خاص – أحمد كنعان/دمشق
يعاني الممثلون في مهنة الدوبلاج في دمشق مشكلات كثيرة، أهمها الأجور المنخفضة، وتأخر الشركات في دفع الأجور، ما دفع عدداً من الممثلين إلى تأسيس تجمع تحت اسم “صوتنا فن” للدفاع عن حقوقهم، وتحسين أوضاع مهنتهم.
ومعروف أن مهنة الدوبلاج بدأت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وانتشرت في تسعينياته، وازدهرت مع البدء في دبلجة المسلسلات التركية في عام 2004، وتنتج عدداً كبيراً جداً من الدراما المدبلجة، تركية وإيرانية، وهندية ولاتينية وغيرها.
يشرح مهندس المكساج أنس شاهين لـ “963+” مراحل الدوبلاج: “المكساج هو آخر مرحلة من مراحل الدوبلاج، فالمادة المدبلجة تمر بمراحل عدة: الترجمة ثم الإعداد ثم التسجيل الصوتي في الاستوديو، وأخيراً تصل إلى مرحلة المكساج، أي دمج الأصوات بتنسيقها وتحديد نسبها وإضافة المؤثرات والموسيقى التصويرية”.
زادت… نقصت!
بدأ العمل في مهنة الدوبلاج بمركز الزهرة في عام 1987، وكان متقطعاً حتى عام 1992، حين أصبح مستمراً إلى الآن. وفي عام 2004، دخلت الدراما التركية منطقتنا، وتراوحت الأجور بين عام 1987 وأواخر التسعينيات بين 500 و700 ليرة سورية (بين 10 دولارات و14 دولاراً).
قبل الحرب، كان أجر المشهد الدرامي 200 ليرة سورية (4 دولارات). وفي عام 2011، ارتفع أجر المشهد الى 1000 ليرة سورية (3 دولارات في ذلك الوقت). أما الآن، فأجر المشهد 24000 ليرة سورية (1.6 دولار).
يقول المخرج والمشرف الفني في الدوبلاج نديم سليمان لـ “963+”: “إذا عمل الممثل في شركة واحدة، فلن يكون دخله كافياً لعائلة، أما إذا عمل في العديد من الشركات، فممكن أن يحقق دخلاً معقولاً”.
لا توافقه الممثلة هزار سليمان على ذلك، وتقول لـ”963+”: “تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 2002، وبدأت العمل في الدوبلاج في عام 2010، وكنت قد عملت قليلاً في الدراما التلفزيونية قبل تخرجي، لكنني اليوم لا اعمل إلا في الدوبلاج ، وكأنني غرقت فيه”.
وبحسبها، كان دخل الدوبلاج مجدياً… لكن، “عندما كنا نقبض 200 ليرة سورية (كانت تساوي 4 دولارات)، كان الدخل يكفي ويزيد، أما الآن، مع صعوبة الحياة وارتفاع الأسعار الاستهلاكية، ما عاد هذا الدخل كافياً، إلا أن الوضع أفضل منه في مهن أخرى، إذ يفي بالحد الأدنى”. وختمت حديثها ممازحة: “زادت الأجرة، بس نقصت”.
بحاجة إلى شركات جديدة
يصف الممثل فادي الشاعر الدخل الناتج عن الدوبلاج بأنه “جميل وجيد وممتاز نوعاً ما”، ويرى أن الفترة الأخيرة شهدت شحاً في الأعمال المدبلجة، بسبب كثرة المحطات الفضائية التي ذهبت في اتجاهات أخرى، كالترجمة وغيرها.
يقول الشاعر لـ”963+” إن عدد الممثلين زاد، “ونحن بحاجة ماسة إلى شركات جديدة، كي تعود المنافسة كما كانت في السابق”
من ناحية أخرى، يقول الشاعر: “يختلف زمن التأخير في دفع مستحقات الممثلين من شركة الى أخرى، فهناك شركات ناشئة حديثة يحدث فيها القليل من التقصير، لعدم وجود سيولة مالية. وهناك شركات تتأخر كثيراً، وهناك شركات تدفع شهرياً، وأخرى تدفع كل شهرين. لكن المتعارف عليه هو الدفع كل 40 إلى 45 يوماً، وأغلب الشركات تحاول الحفاظ على هذه السوية، لكن ثمة شركات أغلقت مكاتبها لأنها لم تستطع تحقيق هذه الشروط في التعاقد بين الممثل والشركة”.
مجرد اسم رومانسي!
عمل الممثل حسان الشاه في أغلب الشركات التي تنشط في مجال الدوبلاج، كما عمل مشرفاً فنياً ومديراً لشركة إنتاج للدوبلاج فترةً من الزمان. كما كان عضواً في مجلس إدارة تجمع “صوتنا فن” الذي تأسس في عام 2016.
يقول الشاه لـ “963+”: “مع بداية الانهيار الاقتصادي في سوريا، كان لا بدّ من تأسيس هذا التجمع للدفاع عن حقوق الممثل المادية، وما زال هدفه الرئيسي ألا يصل الفنان إلى مرحلة الفاقة ضمن الانهيارات الاقتصادية المتلاحقة، ولهذا السبب تأسس، لكنه صار لاحقاً مجرد منظم للعلاقة بين الفنانين والشركات والمستجدين في المهنة”.
يضيف: “الخلاصة، هذا التجمع باسمه الرومانسي الذي اتحفظ عليه معني بتنظيم علاقة الفنانين بالشركات، لكنه لا يملك قدرات تنفيذية، وما كان أمامه إلا حل واحد: تعليق العمل مع الشركات التي لا توافق على مطالب الممثلين”، فبعض الشركات يحاول الارتقاء بالأجور من خلال السوق العربية، في المقابل هناك شركات تقبل بأجور قليلة.
“لاقيلي ولا تطعميني”
يلفت الشاه إلى اختلاف شكل السوق ودخول المنصات على خط الإنتاج والعرض، “وهذا أدى إلى اختلاف معايير الجودة في المهنة، وهذا يشعرنا بالخوف من تراجع المستوى في جودة الأداء، ما يمكن أن يؤدي إلى سحب البساط من تحت قدمي الفنان السوري، وذهاب فرص الدوبلاج إلى فنان عربي آخر”.
ويؤكد الشاه أنه سعى في أثناء إدارته إحدى شركات الدوبلاج “الى الارتقاء بالعلاقة مع الممثل إلى مستوى لائق، وكانت قاعدتي الأساسية بسيطة، مستوحاة من المثل الشعبي (لاقيلي ولا تطعميني)، لكن بتصرف بسيط: ’لاقيلي واعطيني حقي في نهاية الشهر‘، وكلمة ’لاقيلي‘ تعني احترمني واحترم مواعيدي، فهناك شركات كثيرة تعمل وفق هذا المبدأ، وهذا هو الحد الادنى الذي نستطيع به أن ندعي أننا محترفون”.
ويعترف أخيراً بأن أجور الممثلين غير منصفة، “وتقول الشركات إن الانهيار حاصل على كل مفاصل الاقتصاد في سوريا، وجوابي بسيط: اعطونا 50% من الأجر الذي كنا نتقاضاه قبل بداية الحرب، فنكون بخير، بالعملة الصعبة طبعاً، لأن المدبلج يُباع بالعملة الصعبة”.
إننا محاصرون!
ليس الجميع راضياً على “صوتنا فن”، فهذا عبد الله ملا محمود، صاحب ومدير شركة برو كاست، يقول لـ”963+”: “حين تأسس ’صوتنا فن‘، كان فاعلاً، واستطاع أن يحل العديد من المشكلات، لكنه يعاني في الآونة الأخيرة تفككاً، ففيه انقسام ظاهر، وصار الممثلون يعملون مع شركات وآخرون لا يعملون معها”.
يضيف: “توقفنا عن العمل مع ’صوتنا فن‘، ونعمل مع الممثلين كونهم أعضاء في نقابة الفنانين، أو بوصفهم حاصلين على إذن عمل من النقابة، ضمن الأنظمة والقوانين والقرارات التي تصدر عن هذه النقابة بخصوص الأجور وغيرها، ونحن ملتزمون هذا كله، وأتمنى أن يعود التجمع إلى مساره الصحيح، علماً أن التجمع ليس جهة رسمية”.
يظن ملا محمود أن على الممثل ألا يقحم نفسه في التنافس بين الشركات، وأن يقف على مسافة واحدة من الجميع، “إلا إذا تم احتكاره بعقود رسمية”، مضيفاً: “نعيش في بلد يخضع لحصار، وأغلبية الشركات اضطرت أن تفتح فروعاً لها في دول أخرى، حتى تستطيع تنفيذ التزاماتها المالية، وهذا يجعل التحويل المالي صعباً ومعقداً، ونتمنى أن نسدد أجور العاملين معنا في مواعيدها الدقيقة، لكن الظروف لا تسمح لنا بذلك، كما لا تسمح لنا بترفيه الممثل، فعلى سبيل المثال، لا نستطيع تشغيل التكييف لقلة الكهرباء والوقود، إنها ظروف سوريا الحرب والحصار”.