رزق العبي – إسطنبول
يوم أمس، ساد الخوف مجدداً أحياء دمشق، وتسرّب إلى زواياها كدخانٍ كثيف يثقل الأنفاس. لم يكن أحمد يتوقع أن اتصالاً بسيطاً من والدته السيدة “هناء. ن” سيغير مسار حياته. كان منشغلاً في عمله بحيّ المزة في دمشق، ولا ينوي العودة إلى المنزل قبل منتصف الليل، إلا أن والدته طلبت منه جلب دواء بشكل ضروري، ما اضطره للعودة على عجل.
لحظات فقط بعد وصوله إلى المنزل، دوّى صوت انفجار في الحي؛ حيث قصف الطيران الإسرائيلي منطقة قريبة من المكان الذي كان فيه أحمد.
هذه اللحظات الحاسمة التي أنقذت حياته رسمت في ذاكرته ذكرى باقية كجرح لا يلتئم، وحكاية يتردد صداها في دمشق التي باتت معتادة على وقع الغارات.
وقُتل أمس الخميس، 15 شخصاً وأصيب آخرون في قصف إسرائيلي جديد استهدف حي المزة ومنطقة قدسيا في العاصمة السورية دمشق، وفق ما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”.
دمشق تحت النار
وليس أحمد وحده من عاش هذه اللحظات المروعة، بل باتت الغارات الإسرائيلية جزءاً متكرراً من مشهد المدينة، حيث تستهدف الطائرات الإسرائيلية دمشق والقصير بحمص بشكل دوري، متعللة بمحاربة نفوذ “حزب الله” وإيران في هذه المناطق.
ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد تم توثيق ما يزيد عن 47 غارة إسرائيلية على مواقع مختلفة في سوريا خلال شهرين فقط، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات من المدنيين والعسكريين.
على الرغم من أن عدد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت سوريا طوال العام الماضي لم يتجاوز 40 غارة، وبلغت 28 غارة في عام 2022 حسب مركز جسور للدراسات، فإن التصعيد المستمر جعل سكان دمشق يعيشون تحت سطوة القلق، خاصة مع تزايد الغارات على الأحياء السكنية وتواجد الضحايا المدنيين.
أصبح هذا التوتر يتسلل إلى أبسط تفاصيل حياة الناس اليومية. يقول “ممدوح. خ”، وهو صاحب مكتب عقاري في دمشق، إن المستأجرين الجدد أصبحوا يسألون عن وجود إيرانيين في الأحياء التي يفكرون بالانتقال إليها، وكأن هذا السؤال أصبح ضرورة للحفاظ على الأمان الشخصي.
يوضح ممدوح، لموقع “963+” أن الخوف من استهداف الأحياء السكنية التي يتواجد فيها إيرانيون أو مقربون من “حزب الله”، “جعل الناس يترددون في السكن بتلك المناطق”.
كانت إيران لسنوات طويلة تعتبر حليفاً قوياً للحكومة السورية، وكان تواجدها في دمشق دلالةً على الدعم والاستقرار للحكومة السورية.
حليف الأمس عبء اليوم!
وقد أوضحت طهران في أكثر من مناسبة أن دعمها لدمشق منذ 2011 ساعدها على البقاء في وجه الاحتجاجات الشعبية.
لكن مع استمرار الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع ونقاط تواجد الإيرانيين و”حزب الله” في سوريا، أصبحت إيران اليوم عبئاً يثقل كاهل العاصمة.
وفي ظلّ هذا الواقع، تبقى الحكومة السورية صامتاً، حيث لم يتطرق الرئيس بشار الأسد إلى الغارات الإسرائيلية على سوريا حتى في القمة العربية الإسلامية الطارئة في الرياض، مكتفياً بحديثه عن صراعات أخرى، سوى إدانات خجولة من وزارة الخارجية على القصف الإسرائيلي على سوريا.
المزة حيٌ غير آمن
أصبح حي المزة، الذي كان يوماً وجهةً سكنيةً مفضلةً، من المناطق غير الآمنة في دمشق. فقد تعرض لعدة غارات متكررة، كانت أبرزها تلك التي استهدفت مبنى السفارة الإيرانية في الأول من نيسان/ أبريل الماضي، وأسفرت عن مقتل 17 شخصاً وإصابة العشرات.
وأمام هذه الاستهدافات المتكررة للمباني السكنية، يجد السكان أنفسهم في حالة دائمة من الحذر والخوف من أن تتحول أحياؤهم إلى ساحات مواجهة.
وتشير قوانين الحرب إلى أن استهداف العسكريين يجب أن يُنفذ بطريقة لا تلحق أضراراً جسيمة بالمدنيين أو ممتلكاتهم.
لكن، كما يوضح المحامي محمد الحمام، في حديث لـ”963+”، فإن وجود عسكريين داخل المناطق المدنية أو استخدامهم للمدنيين كدروع بشرية يعرض حياة الأبرياء للخطر، ما يعدّ انتهاكاً للقانون الدولي.
ويضيف الحمام، أن استخدام المناطق السكنية كغطاء عسكري يجعل المدنيين عرضة للاستهداف، ويزيد من التوتر بين السكان والخوف من تواجد أي طرف يُشتبه في صلته بالأعمال العسكرية.
وفي ظلّ تصاعد الغارات الإسرائيلية واستمرارها، يبقى توثيق الأحداث وتحديد المسؤوليات القانونية مسألة معقدة. ومع غياب التحذير المسبق للسكان قبل الغارات، يصبح المدنيون في خطرٍ دائم، كما حدث اليوم الخميس، عندما قتلت غارة إسرائيلية على حي المزة ومنطقة قدسيا في دمشق 15 شخصاً، وأصابت آخرين بجروح، حسب ما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية.
وفي هذا السياق، يؤكد المحامي الحمام أن الغارات الإسرائيلية على الأحياء السكنية تمثل انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية، حيث يجب أن تحذر الأطراف المتحاربة المدنيين قبل استهداف المواقع القريبة منهم.
ويضيف أن القانون الدولي يُلزم بضرورة الابتعاد عن استهداف المناطق السكنية واختيار الأسلحة المناسبة التي تقلل من الخسائر غير الضرورية.
ومع ذلك، تبقى الإجراءات في حالات كهذه معقدة، وتتطلب دراسة كل استهداف بشكل منفصل لتحديد مدى قانونية الهجوم وتوثيق الانتهاكات المحتملة.
في حين يُصوّر الإعلام السوري الرسمي، محطّات من صمود “الأسد” وحلفائه في وجه الغارات الإسرائيلية المستمرة منذ سنة سواءً في غزّة أو في لبنان وسوريا، هناك مشهد آخر من الخوف يتغلغل في دمشق، التي أصبحت رِفقة مدينة القصير بحمص هدفاً واضحاً للغارات الإسرائيلية.
وتستهدف إسرائيل بشكل دوري مناطق في سوريا يتركّز معظمها على دمشق وحمص، مشيرةً إلى أنّها تستهدف نفوذ حزب الله وإيران في هذه المناطق. حيث وثّقت الأمم المتحدة أكثر من 47 غارة إسرائيلية على عدة مواقع في سوريا خلال فترة لا تتجاوز شهرين. ما تسبب بمقتل وجرح العشرات.
بينما خلال العام الماضي كلّه بلغت الغارات الإسرائيلية في سوريا 40 غارة إسرائيلية، و28 غارة إسرائيلية في عام 2022. وفق إحصائية سابقة أصدرها مركز جسور للدراسات.
ضحايا من المدنيين
اتصال مُفاجئ أجرته السيدة “هناء. ن” مع ابنها “أحمد” أجبرته على العودة إلى المنزل لجلب دواء لها كان كفيلاً بإنقاذ حياته من موتٍ مُحتّم كما تقول.
كان ابنها في حيّ المزة ولديه عمل حتى منتصف الليل، وبسبب حاجتها للدواء اضطر إلى العودة، وفي أقل من خمس دقائق من عودته استهدف الطيران الإسرائيلي الحيّ وقتل عدداً من المدنيين. وعسكريين تقول إسرائيل إنهم من الجنسية الإيرانية.
ويبدو أنّ تغلغل إيران في المناطق السكانية في دمشق، لا يجعل تلك المناطق بعيدة عن الاستهداف، إنما باتت هدفاً كأنّه عسكريّ، دون اكتراث إسرائيل للضحايا المدنيين الذين يسقطون بشكل متكرر في الغارات، ما تسبب بانتشار الخوف لدى السكان في العاصمة السورية.
وقال “ممدوح. خ” وهو صاحب مكتب عقاري في دمشق في حديث لموقع ”963+” إنه أصبح من المستهجن على المستأجر الجديد في أي حي بدمشق وجود شخص إيراني في ذات الحي الذي يريد أن يسكن فيه. مشيراً إلى أنّ السؤال “هل يوجد إيرانيون في الحي” من أهم الأسئلة التي يسألها الزبائن عند الحاجة لاستئجار منزل.
وأكّد المتحدّث أنّ هذا السؤال لم يكن مطروحاً قبل أشهر، إلّا أنّ الغارات الإسرائيلية على دمشق بسبب إيران وحزب الله جعلت الناس يخافون السكن في مناطق يتواجد فيها أحد من الجنسية الإسرائيلية أو ممن ينتمون إلى حزب الله. منوّهاً على أنّهم يتواجدون بشكل واضح “مع الأسف”.
إيران من داعم لمصدر قلق
ولسنوات طويلة كان تواجد الإيرانيين في سوريا مصدر قوة للحكومة السورية، وهو ما قالته طهران في كثير من المناسبات، مشيرة إلى أنّ تدخّلها إلى جانب الأسد في قمع الاحتجاجات الشعبية منذ 2011 كانت سبباً في استمرار “نظامه” ومنعه من السقوط. أما اليوم فقد باتت إيران سبباً وذريعة للغارات الإسرائيلية التي يُمارس الأسد ذاته صمتاً مُطبقاً تجاهها وصل به الصمت إلى عدم تخصيصه فقرة للحديث عنها في القمة العربية الإسلامية غير العادية في الرياض، والتي تحدث فيها عن حربي غزّة ولبنان دون التطرّق إلى القصف الإسرائيلي على سوريا.
حي المزة: هدف
وبات حيّ المزة أحد أحياء دمشق غير الآمنة للسكن، بسبب تصاعد الغارات على أبنية سكنية فيه، حيث كان الهجوم الأبرز فيه ذلك الذي استهدف مبنى السفارة الإيرانية في الأول من نيسان/ أبريل الماضي، والذي تسبب بمقتل 17 شخصاً وعشرات الجرحى.
وإنّ عدم وجود بند في القانون الدولي يشير إلى أنّ استهداف العسكريين يجب أن يتمّ بنجاح دون تسجيل أي خسائر أخرى كمقتل مدنيين أو دمار ممتلكات، فإن ذلك يستدعي خوف السكّان في دمشق من التغلغل الإيراني المتزايد الذي يؤدي إلى خسائر بشرية، إذا لم نتحدّث عن التغيير الديمغرافي ونشر “التشيّع” في العاصمة دمشق.
وعن الضرر الذي يلحق بالمدنيين في الصراعات يتحدّث قانونيون عمّا تعتبره المشرعات الدولية نسبة وتناسباً في الأهداف والخسائر.
وفي هذا السياق، أكد القانوني محمد الحمام في حديث سابق، لموقع ”963+” أنّ استهداف المدنيين يشكل دون أدنى شكّ جريمة حرب تستدعي المحاسبة القانونية، كما أنه مخالف لجميع الأعراف الدولية، حيث نصّت جميع القرارات الدولية ذات الصلة على وضع حدّ لإزهاق أرواح المدنيين في الصراعات.
ولكن أشار “الحمام” إلى أنه “إذا كان هناك استهداف عسكري وذهب ضحايا من المدنيين فإن الدول تُبرر ذلك في القانون الدولي إذا كان العسكريون قد أخذوا المدنيين كرهائن، أو تواجدوا في أماكن المدنيين، وهنا يجب أن تُبعد الأهداف العسكرية عن المدنيين، وحتى تواجد العسكريين ضمن التجمعات المدنيّة يعتبر مخالفاً، لأنهم يصبحون دروعاً بشرية وعرضة للاستهداف”.
كذلك، يجب أن تتوفر الشرعية أو الحجة البالغة التي تدفع طرفاً لاستهداف طرف آخر، مع ضرورة الحذر من أنّ المدنيين في كلا الطرفين في أمان، وحساب الجدوى العسكرية من الاستهداف، وأيضاً يجب تحديد نوع السلاح المستخدم في القصف للتقليل قدر الإمكان من الأضرار التي لا داعي لها.
ومع غياب التوثيق الدقيق ونقص المعلومات عن طبيعة ونوع الهدف الذي تمّ استهدافه، وانتهاء العمليات أغلبها بإعلان إسرائيل استهداف شخصية إيرانية أو تابعة لـ”حزب الله” في سوريا واكتفاء الحكومة السورية بالقول إنّ الضحايا من المدنيين، “يصعب تحديد الضربة قانونياً”، وفق “الحمام”.
وهنا يجب دراسة كل استهداف بشكل منفصل لتسجيل انتهاك يستدعي محاسبة قانونية، ولكن ما يستدعي التنديد هو عدم قيام إسرائيل بتحذير السكان في سوريا قبيل الغارات خصوصاً وأنّ أغلب الغارات في دمشق مثلاً تحصل فجأة دون تحذير مسبق على الرغم من أنّ الأهداف تكون في حيّ سكني.
وقُتل اليو الخميس 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 15 شخصاً وأصيب آخرون في قصف إسرائيلي جديد استهدف حي المزة ومنطقة قدسيا في العاصمة السورية دمشق، وفق ما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا.