خاص ـ رزق العبي/ إسطنبول
“كانت شابة تفيض بالحيوية والنشاط، طبيبة مثابرة انطلقت مؤخراً في عملها الإنساني، قبل أن يخطفها الموت منّا” بهذه الكلمات عبّرت رشا مندو، في حديث مقتضب لموقع “963+” عن حزنها وهي تستذكر الطبيبة الشابة رهف قمحية، ابنة مدينة حمص التي قتلت بغارة إسرائيلية على دمشق في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الجاري. وفي ذات الاستهداف لقي طبيب يمني وعائلته وسيدة سورية وابنها حتفهم جراء تلك الغارات على حيّ المزة بدمشق.
ومنذ عام 2015 بدأت إسرائيل باستهداف متكرر لما تقول إنه أهداف إيرانية في سوريا، وبلغت تلك الغارات ذروتها مع بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وبات حيّ المزة أحد أحياء دمشق غير الآمنة للسكن، بسبب تصاعد الغارات على أبنية سكنية فيه، حيث كان الهجوم الأبرز فيه ذلك الذي استهدف مبنى السفارة الإيرانية في الأول من نيسان/ أبريل الماضي، والذي تسبب بمقتل 17 شخصاً وعشرات الجرحى.
المزة… كيف أثر التواجد الإيراني على أحد أفخر الأحياء في العاصمة دمشق؟
ولاحقاً مع بدء التدخل الجوي والبري في لبنان ضدّ “حزب الله”. اشتدت وتيرة القصف وبلغت أعنفها بالنسبة للضحايا من المدنيين كان في الثامن أكتوبر الماضي، حيث تسبب القصف بمقتل 6 مدنيين وجرح 11 آخرين بينهم أطفال وسيدتان.
وأدانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هذه الغارات، مشيرةً وفق مصادرها إلى استهداف مبنى سكني في حي المزة بدمشق بثلاثة صواريخ، تسبب بوقوع مجزرة، ومقتل 6 مدنيين وإصابة 11 آخرين، إضافة إلى أضرار مادية في ممتلكات المدنيين.
وفي شهر أيلول/ سبتمبر الفائت، تم توثيق، مقتل 8 مدنيين بينهم طفل وامرأة جراء غارات إسرائيلية على مناطق في سوريا، حيث شهد الشهران الماضيان ارتفاعاً ملحوظاً في الغارات الإسرائيلية التي تستهدف أماكن سكنية في سوريا.
العمليات العسكرية في سوريا وما يرافقها من قصف آخر في شمالي البلاد وغيرها جعل سوريا في المراتب الأولى بين البلدان الأكثر خطورة في العالم لعام 2024، بحسب مؤشر منظمة إدارة المخاطر الصحية والأمنية الدولية.
القانون الدولي واستهداف المدنيين
وتبرر إسرائيل قصفها مناطق في دمشق وغيرها من المناطق في سوريا بأنها تستهدف شخصيات تابعة لإيران، محذّرة الحكومة السورية من خطورة استمرار جعل البلاد ممراً لإيران و”حزب الله”، حيث وصل التحذير إلى تهديد بالتقدم في القنيطرة. والسيطرة على قمة جبل الشيخ.
ولا يوجد بند في القانون الدولي يشير إلى أنّ استهداف العسكريين يجب أن يتمّ بنجاح دون تسجيل أي خسائر أخرى كمقتل مدنيين أو دمار ممتلكات، وهنا يتحدّث قانونيون عمّا تعتبره المشرعات الدولية نسبة وتناسباً في الأهداف والخسائر.
وفي هذا السياق، يؤكد القانوني محمد الحمام أنّ استهداف المدنيين يشكل دون أدنى شكّ جريمة حرب تستدعي المحاسبة القانونية، كما أنه مخالف لجميع الأعراف الدولية، حيث نصّت جميع القرارات الدولية ذات الصلة على وضع حدّ لإزهاق أرواح المدنيين في الصراعات.
ولكن أشار “الحمام” لـ”963+” إلى أنه “إذا كان هناك استهداف عسكري وذهب ضحايا من المدنيين فإن الدول تُبرر ذلك في القانون الدولي إذا كان العسكريون قد أخذوا المدنيين كرهائن، أو تواجدوا في أماكن المدنيين، وهنا يجب أن تُبعد الأهداف العسكرية عن المدنيين، وحتى تواجد العسكريين ضمن التجمعات المدنيّة يعتبر مخالفاً، لأنهم يصبحون دروعاً بشرية وعرضة للاستهداف”.
كذلك، يجب أن تتوفر الشرعية أو الحجة البالغة التي تدفع طرفاً لاستهداف طرف آخر، مع ضرورة الحذر من أنّ المدنيين في كلا الطرفين في أمان، وحساب الجدوى العسكرية من الاستهداف، وأيضاً يجب تحديد نوع السلاح المستخدم في القصف للتقليل قدر الإمكان من الأضرار التي لا داعي لها.
ومع غياب التوثيق الدقيق ونقص المعلومات عن طبيعة ونوع الهدف الذي تمّ استهدافه، وانتهاء العمليات أغلبها بإعلان إسرائيل استهداف شخصية إيرانية أو تابعة لـ”حزب الله” في سوريا واكتفاء الحكومة السورية بالقول إنّ الضحايا من المدنيين، “يصعب تحديد الضربة قانونياً”، وفق “الحمام”.
وهنا يجب دراسة كل استهداف بشكل منفصل لتسجيل انتهاك يستدعي محاسبة قانونية، ولكن ما يستدعي التنديد هو عدم قيام إسرائيل بتحذير السكان في سوريا قبيل الغارات خصوصاً وأنّ أغلب الغارات في دمشق مثلاً تحصل فجأة دون تحذير مسبق على الرغم من أنّ الأهداف تكون في حيّ سكني.
وفي شهر أكتوبر الفائت، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 12 مدنيّاً جراء القصف الإسرائيلي على مناطق في سوريا، و89 مدنيّاً قُتلوا في سوريا جرّاء الاستهدافات المتنوعة الأطراف والتعذيب، في البلاد التي تشهد حرباً مستمرة من سنوات.
وقالت الشَّبكة في تقرير صدر يوم أمس الجمعة إنَّ 89 مدنياً قد قتلوا في سوريا في أكتوبر، بينهم 25 طفلاً و12 سيدة، و4 ضحايا بسبب التعذيب بينهم طفل واحد، و12 مدنياً، بينهم 4 أطفال و6 سيدات، بسبب القصف الإسرائيلي.
وأكد التقرير أنَّ القوات الحكومية السورية، تسببت بمقتل 12 مدنياً من بين 89 مدنياً تم توثيق مقتلهم، بينهم 3 أطفال. بينما تسببت القوات الروسية، بمقتل 11 مدنياً، بينهم 4 أطفال، وقتلت فصائل المعارضة المسلحة، والجيش الوطني المدعوم من تركيا، مدنياً واحداً (سيدة)، وهيئة تحرير الشام تسببت بمقتل مدني واحد. وسجل التقرير مقتل 61 مدنياً، بينهم 17 طفلاً و11 سيدة، على يد جهات أخرى.
كما أشار التقرير إلى أنّ “الهجمات الجوية التي شنّتها طائرات إسرائيلية ثابتة الجناح على مناطق مدنية في لبنان أسفرت عن مقتل 101 لاجئاً سورياً، بينهم 36 طفلاً و19 سيدة، وذلك في الفترة الممتدة من 23 سبتمبر 2024، وحتى 31 أكتوبر 2024”.