خاص – قتيبة عزام / السويداء
جلنار عزقول ومازن الشاعر، آخر ضحايا الجرائم بدعوة الشرف في السويداء بالجنوب السوري، قتلهما والد جلنار في 5 أيلول/سبتمبر الماضي، في جريمة أثارت الرأي العام في السويداء وفي باقي المحافظات السورية، وحتى خارج سوريا، كونها تأتي في سلسلة من الجرائم المشابهة. وقد نظّم عدد من الناشطين والناشطات في بيوت السويداء وقفة صامتة في ساحة الشعلة بالمدينة تحت عنوان “لا للجريمة”، تعبيراً عن رفضهم القاطع لاستمرار العنف بحق الإناث.
تقول الدكتورة لجين حمزة، الناشطة المدنية والعضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، لـ”963+”: “الموروث الاجتماعي في محافظة السويداء هو السبب الأهم لهذه الجرائم”، مضيفةً أن العنف الجسدي هو أقصى درجات العنف لأنه يؤثر مباشرة في حياة الفتاة، “وأشكاله عديدة أقساها القتل بدافع “الشرف” أو كما يقال غسلاً للعار”.
وبحسبها، لا يحصل الكثير من جرائم الشرف بسبب فعل ارتكبته الأنثى، “ففي أحيان كثيرة، تتعرض الأنثى في البيت لاعتداءات عدة، وللتستّر على هذه الاعتداءات يقتلونها، أو يكون سبب الجريمة خلاف على الميراث، وتكون الستار جريمة شرف، أو حتى القضاء والقدر”.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد شددت في دورتها الـ59 في عام 2004 على ضرورة التصدي لجميع أشكال العنف المرتكبة ضد النساء، بما في ذلك جرائم “الشرف”، باعتبارها أعمالاً إجرامية يعاقب عليها القانون. وفي يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر 2004، أكدت الجمعية على البند (98)، الذي نص على “العمل من أجل القضاء على الجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات باسم الشرف”.
تتعدد الأسباب
تتحدث حمزة عن حوادث عدة حصلت، كالصبية التي لم تتجاوز 15 عاماً، والتي استمر عمّها في ضرب الحائط برأسها إلى أن فارقت الحياة، “إضافة إلى الاعتداء الجنسي الذي يعد الأخطر لأن الأنثى لا تستطيع أن تفصح عن تعرضها للتحرش أو الاغتصاب من أحد أفراد العائلة، فالموروث الاجتماعي يمنعها من ذلك”. تضيف: “لفتني تعليق من أحدهم على كلامي عن حادثة قتل جلنار عزقول، إذ قال: ’مش بنتو وهو حر فيها‘. هذه الجملة مرعبة، لأنها تعبير واعٍ عما يدور في العقل الباطن لشريحة واسعة من الناس، تؤمن بأن الأولاد هم ملكية خاصة لأهاليهم، في تكريس لفكرة الملكية والتبعية للعائلة”.
وتتابع حمزة تعداد أشكال العنف ضد الأنثى في السويداء، فتقول: “من أشكال الاضطهاد إرهاق الأنثى بالأعمال المنزلية، وإهمال طلباتها الأساسية، وحرمانها من التعليم، خصوصاً في هذه الفترة، بسبب الفقر وهجرة الشباب والتردي الاقتصادي، ولا ننسى العنف الجماعي المنتشر إلى درجة أنه صار أمراً عادياً”. وبحسبها، تراجعت رهبة الموت بفعل الأعداد الكبيرة من القتلى في خلال الحرب السورية، “فصار الموت معتاداً، وكذلك صار العنف الجماعي معتاداً، حتى أننا نلاحظ أن لا امرأة في المؤسسات الحكومية، وفي الشأن العام لا يتكاتف النساء ليصوتن لامرأة كي تنجح، وهذا نوع من أنواع التخريب السيكولوجي العميق للمرأة، تماماً كظلم المظلوم لنظيره المظلوم، من دون أن ننسى ممارسة بعض النساء السلطة الذكورية ضد النساء أنفسهن”، لافتةً إلى عجز المرأة في سوريا عن تبؤ أي مركز من مراكز صنع القرار، وكأنها غير معنية بالوطن أو بالمجتمع، “فتبدو محيدة تماماً، أو هي نفسها تحيّد نفسها”.
من يهتم؟
تقول إحصائيات الأمم المتحدة إن 5 نساء أو فتيات يُقتلن في كل ساعة بيد أحد أفراد أسرهن وإن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الجنسي أو الجسدي مرة واحدة على الأقل في حياتها، فيما تعيش 86% من النساء والفتيات في بلدان تفتقر إلى أنظمة حماية قانونية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
تقول حمزة إن ثمة عدد من المنظمات الأهلية التي تعنى بحقوق المرأة، “لكنها لا تؤدي واجبها على أكمل وجه، فبعض هذه المنظمات شكلي لا عمل له إلا الحصول على التمويل وصرفه على أمور شخصية لا بتتعلق ببناء المجتمع، من دون أن ننكر أن بعض المنظمات حاول أن يكون مؤثراً في هذا المجال، لكن هذه المنظمات كانت تفتقر للغطاء القانوني، فأي فرد في هذه المنظمات لا يستطيع التدخل إن رأى امرأة تتعرض للعنف”.
وطالبت حمزة بإقامة مراكز ايواء للإناث في السويداء، “وهذا صار مطلباً عاماً، ـ لمساعدة كل امرأة تتعرض للضرب أو التحرش، شرط أن يكون هذا الملاذ محمياً، اجتماعياً وقانونياً”.
القانون.. شريك
تقول حمزة إن القانون السوري هو “من أهم المشاركين في العنف الجماعي، “فأغلبية نصوص القانون مستمدة من النص الديني، ولتحرير المرأة، ينبغي فصل الدين عن الدولة، وفصل الدين عن القانون، والاسترشاد بشرعة حقوق الإنسان”.
في آذار/مارس 2020، ألغت المادة 548 من قانون العقوبات المتعلقة بمنح “عذر مخفّف لمرتكبي جرائم الشرف”، وجميع تعديلاتها الصادرة في عام 1949، وكان عام 2009 قد شهد تعديل هذه المادة وإلغاء “العذر المُحل من العقوبة” وبقي العذر المخفّف: “يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل”.
وكانت المادة نفسها تنص على أن مرتكب جريمة “الشرف” يستفيد من عذر محل: “يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، ب- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”.
يقول المحامي عاصم عزام لـ”963+” إن مسألة جريمة القتل بدافع “الشرف” شائكة، “ولا أستطيع أن أجزم بإلغاء نص المادة 548، وحتى لو ألغيت، فالجريمة موجودة، وما زالت إلى الآن تعطي الحق بقتل الأنثى في حال ارتكبت جرماً اجتماعياً يمس بمفهوم الشرف، والمطلوب وجود ادعاء شخصي من ورثة الأنثى التي ارتكبت بحقها الجريمة، وحتى إن اذا قُدّم الادعاء الشخصي، يتعرض مقدموها لضغوط اجتماعية لاسقاط هذا الحق، ومتى سقط الحق الشخصي خُفضت العقوبة بحق المدعى عليه، وهذا الأمر ثغرة في القانون، وأنا أدعو لتكون العقوبة كاملة لردع من يفكر بارتكاب هذه الجرائم، خصوصاً بعدما شاعت تحت مسميات الشرف، حتى لو لم تتعلق بالشرف”.
وفي عام 2018، عدلت المادة 469 من قانون العقوبات، فصارت على الشكل التالي: “يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من خمسين ألفاً إلى مئة ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة دون موافقة من له الولاية على القاصر، ويعاقب بالغرامة من خمسة وعشرين ألفاً إلى خمسين ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة إذا تم عقد الزواج بموافقة الولي”، مع العلم أن السن القانونية للزواج في سوريا هي 18 عاماً.
يحفظونها… ولكن!
ليس القانون وحده مسؤولاً، إن أردنا تعريف حدود المسؤولية في قضية تعنيف المرأة، “فالمجتمع شريك ومسؤول أيضاً”، كما تقول المحامية نور الشحف من السويداء، مضيفةً لـ”963+”: “يكثر الكلام عن تعنيف المرأة، خصوصاً في المجتمعات الشرقية، لكن بمرور الوقت، يتطور المجتمع، وتتغير نظرته إلى الأمور، وهذا ينسحب على محافظة السويداء، فالمرأة هناك تحظى بالاحترام أكثر نسبياً من مناطق أخرى في سوريا، وتتساوى مع الرجل في كثير من القضايا، فالموحدون الدروز يحفظون المرأة ويصونونها ويعدلون في حقها، وترى مشايخ الطائفة يمنحونها من الحق ما يفوق حصة الرجل”.
وتتابع الشحف: “ولكن… بالنسبة إلى الحد من قضايا جرائم الشرف، فدور المجتمع في السويداء ضئيل، لذا تخشى المرأة الكشف عن مشاكل تتعرض لها، كالتحرش والاعتداء الجنسي، خوفاً من ردة فعل أسرية ومجتمعية سلبية، أما باقي أنواع التعنيف الأخف وطأة، فالمجتمع المحلي يحلها قبل وصولها إلى المحاكم”.
وتختم بالقول: “إما إذا وقع المحظور، وارتكب أحدهم جريمة شرف بالسويداء، وسلّم نفسه للقضاء بعد تدخل أقارب الأسرة ووجهاء المحافظة من المشايخ، يبقى أفراد الأسرة فريسة الشعور بالذنب بسبب ما حصل، إذ تخشى الأسرة نظرة المجتمع إليها لسببين: الأول هو ما فعلته ابنتهم من فعل شائن، والثاني هو الجريمة بحد ذاتها، وفي أغلب الأحوال، تتقطع العلاقات الاجتماعية بين أفراد هذه الأسرة”.