خاص ـ إدلب
في ظهيرة أمس الأحد، تلقّى أصدقاء الشاب السوري “أحمد راضي الآغا” في إدلب خبراً قاسياً؛ أحمد، لقي حتفه بعد أن خسر معركته الأخيرة مع الحياة على سرير بارد في أحد مستشفيات سلقين. بدأ كل شيء حينما أُلقي القبض على أحمد من قِبل “الجندرما” التركية عند الحدود السورية التركية، حيث كان يحاول الدخول إلى تركيا بحثاً عن حياة أفضل، لكنه بدلاً من ذلك، وجد في طريقه الضرب المبرح الذي أسقطه فاقداً للوعي.
الناشط السوري إسماعيل شريف، وهو صديق مقرب لأحمد، قال بأن “الشاب توقف قلبه هناك على الحدود، حيث لم يُقابَل طلبه في حياة جديدة إلا بالعنف القاسي، إذ تعرّض للضرب بوحشية حتى غاب عن الوعي، ثم نُقل إلى المستشفى في إدلب، حيث فارق الحياة متأثراً بجراحه”.
وقال أحد الأطباء في مستشفى سلقين المركزي، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن “أحمد وصل بحالة غيبوبة مع كسور متعددة في جسده، وعلامات كدمات قاتلة على وجهه وصدره، وفي أماكن أخرى كانت مميتة بما يكفي ليتعذّر إنقاذه”.
إصابات قاتلة
قصّة أحمد ليست الأولى، فوفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، انضمّت وفاته إلى قائمة طويلة من السوريين الذين قضوا على يد “الجندرما” التركية هذا العام. منذ بداية العام الحالي، قُتل 16 شخصاً بينهم سبعة في ريف إدلب، كانوا قد عبروا الحدود باحثين عن الأمل، لكنهم قوبلوا بقدرٍ أكثر قسوة.
ومع تصاعد هذه الحوادث المؤلمة، ارتفعت أصوات كثيرة تدعو إلى حماية المدنيين. كان من بينهم الكاتب السياسي وائل الخالدي، الذي استنكر العنف ضد السوريين قائلاً في تصريحات لموقع “963+”، إنهم لا يجتازون الحدود من أجل الترفيه أو السياحة، بل بحثاً عن الأمان.
ولفت الانتباه إلى تناقض هذه الانتهاكات مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تحدث مؤخراً عن فتح تركيا أبوابها للاجئين.
وأضاف الخالدي بحزن، أن “السوريين الذين يهربون من الموت لا يجدون في استقبالهم إلا موتاً آخر على يد الجندرما التركية، دون أي رادع دولي”.
ومع هذه الانتهاكات المستمرة، أشارت منظمة “مظلومدير” إلى أرقام توثق ما لا يقل عن 500 سوري قتلوا على الحدود السورية التركية برصاص “الجندرما” التي تمتد نقاطها العسكرية على طول الجدار الفاصل بين البلدين.
قمع الأصوات
ولطالما كانت هذه القضية خطيرة إلى حد أنّ الحديث عنها علناً قد يعرض الناشطين والصحفيين للسجن، كما حصل مع الصحفيين السوريين أحمد ريحاوي وعلاء فرحات اللذين حُكم عليهما بالسجن لمدة ست سنوات ونصف بتهمة التطرق لهذا الموضوع، ليجدا نفسيهما في المنفى بعد هروبهما إلى اليونان.
لكن الحدود التركية لا تمتد فقط عبر خطوط الجغرافيا، بل تجاوزتها أيضاً إلى داخل الأراضي السورية. فعلى طول مناطق ريف حلب، تسيطر مجموعة تُعرف بـ”لواء أمن الحدود” المدعومة من تركيا، والتي تتولى مهمة ضبط العابرين إلى تركيا.
وبحسب شهادات البعض، من ضمنهم “هند سعيد”، وهي سيدة سورية من دمشق، فإن أفراد هذه المجموعة “يحتجزون من يحاول العبور في ظروف قاسية، وينقلون صورهم وأسماؤهم إلى أنقرة، حيث يبقونهم محتجزين حتى يتم فحصهم أمنياً قبل الإفراج عنهم”.
وأضافت هند، في حديث لـ”963+” بأنها احتُجزت أربعة أيام في منطقة “بلبل” في معتقلات “سيئة لا تصلح للحيوانات”، إلى أن أطلقوا سراحها مع آخرين، باستثناء شابين طلب الجانب التركي احتجازهما لأسباب مجهولة.
وكشف قيادي في “الجيش الوطني”، فضل عدم ذكر اسمه، لـ”963+”، أن “العبور إلى تركيا من ريف حلب يُعدّ أكثر أماناً نسبياً مقارنةً بإدلب؛ فهناك مخافر سورية تعمل بأمر تركيا، وتُعيد العابرين بعد الفحص الأمني إلى الجانب السوري في حال تم توقيفهم”.
وأضاف المصدر أن جميع العاملين في تهريب البشر “مرتبطون بأعضاء من الجيش الوطني، ويخضعون لضوابطه حتى أن حالات الاعتقال أحياناً تكون لأسباب كيدية بين المهربين”.
وفي تركيا، يعيش اليوم أكثر من ثلاثة ملايين سوري في ظل ضغوط اقتصادية ومعيشية صعبة، ويواجه بعضهم حملات تفتيش مستمرة تستهدف السوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة، حيث يُعتبر وجودهم خارج الولاية المسجلة في هوياتهم مخالفة قد تفضي إلى الترحيل القسري، الذي يتم غالباً بطريقة غير قانونية تشمل الاحتجاز القسري وإجبارهم على التوقيع على وثائق “عودة طوعية” إلى سوريا.