لا شك بأن القضية الأبرز التي تشغل العالم والشرق الأوسط منذُ أمس الأربعاء، هي فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية على منافسته من الديموقراطيين كامالا هاريس. في حين يتفق قادة العالم على أن أي تغيير في الولايات المتحدة، يعني تطورات تشمل الجميع. تتجه أنظار ساسة الشرق الأوسط إلى تحليل إستراتيجية الرئيس الجديد، بعد تجربة “صعبة” قبل ثمانية سنوات عِندما تزعم ترامب البيت الأبيض.
“لقد فزنا فوزاً تاريخياً” بهذه الكلمات أعلن الرئيس الأميركي الجديد فوزه بالإنتخابات, وسبق وعقب فوزه جمة من التهاني التي قدمها قادة الشرق الأوسط والعالم.
كيف تعامل ترامب مع سوريا؟
تركت سياسة ترامب بصمة بارزة في الشرق الأوسط لا سيما سوريا خلال فترة ولايته الماضية، حيث تدخل مباشرةً لضرب مواقع تابعة للقوات الحكومية السورية، عندما شنّ ضربة بعشرات الصواريخ من طراز “توماهوك” استهدفت مطار الشعيرات بريف محافظة حمص، وسط سوريا، في نيسان/أبريل 2017.
وفي منتصف العام ذاته، أمر بوقف دعم المعارضة السورية عبر إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الذي كان يقدم الدعم لفصائل من المعارضة السورية، مبرراً ذلك بأنه جزءاً من استراتيجيته لتقليل التدخل الأميركي في النزاعات الخارجية، في المقابل سعى لتطوير علاقاته مع روسيا.
كما وقّع على “قانون قيصر”، الذي شمل عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية والمتعاونين معها، بهدف إضعافها، فيما تسببت العقوبات بشبه انهيار للعملة السورية، أدت لانتشار الفقر بشكل كبير في سوريا. واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، أمر بسحب القوات الأميركية من شمالي سوريا باتجاه حقول النفط، أمام الدبابات التركية التي توغلت في الأراضي السورية، واستولت على مناطق شاسعة، بحجة “منطقة آمنة”، تسببت بتهجير عشرات الآلاف من السكان الأصليين من رأس العين وتل أبيض.
واعتبر الباحث في مركز “الفرات” للدراسات، عبد الإله المصطفى، أن فوز ترامب “كان مفاجئاً”، لأشخاص ومنظمات وحكومات، خاصة أنه كان مُثقلاً بالاتهامات الجنائية.
ورأى أن قدرة ترامب على تحويل الظروف لصالحه، ودعم الجمهوريين والأثرياء وعلى رأسهم إيلون ماسك له كان “نقطة قوة لصالحه”.
ويشير إلى أن الإدارة الذاتية لديها مخاوف من فوزه بسبب تجارب سابقة، حينما انسحب أمام القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة، التي اجتاحت شمالي سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
ويضيف لـ “963+” أن ترامب تنكّر لما حققته قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وأصر على الانسحاب قبل إيجاد حلول سياسية في سوريا، ما أفسح المجال لتوغل القوات التركية والسيطرة على مناطق واسعة في شمالي سوريا.
ويقول أيضاً أن المستجدات الإقليمية والدولية، ستسهم بشكل كبير بتوجيه سياسة ترامب. مضيفاً أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ستتعامل معه كما جميع دول العالم آملة أن يكون قد أصبح لديه نضج سياسي.
ترامب والشرق الأوسط
يرى محللون أن ترامب سيعمل على إنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، وستكون الصراعات في غزة ولبنان على رأس أولوياته، وقدّم الفائز في الانتخابات الأميركية وعوداً بذلك، وأشاروا إلى أن ترامب سيكون أكثر حزماً تجاه إيران، التي فشل باحتواء نفوذها خلال ولايته الماضية.
ويتوقعون أن تسهم الولاية الجديدة بتغييرات جذرية في علاقات الولايات المتحدة مع كثير من بلدان الشرق الأوسط، حيث تستفيد بعضها من سياساته، بينما الأخرى ستكون مضطرة للتكيف مع تداعياتها.
وفي 2017، أعلن ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووصف هذا التحرك حينها بأنه “خطوة متأخرة جداً” من أجل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط والعمل باتجاه التوصل إلى اتفاق دائم.
في العام التالي، أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، وإعادة العمل بالعقوبات المفروضة على طهران. وقال ترامب في كلمة ألقاها من البيت الأبيض آنذاك، “أعلن اليوم أن الولايات المتحدة تنسحب من الاتفاق النووي الإيراني”. واصفاً إياه بالـ”كارثي”.
وتسبب بتوتر العلاقات مع إيران، عندما اغتال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليمان، عندما شنت الولايات المتحدة غارة جوية بطائرة مسيرة استهدفت سليماني، قرب مطار بغداد.
ورحبت دول عربية بفوز ترامب، متطلعة لبناء علاقات مع الرئيس الأميركي خلال ولايته القادمة، فيما أبدت إيران حذراً واضحاً خشية عودة سياسة الضغط الأقصى. كما علّق قياديو حركة “حماس” على فوز ترامب، داعين إياه إلى الالتزام بتصريحاته حول إنهاء الحروب في المنطقة.
وقال صباح أمس الأربعاء، في كلمته التي ألقاها في فلوريدا: “لقد كتبنا التاريخ هذه الليلة واستعاد الشعب الأميركي السيطرة على بلاده”. وأضاف: “لقد فزنا في ولايات بارزة، منها بنسلفانيا، نيفادا، وألاسكا، مؤكداً، ”لن أشن أي حروب بل سأقوم بإيقافها، ونريد جيشاً قوياً”.
وتعليقاً على تأثير سياسة ترامب، يقول المحلل السياسي اللبناني طوني بولس لـ “963+”، إن السياسة الأميركية محور أساسي لسياسات دول المنطقة، كما تتأثر بها إلى حد بعيد. وأشار إلى اختلاف السياسة الخارجية للولايات المتحدة بين الجمهوريين والديموقراطيين، حيث يجد الديمقراطيون، صعوبة في التواصل والتوصل إلى حل مع إيران.
ويرى أن إيران وحلفاؤها “تنفسوا الصعداء” عند انتهاء ولاية ترامب الماضية، بعد تصعيد تم خلاله إلغاء الاتفاق النووي، إلا أن هذا التصعيد لم يُستكمل بسبب انتهاء ولاية الرئيس 45 للولايات المتحدة آنذاك.
وتوقع أن تكون الولاية الجديدة لترامب أكثر حزماً تجاه إيران وحلفاؤها في المنطقة، كون الرئاسة الجمهورية صارمة ومتشددة تجاه طهران، لذا سيكون لفوزه انعكاس على الحرب في لبنان، لناحية إعطاء ضوء أخضر لبنيامين نتنياهو لضرب أذرع إيران.
وبالتالي حصر أذرع إيران بين الحرب والسياسة الدولية القاسية، كذلك ضرب إيران بحزم وبشكل مباشر، وهذا قد يوقف الحرب، وفقاً لرأيه.
ولفت إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد استطاع الخروج من “وحدة الساحات” ومواكبة السياسة الدولية، ثم أن الأسد يراهن على بقائه بتنفيذ السياسات الدولية، وعدم الدخول في الحرب الإقليمية التي أشعلتها إيران، وهو ما يعطيه “نفس إضافي”.
ويشير المحلل السياسي إلى أن ترامب سيتجه لتسوية سياسية في جميع دول المنطقة، ومن ضمنها سوريا، وستكون التسويات وفق ما تتطلع له الشعوب.
من جهته، قال المحلل السياسي، ومحاضر التاريخ في الجامعة الأميركية ببيروت مكرم رباح لـ “963+”، إن المراهنة على أن انتخاب دونالد ترامب سيحدث تغييراً في السياسة الأميركية، هو نوع من التفاؤل المفرط، مشيراً إلى أنه ربما يكون هناك مقاربة جديدة للمشاكل الموجودة، وطرح جديد لإنهاء الحرب في المنطقة.
ويعتقد أن إيران ستستمر بنهجها التدميري، وفق وصفه. أما فيما يتعلق بالسياسة الأميركية حيال سوريا، يرى رباح أن دمشق قد تخرج من عباءة إيران عبر التحركات الخليجية.
لكن في حال عدم قدرة دمشق على التخلص من إيران، فقد يكون الأمر مغايراً، لأن سياسة ترامب حيال إيران وأذرعها في المنطقة، “لن تكون جيدة”.