في هذه المحكمة، وبالتالي فإن إسرائيل سوف تستمر في حربها ضد الشعب الفلسطيني في غزة”.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن إسرائيل ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، ومع ذلك باشرت المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها بناءً على الإحالة الموجهة لها من فلسطين، باعتبارها دولة طرف في نظام روما، وهو الأمر الذي يسمح للمحكمة، بموجب المادة 12 من نظام روما، بالتحقيق في الجرائم التي ترتكب على أراضي فلسطين.
نتنياهو ليس الوحيد الملاحق من الجنائية الدولية
ولم يكن نتنياهو المسؤول البارز الأول الذي تصدر بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، بل واجه أيضاً الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عام 2023، أمر توقيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، والرئيس السوداني السابق، عمر البشير، صدرت بحقه مذكرتا اعتقال في عامي 2009 و2010 بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة في إقليم دارفور.
كما صدرت مذكرة اعتقال بحق كل من الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، ونجله سيف الإسلام، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء قمع معارضين خلال أحداث شباط/فبراير عام 2011، التي أطاحت بنظام القذافي.
يُذكر أن المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست عام 2002، ليس لها قوة شرطة خاصة بها، لذلك لم تستطع إلزام جميع هؤلاء الرؤساء والقادة المطلوبين بالحضور إلى لاهاي، وهذا يعني أنها تعتمد على الدول الأعضاء والبالغ عددها 125 دولة في تنفيذ أمر الاعتقال.