سلطان الإبراهيم – الحسكة / رزق العبي – إسطنبول
انسحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من القاعة، خلال كلمة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية الإسلامية غير العادية بالعاصمة السعودية الرياض، وذلك بعد أيام فقط على تصريحات له أعرب فيها عن أمله في مضي مسار التطبيع مع الحكومة السورية إلى الأمام، ما يكشف عن تعقيدات ومزاجيات متقلبة بشأن المسار، في ظل تأثيرات إقليمية ودولية عديدة.
وانطلقت في الرياض أمس الإثنين، أعمال القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، بمشاركة 50 دولة عربية وإسلامية، لبحث الأزمات بالمنطقة والتصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان، وقد افتتح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القمة بكلمة ترحيبية تلاها كلمات للقادة المشاركين.
وأظهرت لقطات مصوّرة بثّها صحفيون من داخل قاعة القمة على وسائل التواصل الاجتماعي، جلوس السفير التركي في السعودية أمر الله إشلر، في مقعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتزامن مع إلقاء الأسد كلمته، ما أثار تساؤلات بشأن الموقف التركي من مسار التطبيع بين الجانبين، في ظل إصرار أنقرة خلال الأشهر الأخيرة على ضرورة استكماله، والوصول إلى حد “استجداء” توسط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتفعيله.
جمود مسار التطبيع
وشهد مسار التطبيع بين تركيا والحكومة السورية جموداً وتراجعاً عدة خطوات إلى الوراء منذ لقاء وزيري الخارجية السابقين مولود جاويش أوغلو، وفيصل المقداد في العاصمة الروسية موسكو ضمن “اللقاء الرباعي” إلى جانب نظيريهما الروسي سيرغي لافروف، والإيراني حسين أمير عبداللهيان، في 10 أيار/ مايو 2023، والذي جرى خلاله الاتفاق على إطلاق “خارطة طريق” لاستعادة العلاقات في كافة المجالات، وفق ما أفاد بيان صادر عن الخارجية الروسية حينها.
لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عاد وأعلن خلال تصريحات لصحيفة “حرييت” التركية قبل أكثر من أسبوع، عن توقّف مفاوضات التطبيع بين أنقرة ودمشق، بسبب الخلاف على مسألة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وقال إن “الحكومة السورية تطالب بتوضيحات حول المسألة، فيما تطالب أنقرة بمناقشتها في وقت لاحق”.
انسحاب أردوغان، قد يكشف عن تيقن تركي بعدم استعداد الحكومة السورية لاستكمال مسار التطبيع في الوقت الحالي، وهو ما ذهب إليه وزير خارجيته هاكان فيدان خلال تصريحات لصحيفة “حرييت” في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بأن “دمشق ليست على استعداد للتوصل إلى اتفاق وتطبيع العلاقات أو إنهاء الصراع مع المعارضة السورية”.
وقال، إن “تركيا تريد أن ترى حكومة بشار الأسد تنشئ إطاراً سياسياً مع المعارضة يمكنهما الاتفاق عليه في بيئة خالية من الصراع، ومن المهم أن توفر الحكومة بيئة آمنة ومستقرة لشعبها، إلى جانب المعارضة”، مشيراً إلى أن “تركيا ترى فرقاً بين الاتصالات مع تركيا والحوار مع المعارضة، رغبتنا هي أن يتوصل الأسد إلى اتفاق مع معارضيه”.
ومع الحديث عن تيقن تركي بعدم استعداد الحكومة السورية للتطبيع، وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، برزت تصريحات جديدة للرئيس التركي عاد للحديث فيها عن “الحزام الأمني” التركي داخل الأراضي السورية والعراقية “لحماية الأمن القومي” بعمق بين 30 و 40 كيلومتراً.
تسويق إعلامي
المحلل السياسي السوري وائل الخالدي، يرى أن “انسحاب أردوغان من القاعة أثناء كلمة الأسد، يكشف عن إدراك تركيا بأن الأسد غير جاد في التطبيع، حيث سبق ذلك حديث أنقرة بأنها تنوي البحث مع واشنطن بشأن الأوضاع في سوريا ومستقبل القوات الأميركية هناك”.
ولم يستبعد الخالدي خلال تصريحات لموقع “963+”، “بدء تركيا التسويق إعلامياً لنيتها تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا، خصوصاً بعد انسداد أفق مسار التطبيع الذي كانت تأمل في التوصل إليه مع الرئيس السوري بشار الأسد”.
وكان وفد الحكومة السورية برئاسة وزير الخارجية السابق فيصل المقداد، قد انسحب خلال كلمة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في الاجتماع الوزاري للجامعة العربية الذي شهد حضور تركيا في 10 أيلول/ سبتمبر الماضي، وقال المقداد حينها في تصريحات خاصة لموقع “963+” على هامش القمة: “نحن لا نضع شروطاً على بدء علاقاتٍ عادية بين تركيا وسوريا، بل نحن نضع متطلبات نجاح أي عملية مباحثات بين البلدين”، وأضاف: “من أهم المطالب هو أن يكون هنالك موقف تركي لا يمكن أن يفسر خطأ، وهو أن تنسحب تركيا من الأراضي التي تحتلها في شمال سوريا”.
اجتماع جديد لـ”مسار أستانا” حول سوريا.. هل يسفر عن صفقات جديدة؟
استكشاف مرحلة ترامب
الصحفي فراس العلاوي، اعتبر أن “غياب أردوغان عن كلمة الأسد، يأتي في إطار محاولة الضغط على الأخير بشكل خاص، ومحاولة استكشاف مرحلة ترامب، وهل سيكون مع بقاء الأسد ويتبنى سياسةً أكثر تشدداً ضد إيران، وبالتالي فمصير الأسد مرتبط بمصير إيران”.
وقال في تصريحات لـ”963+”، إن “السعودية وتركيا لا تريدان التقارب مع النظام السوري حالياً، قبل انكشاف المرحلة المقبلة فيما يتعلق بإدارة ترامب لملف منطقة الشرق الأوسط”.
يأتي ذلك، بعد أسابيع على تصريحات لأردوغان خلال عودته من المشاركة في قمة “بريكس” التي عقدت بمدينة قازان الروسية يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كشف خلالها أنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، التوسط لإعادة العلاقات مع الحكومة السورية والتواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد.
ويمثل التواجد العسكري التركي في الشمال السوري، أبرز المعوقات أمام مسار التطبيع بين تركيا والحكومة السورية، حيث تصر الأخيرة على “ضرورة جدولة الانسحاب التركي من هناك، فيما ترفض أنقرة مناقشة عملية الانسحاب خلال الوقت الحالي، وتطالب بجدولتها ضمن الملفات اللاحقة بعد استعادة العلاقات”.