خاص ـ بيروت
يجد الشبان السوريون أنفسهم أمام خيارات محدودة وصعبة في ظل استمرار الحرب في لبنان وتدهور الأوضاع المعيشية، حيث يفضل العديد منهم البقاء هناك على الرغم من تراجع ظروفهم الحياتية، وذلك خوفاً من الاعتقال أو التجنيد الإجباري في حال عادوا إلى سوريا. بينما يحاول آخرون البحث عن طرق للعودة إلى ذويهم، وهي طرق باهظة الثمن وتحمل مخاطر عالية.
وتتضمن خيارات الشبان السوريين العودة إلى سوريا عبر طرق التهريب على الحدود اللبنانية، والتي قد تصل تكلفتها إلى 700 دولار، مع احتمال التعرض للاعتقال والعيش بشكل متخفٍ داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية. خيار آخر هو التوجه إلى مناطق المعارضة، في شمال غربي سوريا، إلا أن هذه المناطق تعاني من عدم الاستقرار ونقص فرص العمل.
بعض الشبان يسلكون المعابر الرسمية بعد الحصول على إذن زيارة يسمح لهم بالإقامة لمدة تتراوح بين 15 و90 يومًا، وعند انتهاء المدة يجدون أنفسهم أمام خيار دفع البدل المالي أو السفر خارج البلاد أو الالتحاق بالخدمة العسكرية. أما خيار السفر إلى أوروبا، فهو غير متاح حاليًا بسبب تكاليفه المرتفعة ومخاطره الكبيرة.
البقاء في لبنان رغم ظروف الحرب
تفضل فئة من الشبان السوريين البقاء في لبنان رغم تصاعد الحرب وندرة فرص العمل وتراجع الوضع المعيشي، إذ يخشون الاعتقال في حال عودتهم إلى سوريا. ومن بين هؤلاء الشاب أحمد (19 عاماً) وأخوه طلال (22 عاماً)، اللذان انتقلا من الضاحية الجنوبية إلى منطقة البقاع الأوسط بسبب استمرار القصف، ما أدى إلى توقفهما عن العمل وتراكم ديون إيجار السكن.
يقول أحمد، لموقع “963+”، إنه لجأ إلى الاستدانة لتغطية احتياجاته، لكنه يشعر بأن خياراته ضيقة، فالهجرة إلى أوروبا مكلفة وصعبة، والعودة إلى سوريا تعني خدمة عسكرية أو خطر الاعتقال. كما عبر عن عدم قدرته على دفع بدل الخدمة العسكرية، مؤكدًا أنه ينتظر توقف الحرب ليتمكن من العودة إلى العمل.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “يُجبر السوريون الفارون من العنف في لبنان على العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء سوريا غير صالحة للعودة الآمنة أو الكريمة وفي غياب أي إصلاحات ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح. الوفيات المريبة للعائدين أثناء احتجازهم تسلّط الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد بحق الفارين والحاجة الملحة إلى مراقبة فعالة للانتهاكات الحقوقية في سوريا”.
رحلة العودة رغم المخاطر
تتزايد حالات العودة غير الشرعية إلى سوريا، حيث قرر عشرات الشبان العيش في مناطق نائية بعيدة عن مراكز المدن لتجنب الاعتقال.
ويقول صادق (30 عاماً)، الذي بقي وحده في لبنان بعد عودة أخيه الأصغر مع والديهما إلى سوريا، إن هذا القرار ربما يتيح لهما فرصة للحصول على تأجيل بحجة إعالة الأسرة.
ويوضح صادق، لـ”963+” أنه توقف عن العمل بسبب الأحداث المتصاعدة في لبنان، لكنه يسعى للانتقال إلى منطقة أخرى للبحث عن فرص عمل أفضل. ويعتبر أن الوضع في لبنان أقل خطورة، إذ لا يواجه خطر الاعتقال التعسفي أو القصف العشوائي، حسب قوله.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال 206 أشخاص في سوريا خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بينهم عائدون من لبنان وأطفال ونساء.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن الحواجز الحكومية تفرض على العائدين رسوماً “تصل إلى 200 ألف ليرة سورية عن كل حافلة وأخرى على المطلوبين للخدمة العسكرية، مع تهديد بالاعتقال لمن يرفض الدفع”.
ويؤكد كريم (20 عاماً)، الذي عاد إلى سوريا من لبنان عبر طرق غير نظامية، أنه دفع 700 دولار للمهرب ليتجنب تسجيل اسمه عند الحدود، حيث يقيم في منطقة نائية خوفًا من التعرض للاعتقال، ويتجنب زيارة المدن الكبيرة لتفادي التوقف على الحواجز.
تحديات العودة وفرص محدودة للسفر
ويقول الصحفي السوري عبد الحفيظ الحولاني، المقيم في بلدة عرسال اللبنانية، لـ”963+” إن المعابر الحدودية السورية تخضع لمراقبة مكثفة، مما يجعل العودة عبر الطرق الرسمية محفوفة بالمخاطر المالية.
ويشير إلى أن الخيارات المتاحة أمام الشبان والعائلات السورية تشمل التنقل داخل لبنان نحو مناطق أقل خطورة.
وبالنسبة للسفر عبر المطارات، فإنه ممكن ولكن بمصاريف عالية، ما يجعله خياراً محدوداً لا يتاح إلا لعدد قليل من اللاجئين.
ويعيش في لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، يعاني 90% منهم من الفقر المدقع، وتعد منطقة البقاع الأعلى كثافة باللاجئين، وفق تقديرات الأمم المتحدة. ومع تزايد الأحداث في لبنان، عبر أكثر من 425,000 شخص الحدود، معظمهم سوريون، وتقدر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن 80% من العائدين من لبنان هم من النساء والأطفال.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير سابق، إنه “في ظل شبكات المعلومات غير الموثوقة والمراقبة غير الكافية من قبل الوكالات الإنسانية، ينبغي للبلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين إدراك أن سوريا ما تزال غير آمنة للعودة وأن توقف فورا أي عمليات عودة قسرية أو بدون احترام الإجراءات الواجبة، أو أي خطة لتسهيل مثل هذه العودة”.