بيروت
يعتبر لبنان من البلدان التي عدد سكانها أقل من عدد مواطنيها في خارج حدود البلاد، حيث يُقدّر عدد اللبنانيين في داخل لبنان قبل بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية بـ 5800000، فيما يسكن في البرازيل وحدها ما يزيد عن 10 ملايين لبناني، عدا عن بقية دول العالم.
ففي أواخر القرن التاسع عشر بين أعوام 1865 – 1916، هاجر ما يزيد عن 330 ألف شخص من جبل لبنان آنذاك، وفي الحرب “الأهلية اللبنانية” بين أعوام 1975 -1990 هاجر ما لا يقلّ عن 990 ألف شخص من البلاد.
وفي عام 1975 اندلعت في لبنان “حرب أهليّة” استمرت حتى 1990 وتسببت بمقتل ما يزيد عن 120 ألفاً من اللبنانيين. واشتعلت تلك الحرب لأسباب سياسية واقتصادية. حيث بدأت البلاد تأخذ منحى يتّجه نحو الفوضى السياسية، منذ عام 1958 وما عُرف وقتها بـ”أزمة لبنان” بسبب توترات سياسية ودينية.
وفي تلك الفترة تدخّل الجيش الأميركي وبقي قرابة 3 أشهر متواصلة، حتى انتهت الفترة الرئاسية للرئيس كميل شمعون، الذي كان قد طلب من الولايات المتحدة الأميركية المساعدة في الحد من التوتر في لبنان. الأزمة انتهت وانسحب الجيش الأميركي بعدها بفترة قليلة.
أما اقتصادياً، فقد تسبب تركّز جميع المصالح الاقتصادية في العاصمة بيروت، وتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في جنوب لبنان وبقية المناطق بخلق توترات تطورّت لاحقاً لحرب أهلية.
احتفاء بالاغتراب
يتراوح عدد اللبنانيين بين 19 و26 مليون نسمة (يسكن فقط ما لا يزيد عن 5 ملايين منهم في لبنان)، وفق ما أشار “المعهد الفرنسي للشرق الأدنى” في دراسة تفصيلية عن الهجرة من لبنان.
وإضافة لوجود ما يزيد عن 10 ملايين لبناني في البرازيل فإنه يقيم في كولومبيا والأرجنتين، حوالي 6 مليون لبناني.
وبسبب هذا الكمّ من المغتربين اللبنانيين، أُقيم تمثال في بيروت لتكريمهم، عُرف بـ “تمثال المغترب اللبناني” وقد صنعت نسخ طبق الأصل منه في فيراكروز بالمكسيك، وبريتش كولومبيا بكندا، وبريزبان بأستراليا، وأكرا بغانا.
ويعتبر المهاجرون اللبنانيون في دول العالم من الأغنياء والتجار، حيث يشير الدكتور فيليب حتّي، إلى أنّ أنطونيوس بشعلاني، هو أول مواطن لبناني هاجر من لبنان إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1854.
وظهرت فكرة الهجرة لدى أنطونيوس، عندما رفض أقاربه تزويجه إحدى قريباته، وأحرقوا منزله لاحقاً، فسافر إلى أميركا، وكانت أحواله المادية جيدة وفق مصادر عديدة، وقد عمل بشعلاني في تدريس اللغتين اليونانية واللاتينية، كما درَّس أيضاً اللغة العربية للكثير من الأميركيين.
تَبِع ذلك، هجرة سمعان إدلبي وزوجته إلى بريطانيا عام 1855، وعبد الله طراد إلى بريطانيا 1862. ثمّ حبيب النشابي إلى الأرجنتين عام 1868 وأنطونيو عواد عام 1880 أنطونيو عواد.
في تلك الفترة كان اللبنانيون الذين يغادرون البلاد، يغادرونها بأموالهم التي جمعوها من التجارة أو من الورثة، ولم تذكر مصادر تاريخية هجرة على أساس “الفقر” للبنانيين وصلوا إلى أميركا أو بقية دول العالم، وهو ما أثر على لبنان اقتصادياً.
الحرب الأخيرة
أكّدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ حوالي 597,700 شخص فرّوا من لبنان إلى سوريا خلال الفترة ما بين 23 أيلول/سبتمبر و20 تشرين الأول/أكتوبر الجاري. مشيرة إلى أنّ “هذا التدفق جاء نتيجة لتصاعد الأوضاع الأمنية في لبنان”.
بالإضافة لحركة نزوح داخلي “كبيرة” حيث نزح 425,000 شخص داخل البلاد بين 26 أيلول/سبتمبر و20 تشرين الأول/أكتوبر، وغادر أكثر من مليون شخص منازلهم خلال سبتمبر هرباً من ضيق الأوضاع الأمنية والمعيشية. وفق المفوضية.
التوزّع اللبناني حول العالم
يعيش في البرازيل ما يزيد عن 10 ملايين لبناني، وهي أعلى نسبة لبنانيين هاجروا من البلاد منذ عشرات السنين، تليها الولايات المتحدة بـ 3300000 لبناني، فالأرجنتين بـ 1.5 مليون لبناني، ثم كولومبيا 700 ألف، وأستراليا وكندا 500 ألف لبناني في كل منهما. وكذلك المكسيك وفنزويلا يتواجد 400 ألف لبناني في كل منهما. ثم فرنسا 250 ألف لبناني.
وفي دول الخليج العربي يقيم حوالي 250 ألف لبناني، نصفهم في المملكة العربية السعودية. ويتوزّع الآلاف من اللبنانيين، في كل من الأكوادور والتشيلي، والمملكة المتحدة والأوروغواي، ألمانيا، ساحل العاج، الدنمارك، اليونان، قبرص جنوب أفريقيا، السويد وجاميكا وبلدان أخرى.
النزوح الأخير مختلف
على الرغم من التأكيد عبر التاريخ بأن اللبنانيين الذين كانوا يغادرون البلاد أصبحوا لاحقاً من الأغنياء وكبار التجار، إلا أن موجة النزوح واللجوء الأخيرة تعتبر مختلفة لأنها جاءت بعد فترة اقتصادية صعبة عاشها اللبنانيون، كانت قد تسببت أساساً بهجرة بين أعوام 2020 و2022.
وفي السياق، قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان إن “هناك حاجة إلى دعم عاجل على مختلف المستويات للفارين من الحرب في لبنان”. مشيراً إلى أنّ “حجم التصعيد والنزوح نتيجة سلسلة الغارات الإسرائيلية العنيفة على لبنان تسببت بوصول الاحتياجات الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة واستنزفت جهود وموارد العمل الإنساني في البلاد”.
وفي أحدث إحصائية لوزارة الصحة اللبنانية فإن الهجمات الإسرائيلية قتلت ما يزيد عن 2700 شخص، فيما ارتفعت أعداد الجرحى إلى 13 ألف شخص منذ بدء المعارك بين “حزب الله” وإسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.