أحمد الجابر /دمشق – رزق العبي /إسطنبول
يرتبط الفائز بالانتخابات الأميركية دونالد ترامب بذكريات يمكن وصفها بالسيئة لدى جهات السيطرة الثلاث على الجغرافية السورية، فقد أمر ترامب بوقف الدعم عن المعارضة السورية، عبر إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الذي كان يقدم الدعم لفصائل من المعارضة السورية، مبرراً ذلك بأنه جزءاً من استراتيجيته لتقليل التدخل الأميركي في النزاعات الخارجية.
كما أمر بسحب القوات الأميركية من شمالي سوريا باتجاه حقول النفط، أمام الدبابات التركية التي توغلت في الأراضي السورية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، واستولت على مناطق شاسعة، بحجة إنشاء “منطقة آمنة”.
وفي عهده تدخلت أميركا بشكل مباشر لضرب مواقع للقوات الحكومية عندما قصف مطار الشعيرات بريف محافظة حمص بعشرات صواريخ “التوماهوك”، وهو الذي وقّع “قانون قيصر” الذي يتضمن عقوبات على الحكومة السورية والمتعاونين معها.
وكرر الرئيس الأميركي الـ 47 للولايات المتحدة، الذي سيستلم مهامه في كانون الثاني/يناير المقبل، وعوده بإيقاف الحرب في الشرق الأوسط. وقال صباح الأربعاء، في كلمته التي ألقاها في فلوريدا أمام أنصاره: “لقد كتبنا التاريخ هذه الليلة واستعاد الشعب الأميركي السيطرة على بلاده”. وأضاف: “لقد فزنا في ولايات بارزة، منها بنسلفانيا، نيفادا، وألاسكا، مؤكداً، ”لن أشن أي حروب بل سأقوم بإيقافها، ونريد جيشاً قوياً”.
لا شك أن السوريين في مختلف بقاع السيطرة يترقبون دونالد ترامب، خاصة أن بلادهم تشهد حرباً منذ أكثر من عقد، وأُدخلت في حرب إقليمية، وباتت مرتعاً لقوى مختلفة، فماذا ينتظر السوريون من ترامب؟
الخيار الأفضل!
تفاعل السوريون في شمال غرب البلاد مع فوز ترامب بالولاية الجديدة، على حساب هاريس، معتبرين أنّ وصوله إلى البيت الأبيض الخيار الأفضل، خصوصاً وأنّه يُجاهر بالعداء لإيران و”حزب الله”، وهو ما يعني تلاقي مصالح ولو بشكل غير مباشر، كما يرى محلّلون سوريون.
من جهته، يؤكد الباحث السوري بسام سليمان في حديث لـ “963+” بأنّ السوريين لا يعلقون آمالاً مباشرة في حلّ أزمتهم المستمرة منذ 2011 على الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، لكنّه أفضل من أو أقل سوءاً من غيره”، على حد وصفه.
ويضيف “سليمان” الذي يعمل باحثاً في مركز “جسور” للدراسات ويقيم في إدلب، بأن “السوريين يعتبرون وصول ترامب إلى سدّة الحكم أفضل أو أقل سوءاً بالنسبة لهم من الرئيس السابق جو بايدن، وكذلك يرى السوريون أن تشدُّد ترامب ضد إيران وأذرعها في المنطقة قد يصبُّ في صالحهم، وخاصة أنهم يرون في إيران الخطر الأكبر الذي يهدد الهوية السورية”، وفق رأيه.
تحولات جوهرية
انسحبت القوات الأميركية من مناطق واسعة في شمالي سوريا، واقتصر وجودها خلال ولاية ترامب على مناطق تتواجد فيها آبار النفط في الحسكة ودير الزور، لكن في عام 2023 عادت القوات الأميركية إلى الرقة التي غادرتها قبل 3 سنوات، وأنشأت قواعد لها في المدينة ومقر الفرقة 17 في الجهة الشمالية من مدينة الرقة، بالتزامن مع تحركات تركية وعربية للتطبيع مع الحكومة السورية.
ويرى المحلل السياسي، لزكين إبراهيم المقيم في الرقة، أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض وسط تصاعد الحرب والتوترات بين إسرائيل وإيران وأذرعها في المنطقة “قد تعني تحولات جوهرية في سياسات واشنطن تجاه سوريا”.
وبالرغم أن ترامب سعى سابقاً لسحب القوات الأميركية من سوريا، لكن التصعيد الحالي في المنطقة قد يرغمه على إعادة حساباته، فاستمرار الوجود الأميركي في سوريا والعراق سيخدم أهداف ترامب الذي قدم وعود بأنه سينهي الصراع القائم في غزة، وفقاً لإبراهيم.
ويقول لـ “963+”، إنه من الضروري بقاء القوات الأميركية في سوريا لتكون رادعاً لإيران وأذرعها وعاملاً لإنهاء الصراع بما يخدم إسرائيل، ويحد من النفوذ الإيراني في سوريا.
ويرى أن “هذه الاستراتيجية بطبيعة الحال سيكون لها إيجابياتها بالنسبة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، خاصة إذا ضغط ترامب أكثر على نظام بشار الأسد للتخلي عن إيران، والتوجه نحو الحلول السياسية، وهنا سيكون للإدارة الذاتية دور محوري في بدء أي عملية سلام بدعم أميركي”.
ومن جهة أخرى، يشكل الوجود الأميركي في شمال وشرق سوريا، بسبب الصراعات الراهنة عائقاً أمام أي خطط تركية لشن عمليات عسكرية جديدة ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، لذا قد تجد أنقرة نفسها مضطرة للتفاوض بشأن مخاوفها الأمنية مع واشنطن، عوضاً عن اللجوء إلى الحلول العسكرية، بحسب إبراهيم.
ويضيف أن “هذا قد يسهم في تحقيق نوع من التهدئة المؤقتة، خاصة أن الولايات المتحدة وأوروبا تسعيان لتحقيق الاستقرار في سوريا كجزء من استراتيجية أكبر لاحتواء إيران وحل ملف اللاجئين، وقد يعزز هذا من مكانة الإدارة الذاتية ويشجع على إشراكها في العملية السياسية”.
ويتابع: “إذا سعى ترامب لتحقيق حل سياسي، فذلك قد يكون بمثابة فرصة لقوات سوريا الديموقراطية والإدارة الذاتية للتفاوض على دورهم في مستقبل سوريا، وضمان عدم عودة “داعش” والفوضى إلى المنطقة”.
ويلفت إلى أن قسد تُعد شريكاً محلياً رئيساً للتحالف الدولي ضد الإرهاب. لذا فهي تأمل من إدارة ترامب في استمرار دعمها ضد أي تهديدات تركية وتعزيز الاستقرار في المنطقة. كما تأمل ضمان مشاركة الإدارة الذاتية في التسويات السياسية، بما يسهم في تطوير نظام حكم ذاتي معترف به دولياً ضمن سوريا موحدة، وهو أمر قد يتماشى مع أهداف ترامب في مواجهة إيران والدفع نحو فتح الحوار بين الكرد وتركيا وتحقيق الاستقرار، وفقاً لقوله.
وتنشر الولايات المتحدة حوالي 900 جندي على الأقل في سوريا في إطار محاربة تنظيم “داعش”، بالشراكة مع “قسد”، وتنتشر القواعد التي تستضيف جنود أميركيين في الحسكة ودير الزور وبادية حمص.
فوز متوقع
يقول المحلل السياسي غسان يوسف المقيم في دمشق لـ “963+”، إن دمشق تأمل أن يسحب دونالد ترامب الجنود الأميركيين المتواجدين على الأراضي السورية، وعدم فرض عقوبات اقتصادية، تؤثر على السوريين بالدرجة الأولى، والتعاون مع إدارة ترامب في مجال محاربة الجماعات “الرديكالية”، على رأسها تنظيم “داعش”، و”هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً”.
ويطالب المسؤولون في دمشق باستمرار بانسحاب القوات الأميركية من سوريا، ويتجاهلون في الوقت ذاته وجود القوات الروسية وإيران بشكل فاعل في البلاد.
ويضيف لـ “963+”، أن متغيرات عالمية ستحكم سياسة ترامب، تختلف عما كانت عليه في ولايته الماضية، متوقعاً أن يكون الرئيس الأميركي الجديد قد اكتسب الكثير خلال السنوات الأربع التي ابتعد فيها عن صناعة القرار، من متابعة للأوضاع ولقاءات وقراءات، مما يسهم بتغيير نهجه عما كان عليه في ولايته الأولى.
ويوضح أن موقف ترامب حيال الحكومة السورية، يعتمد إلى حد بعيد على، علاقته مع حلفاء دمشق، لا سيما روسيا وموقفه من الحرب بين موسكو وكييف، وكذلك علاقته بالصين وإيران. كما يعتمد على علاقته بالدول العربية خاصة الخليجية التي أعادت العلاقات مع الحكومة السورية.
ويشير إلى أن فوز ترامب في الانتخابات، كان متوقعاً بالنسبة للحكومة السورية، كون منافسته الديموقراطية كامالا هاريس لا تملك الشخصية القادرة على هزيمته.
وخلال الفترة التي ابتعد فيها ترامب عن البيت الأبيض، أعادت دول عربية عدة على رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات علاقاتها مع الحكومة السورية، وتتمتع هاتين الدولتين بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية.
وكانت الولايات المتحدة، قد أعلنت في شباط/فبراير عام 2012، عن قطعت العلاقات مع الحكومة السورية وإغلاق سفارتها في دمشق، وإجلاء آخر موظفيها المتواجدين هناك، على خلفية ما قالت إنه “القمع الذي نفذته الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة بحق المتظاهرين السلميين الذين خرجوا ضدها في منتصف آذار/مارس 2011”.
إلى حين استلامه مهامه في كانون الثاني/يناير المقبل، تبقى التكهنات مستمرة حول طبيعة وشكل سياسة ترامب تجاه سوريا، فيما يأمل السوريون إنهاء الصراع في بلادهم التي تحولت لساحة حرب إقليمية.