خاص – عبد الحي عبد الحي/إدلب
لو عادت بكم الذاكرة سنوات إلى الماضي، تحديداً إلى ما قبل عام 2011، لكم أن تتخيلوا شكل بلدة أطمة الوادعة، على الشريط الحدودي شمال غربي مدينة إدلب وقرب مدينة عفرين في ريف حلب، بعدد سكانها الذي لا يتجاوز 10 آلاف نسمة.
لم تكن هذه البلدة، التي تتبع ناحية الدانا في منطقة حارم بمحافظة إدلب، معروفة على نطاق واسع، لكن عرف من أبنائها بعض أوائل ضباط الجيش العربي السوري منذ تأسيسه، وخصوصاً الأخوان العقيد محمود حاج محمود، رئيس المكتب الثاني في شعبة مخابرات الجيش، والذي وقع أمر إعادة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى الجيش فكافأه بالسجن ثم الإعدام شنقاً في في عام 1981 بسجن تدمر العسكري، بتهمة الانتماء إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، وشقيقه المقدم محمد الحاج محمود، كما من خلال رجال علم وثقافة مميزين في شتى المجالات.
كذلك، ذاع صيت أطمة حين قتلت غارة للتحالف الدولي أبو إبراهيم القرشي، الخليفة الثاني لتنظيم “داعش” المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي دول عربية وآسيوية أخرى، وكان مختبئاً في أحد منازلها، وذلك في 3 شباط/فبراير 2022.
ملاذ آمن
بقيت أطمة عقوداً طويلة هادئة وادعة، بعيدة عن ضجيج الحياة وزحمتها، لكن حالها تغير تماماً بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011، بسبب موقعها الجغرافي، فهي ملاصقة للشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، وهذا حوّلها إلى مقصد لمئات آلاف الفارين من جحيم الحرب والباحثين عن مناطق أكثر أمناً.
واستقرت فيها عشرات المنظمات الطبية والإنسانية، لبعدها عن نيران القوات الحكومية، وافتتحت فيها تركيا ممراً إنسانياً لإخراج المرضى والجرحى إلى الأراضي التركية، ولإدخال المساعدات إلى سوريا.
يقول عبد القادر مصطفى الشيخ، وهو ابن أطمة ومقيم فيها، لـ”963+” إن البلدة اليوم مجتمع سوري متعدد، ففيها سوريون من كل مناطق سوريا، ولجأ إليها أيضاً أشخاص يحملون جنسيات أخرى، كالعراقيون مثلاً، “وهكذا تحولت أطمة من ريف صغير إلى حاضنة كتلة سكانية هائلة تسكن مخيمات وأبنية جديدة أقيمت على مساحات شاسعة، وتعاني ظروفاً معيشيةً صعبة”، وتحمل هذه المخيمات والتجمعات السكنية أسماء مدن ومناطق سوريّة من جنوب البلاد إلى وسطها فشمالها فشرقها وغربها.
يضيف الشيخ: “بسبب الاختلاط بين مواطنين ونازحين، وبسبب الاختلاف في العادات والبيئات المجتمعية، وقع بعض المشكلات، خصوصاً أن أعال أطمة فقدوا جزءاً كبيراً من أراضيهم، وهذا الوجه السلبي للمسألة، أما الوجه الإيجابي فيتمثل في انتعاش الحركة الاقتصادية، وفي ارتفاع أسعار العقارات”.
وفي البلدة مخيم مترامي الأطراف، يعد أحد أكبر مخيمات النازحين في الشمال السوري. وحين بدأت القوات الحكومية بدعم روسي هجومها على محافظة إدلب نهاية نيسان/أبريل 2019، فر مئات الآلاف من المدنيين إلى هذا المخيم، فصار الوضع مزرياً.
تعاون كبير
وكما كانت العاصمة السورية دمشق مقصداً للسوريين من كل أنحاء البلاد، بقصد العمل أو تحسين فرصهم المعيشية، هذا هو الدور الذي تؤديه أطمة اليوم، كما يقول أبو عمر دراهم، المهجر من داريا بمحافظة ريف دمشق، مضيفاً لـ”963+”: “إنها كالعاصمة في نسيجها الاجتماعي، وفي نماذج التعاون الكبير بين الناس، عملاً وعلماً وزواجاً”.
ويتابع أبو عمر: “كانت المنطقة تفتقر إلى الكثير من الخدمات والبنى التحتية، لكن أهلها والمهاجرون إليها أنشأوا فيها بنى تحتية وعمارات، كي تخدم سكانها، ويصل عددهم إلى مليوني نسمة، يعيشون الآن في بقعة جغرافية ما كانت تحوي إلا أشجار الزيتون، والجميل أننا سمعنا هنا بمدن وبلدات لم نكن نعرفها من قبل”.
الصعوبات كبيرة هنا، حيث فرص العمل نادرة، والاعتماد شبه كلي على الدعم الدولي الذي بدأ يتضاءل. يقول عبد الهادي عبارة، المهجر من مدينة حمص، لـ”963+”: “صارت الشائعات والتنبؤات تؤدي دوراً كبيراً في التأثير في نفوس الأهالي، اقتصادياً واجتماعياً، خصوصاً مع تضخم الأسعار واستشراء البطالة”.