بعد عشرة أيام من اندلاع الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”، بدأت فصائل عراقية بتوجيه ضربات ضد قواعد أميركية في سوريا والعراق، وطالت المسيّرات معظم القواعد في البلدين، يُنذر استمرار ممارسات تلك الفصائل بإحراج الحكومة وجر العراق إلى صراع إقليمي.
وأطلقت تلك الفصائل على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية” في العراق، وظهرت ككيان لأول مرة في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما أعلنت مسؤوليتها عن هجمات استهدفت القواعد الأميركية في كل من العراق وسوريا.
وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أعلنت “كتائب حزب الله” العراقي أسماء بعض الجماعات المنضوية معها تحت مسمى “المقاومة الإسلامية في العراق”، ومنها “كتائب سيد الشهداء”، و”النجباء”، المرتبطان بإيران، وفصائل إقليمية أخرى، مثل “حزب الله” في لبنان أو الحوثيين في اليمن، إضافة إلى كتائب حزب الله العراقي وجماعة “أنصار الله الأوفياء” المنشقة عن التيار الصدري، ذراع “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”.
وتتبنى تلك الفصائل هجمات ضد إسرائيل، بينما تخوض الحكومة العراقية في الوقت الحالي ضغوطاً على تلك الفصائل الموالية لإيران، والتي تهدد بقصف القواعد الأميركية، كما تُطلق رشقات صاروخية مسيّرات من حدود العراق الغربية باتجاه تل أبيب، وتعلن ذلك عبر بيانات تنشرها على منصة “تلغرام”.
وبينما تقدمت الحكومة العراقية رسمياً، يوم الاثنين الماضي، بمذكرة احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وذلك جراء ما وصفته بـ “خرق” إسرائيل للمجال الجوي العراقي، واستخدامه للهجوم على إيران ليل الجمعة/السبت.
كانت كتائب “حزب الله” العراقي، قد قالت في بيان صدر في وقت متأخر من مساء الأحد الماضي، إن استخدام الأجواء العراقية لتوجيه ضربات لمنشآت إيرانية، يعد سابقة خطيرة لم تتعرض لها إيران من قبل. محذرةً “الأميركيين سيدفعون ثمن الاستهتار باستخدام الأجواء العراقية، وكذلك إسرائيل”، مضيفة أن “تجرؤهم على إيران يعني أنهم سيتجرؤون على العراق حتماً، إذا لم يدفعوا ثمن عدوانهم باهظاً”.
وفي وقت تسعى الحكومة العراقية إلى تجنب الانجرار إلى الصراع الإقليمي المتصاعد، تشن بعض الفصائل العراقية الموالية لإيران هجمات على القوات الأميركية في المنطقة، وأعلنت مسؤوليتها عن مهاجمة إسرائيل بطائرات مسيّرة.
طبيعة المواجهة
يعتقد هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات، أن إيران “لن ترد” على إسرائيل، إذ يمكن اعتبار أن قصف تل أبيب مقبول من طهران، التي كانت تتخوف من استهداف منشآت حيوية واقتصادية مثل الموانئ ومصافي النفط والطاقة، وكان لهذه أن تؤثر على إيران بشكل كبير، علاوة على مخاوف من استهداف المحطات النووية.
وليل الجمعة/السبت، شنّت إسرائيل ما وصفته بضربات جوية “دقيقة ومحددة” على إيران رداً على وابل من الصواريخ، كانت طهران قد أطلقتها ضد تل أبيب في وقت سابق من هذا الشهر.
ويقول المتخصص في الشأن الإيراني، إن الرد الإسرائيلي يأتي ضمن “المربع” الذي من الممكن السيطرة عليها، وفي إطار التوافق غير المباشر بين تل أبيب وطهران، التي لا ترغب بالتصعيد المباشر، خاصة أن الضربات التي حققت إصابات لم تستهدف المنشآت النووية، واقتصرت على استهداف مواقع عسكرية غير استراتيجية تابعة “للحرس الثوري”.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه ضرب حوالي 20 هدفاً، بما في ذلك منشآت تصنيع الصواريخ وصواريخ أرض – جو ومواقع عسكرية أخرى. وأكد الجيش الإيراني مقتل أربعة ضباط “أثناء التصدي للضربات بالقذائف”.
ووصف البيت الأبيض الضربات بأنها “تمرين للدفاع عن النفس”، إذ قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن الولايات المتحدة عملت مع إسرائيل لتشجيعها على تنفيذ رد “محدد ومتناسب”.
كذلك لا يتوقع الصحفي والمحلل السياسي، علي الحبيب، مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، في الوقت ذاته لا يستبعد أن يتم تبادل رشقات صاروخية، لكن بحدة أقل من السابق.
تفويض الوكلاء
توقع المحلل المصري أن يكون للفصائل العراقية الموالية لإيران لا سيما “النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحزب الله العراقي”، دور كبير في المواجهة بين طهران وتل أبيب. وكان قائد “النجباء” قد هدد القوات الأميركية في العراق، إبان ترقب الضربة الإسرائيلية لإيران.
ويضيف سليمان أن إيران ستوظف الفصائل العراقية، لتحقيق أهدافها بالضغط على إسرائيل عبر استهداف المصالح الأميركية حليف تل أبيب الاستراتيجي. ومن الممكن أن تسهم هذه الفصائل بتغيير معادلات الاتفاقات الأميركية والإسرائيلية مع إيران لا سيما الملف النووي، وفق رأيه.
ومن الممكن أن تؤثر تحركات الفصائل العراقية على ملف انسحاب التحالف الدولي من العراق، وقد تعرقل محاولات الحكومة في التخلص من ثنائية الاستقطاب -واشنطن وطهران- في البلاد لناحية صياغة اتفاقات جديدة. حيث تبرر الولايات المتحدة وجودها بمخاطر الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش”، لكن شكل الدولة العراقية ومدى تأثير إيران عليها، يعتبر مصدر القلق الأكبر، بحسب سليمان.
ويرجح أن تستهدف الفصائل العراقية القواعد الأميركية في البلاد، وتزيد الضغط على الحكومة عبر السيطرة على الشارع العراقي وتؤثر فيه. ويشير إلى أن تلك الفصائل أُسست على مبدأ أيدولوجي من خلال تصدير الثورة الإيرانية، وبما أن المكون الشيعي كبير في العراق، فقد يسمح ذلك بتشكيل نوع من الحماسة الثورية، والارتهان للقرار والمصالح الإيرانيّين أكثر من العراقية.
من جهته يشير الصحفي العراقي علي الحبيب إلى أن الفصائل العراقية المسلحة، انخرطت في العمل السياسي، باستثناء فصيلين لا يزالا على ارتباط في إيران، ومن المحتمل أن يتلقيا أوامر مباشرة من إيران بالتصعيد ضد المصالح الأميركية على الأراضي العراقية، وهذا ما قد يسبب إحراج للحكومة في بغداد التي تسعى لانسحاب قوات التحالف.
وسبق أن تسببت هجمات الفصائل العراقية بإفشال اتفاق بين الحكومة وواشنطن، بسبب تزايد قصفها القواعد الأميركية، والتي بدأتها بعد أسبوع من اندلاع الحرب في غزة.
ووجهت واشنطن ضربات عسكرية لفصائل عراقية موالية لإيران، واستهدفت بشكل أساسي مقرات لحركة “النجباء”، و”حزب الله العراقي”، و”كتائب سيد الشهداء”، في الأراضي العراقية، ما دفع الحكومة العراقية لممارسة ضغوط على تلك الفصائل أجبرتها على تعليق عملياتها ضد القواعد الأميركية لأشهر.
وتسعى حكومة محمد شياع السوداني، لكسب الفصائل وتهدئتها لعدم الانخراط في الصراع، وقد تجر العراق إلى حرب كبيرة، امتدت إلى إيران ولبنان وسوريا.
احتواء للموقف
يرى المحلل المصري هاني سليمان أن إيران التي كانت تتحدث عن وحدة الساحات، بدأت بالتراجع عنها وفصلها، كون طهران لا ترغب بأن تكون المعني المباشر بالرد على كل الهجمات التي يتعرض لها “محور المقاومة”، وهو الأمر الذي قد يعرضها للتشرذم، لذا فهي الآن تعطي الحرية لتحرك أذرعها في المنطقة للاشتباك مع إسرائيل.
ويستبعد أن تتجدد المواجهة المباشرة بين تل أبيب وطهران، خاصة أن مسؤولين إيرانيين أكدوا في وقت سابق، على أنه إذا كان القصف الإسرائيلي في الحد الأدنى، فإن طهران لن ترد، كذلك طريقة تعاطي المسؤولين مع الضربة من حيث التقليل من شأنها وبأن الدفاعات الجوية نجحت بالتصدي، فإن ذلك مهد لفكرة عدم الرد، مشيراً إلى نجاح المساعي الأميركي في ضبط الاستهداف الإسرائيلي.
ووفقاً للباحث، فإن الضربة الإسرائيلية، وطريقة تعامل إيران معها لاحتواء الموقف، كانت تكتيكية للطرفين، حيث أوصلت إسرائيل رسالتها، وعمل المسؤولين في طهران على عدم المطالبة بالرد، وبالتالي منع التصعيد.
وبحسب موقع “أكسيوس” الأميركي، فقد كبدت الضربات الإسرائيلية، الجانب الإيراني خسائر كبيرة، حيث دمّرت مصانع الصواريخ الباليستية، وأعطال في معامل إنتاج وقود تلك الصواريخ، ما يجعل إيران متوقفة عن تصنيع الصواريخ لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وقد تضطر إلى استيرادها من الصين، لكن ذلك قد يقيد حركتها في التحكم بمخزونها. كما دمّرت أربع بطاريات دفاع جوي من طراز (S300)، وأضرار في قواعد عسكرية في برشيم وإسلام شهر.
المحلل المصري، لفت إلى أن إسرائيل ستتعاطى بشكل مختلف مع الفصائل الموالية لإيران في سوريا والعراق خلال الفترة المقبلة، وكانت تقول منذ فترة قليلة سابقة أنها ستتعامل معها في الوقت المناسب، في ظل تصاعد الهجمات ضدها من قبل فصائل عراقية.
ويتفق سليمان والحبيب، على أن الضربات الإسرائيلية المتتالية للقياديين في “محور المقاومة” أثّر بشكل كبير، على وحدة الساحات، خاصة أن تل أبيب حيّدت قياديين بارزين في “حزب الله” و”حماس” و”الحرس الثوي” الإيراني، جعلت دول المحور غير قادرة على إدارة المواجهة العسكرية.