خاص – سلطان الإبراهيم/ الحسكة
يتزايد الخلاف بين مختلف الأطراف السورية حول سبل الحلّ والمستقبل السياسي للبلاد، حيث يظهر هذا الصراع بوضوح بين رؤية قوات سوريا الديموقراطية (قسد) الداعية إلى نظام حكم لامركزي يضمن حقوق الكرد وخصوصية مناطق شمال شرقي سوريا، وبين موقف الحكومة السورية ومؤيديها الذين يرفضون الاعتراف بخصوصية “قسد” الإدارية والعسكرية ويعتبرون ذلك تجاوزاً لسيادة الدولة.
وجدد القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، دعوة الحكومة السورية إلى الحوار للتوصل إلى تفاهمات في إطار حل للحرب السورية، وقال في مقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية أمس الأربعاء، إن “جميع محاولات التوصل لاتفاق مع دمشق لم تسفر عن نتائج”، معتبراً أن رفض الحكومة السورية المتكرر للتجاوب مع دعوات الحوار يقف عائقاً أمام إيجاد حلّ للأزمة.
وعقدت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا و”قسد” على مدى السنوات الماضية، عدة جولات من الحوار مع الحكومة السورية من أجل التوصل لاتفاق بشأن الأزمة و”خصوصية مناطق شمال شرقي البلاد” ضمن وحدة البلاد، إلا أن جميع هذه الجولات لم تتوصل إلى نتائج”، في ظل ما تقول “قسد” إنه “تعنت الحكومة في دمشق حول الكثير من المسائل”.
ضرورة الاعتراف بالتنوع والحكم اللامركزي
وفيما أشار عبدي إلى أن المحادثات مع الحكومة السورية لم تتجاوز خلافات أساسية، منها رفض الحكومة الاعتراف بالخصوصية الإدارية والعسكرية لقوات “قسد”، صرح مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، بأن الإدارة الذاتية و”قسد” ومجلس سوريا الديموقراطية (مسد) هي أطراف سورية، وتبدو مشاريعها الأقرب لوضع “خارطة طريق للخروج من الأزمة السورية”.
واعتبر خليل في تصريحات لـ”963+” أن “مطالب قسد المشروعة تتمثل ببناء نظام ديموقراطي تعددي لامركزي في سوريا يقرّ بحقوق الشعب الكردي وغيره من المكونات ضمن الدستور”، لافتاً إلى أن “هذه المطالب تعكس التنوع القومي والمذهبي والديني الذي يُمكن أن يكون مصدر قوة كبيرة في البلاد”.
سيادة مسلوبة الإرادة
لكن المحلل السياسي السوري مصطفى رستم، وفي حديث مع “963+” يرى أن “طرح خليل للإدارة الذاتية وقسد كمحرّك أساسي للحل في سوريا يتجاهل واقع السيادة السورية”.
ويعتبر رستم أن الحكومة السورية “لم تتجاهل” دعوات الحوار، لكنها “ترفض الأسلوب الذي تتبعه قسد وكأنها تمثّل دولة مستقلة بحد ذاتها”، مما يتجاوز أصول الحوار التي يجب أن تكون بيد الحكومة.
وأضاف رستم، أن “الحوار مع قسد يتطلب التزاماً بوطنية المشروع السوري، وتخلي قسد عن علاقتها بالولايات المتحدة، بما يحفظ السيادة السورية الكاملة”.
ولكن الوقائع والأحداث التي مرت بها سوريا، جعلت الوضع غير ذلك، فمنذ بداية الحرب السورية، تدخلت روسيا بشكل عسكري مباشر لدعم الحكومة، مما منحها نفوذاً كبيراً في القرارات العسكرية والسياسية. روسيا ليست فقط داعماً عسكرياً، بل تلعب أيضاً دور الوسيط في المفاوضات السياسية، مما يجعل دمشق تعتمد عليها بشكل كبير. ويحد هذا الاعتماد من قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات مستقلة، حيث يتم فرض شروط معينة عليه من قبل موسكو، بحسب تقارير صحفية.
وكان للتأثير الإيراني، دور بارز في دعم الحكومة السورية، حيث تقدم لها الدعم العسكري والاقتصادي. وهذا التعاون يجعل دمشق في موقف ضعيف، حيث يتعين عليها التنسيق مع الأجندات الإيرانية التي قد تتعارض أحيانًا مع مصالحها الخاصة، بحسب مراكز بحثية غربية ترى أن دمشق التي لا يمكنها اتخاذ أي إجراء أمني أو عسكري دون موافقة روسيا وإيران تشارك الرؤى مع طهران في بعض الملفات كمسألة التفاوض مع “قسد”.
ويذهب خليل إلى القول بأن “ذهنية الحكومة السورية القائمة على تهميش حقوق الأقليات والكرد ورفض دمقرطة البلاد هي السبب وراء عدم تجاوب دمشق مع الحوار”.
ويشدد على أن روسيا وإيران “تمثلان عوامل مؤثرة سلباً في هذا الملف، وأنهما تدفعان الحكومة لرفض مشاريع اللامركزية والحلول الديموقراطية حفاظاً على مصالحهما”.
ويرى خليل أن إيران على وجه الخصوص تخشى من أن يؤدي أي تقارب بين “قسد” والحكومة السورية إلى “تعزيز مطالب مماثلة داخل إيران، في حين أن تركيا، رغم قوة موقفها، أصبحت تبحث عن حلول للقضية الكردية”.
وتشير تقارير، إلى أن “الحكومة السورية مسلوبة الإرادة، ولا تتحكم بالقرارات بشأن أغلب الملفات وعلى رأسها الحوار مع قسد في ظل هيمنة روسية إيرانية على القرار الحكومي، ودفعهما لدمشق بالاتجاه الذي يخدم مصالحهما.
تحديات الحوار
أما رستم، فشدّد على أن تعقيد الملف يتطلب “مراعاة الحكومة للواقع الإقليمي”، ويرى أن “الحكومة السورية تعمل على معالجة عدة ملفات في وقت واحد، وملف قسد ليس أولوية في ظل الأزمات الكبرى التي تواجهها البلاد”.
وأضاف أنه “ينبغي على قسد أن تتوقف عن محاولة فرض واقع جديد وتقديم شروط للحكومة، مستشهداً بتجربة الحكومة في ملف المصالحة مع تركيا، إذ رفضت الجلوس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دون التزامه بشروط محددة للحوار”.
ويختم رستم بأن سوريا هي مظلة لجميع السوريين، وأن قسد يجب ألا تتجاوز مكانة الدولة وسيادتها، مؤكداً أن “الحكومة لا تقبل أن تتعامل مع قسد إلا إذا التزمت بالأطر الوطنية بعيداً عن النفوذ الخارجي”.
بينما يرى خليل أن الوقت حان لتعديل مسار الحكومة، معتبراً أنه “يجب أن تكون سوريا ليس فقط للعرب والكرد، بل لكل المكونات السورية الأخرى”، في دعوة واضحة منه للاعتراف بالتعدد العرقي في البلاد، بعيداً عن ذهنية ما قبل 2011، على حدّ تعبّيره.