خاص – أحمد قطمة/حلب
في ظلال زيتونة عتيقة في عفرين، يقف “أبو نيشتمان” بعينين مليئتين بالحزن والغضب، يتأمل بساتينه التي كانت يوماً مصدر فخره ورزقه، وتحولت اليوم عبئاً ثقيلاً على كاهله، ليس بسبب قلة الإنتاج أو تقلبات الطقس، بل بسبب الإتاوات الباهظة والنهب المنظم الذي تمارسه الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا.
“كأن الزيتون أصبح لعنة علينا”، كما يقول أبو نيشتمان بمرارة، مضيفاً لـ “963+”: “كنا ننتظر موسم القطاف بفرح، أما الآن فقد أصبح الموسم بلاءً. ففي منطقتنا، يأخذون زيتنا إتاوة، وينظمون ورش قطاف لمسلحي الفصائل، وينهبون ما يتسنى لهم نهبه، وحتى لو رأيتهم بأم العين ينهبون حصادي، فأنا لا أستطع معه شيئاً بكل أسف… وأسى”.
وبحسبه، “فرقة المعتصم” موجودة في منطقته، “وها قد تجاوزنا منتصف تشرين الأول/أكتوبر، وقد أخذوا مني 10 تنكات من الزيت، ولا أعلم قيمة الإتاوة التي علي دفعها، حتى ينتهي الموسم”، مضيفاً: “أستطيع القول إنهم باتوا أغنى من أغنى أغنياء قريتنا”، متكلماً مواربةً عن قيادات الفرقة.
وكانت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها – وبينها فرقة المعتصم – قد احتلت مناطق عدّة في محافظات حلب والرقة والحسكة شمال سوريا، خلال الحرب الأهلية السورية. وعلى الرغم من أن هذه المناطق تعترف اسميًا بحكومة تابعة للمعارضة السورية، فإنها تشكل في الواقع كيانًا سياسيًّا منفصلًا تحت حكم السلطة المزدوجة للمجالس المحلية اللامركزية والإدارة العسكرية التركية.
عفرين جنة الزيتون
قبل أن تدخل عفرين عصر “النهب والاستغلال” كما يسميه أهاليها، كانت تعرف بـ”جنة الزيتون السوري”. يقول المهندس الزراعي حنيف رشيد، المنحدّر من عفرين، والمقيم في ألمانيا لـ”963+”: “مساحة منطقة عفرين 202,775 هكتاراً بحسب إحصائيات دائرة الزراعة عفرين لعام 2011. المساحة المزروعة بأشجار الزيتون 130 ألف هكتار، أي 65% من المساحة الإجمالية لعفرين”.
تعكس هذه الأرقام الأهمية الاستثنائية للزيتون في اقتصاد المنطقة. يضيف رشيد: “هذا يدلّ على أن محصول الزيتون هو العصب الرئيسي لاقتصاد عفرين، حيث يبنى أهالي جبل الكُرد – عفرين – كل خططهم على دخلهم من حصاد الزيتون، كمصاريف الأعراس، بناء المنازل، شراء الآليات، إيفاء الديون”.
يقدّر رشيد حجم إنتاج الزيت في بلدات هذه المنطقة بمتوسط سنوي يبلغ 50 ألف طن. لكن، لم يكن الزيتون المنتج الوحيد في عفرين، إنما كان جزءاً من منظومة اقتصادية متكاملة. فوفقاً للمعلومات المتوافرة، كان يليه إنتاج صابون الغار (30 ألف طن سنوياً). إضافة إلى ذلك، كانت المنطقة تنتج القمح والشعير والحبوب بأنواعها، وكانت كلها تفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي.
وللعلم، تبلغ مساحة المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا 8835 كيلومتراً مربعاً، وتضمّ أكثر من 1000 بلدة، بينها عفرين وتل أبيض ورأس العين والباب وإعزاز ودابق وجرابلس وجنديرس وراجو وشيه/شيخ الحديد. وتم الاستيلاء على أغلبية هذه المناطق بعد طرد مقاتلي تنظيم “داعش”، المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي دول عربية وآسيوية أخرى، وبعد شنّ عمليات عسكرية ضد مناطق “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، إذ تصنف أنقرة “داعش” و”قسد” منظمات إرهابية. وبعدها، نقلت أنقرة “الحكومة السورية المؤقتة” إلى المناطق التي سيطرت عليها، فبدأت في بسط سلطة جزئية هناك، مثل تقديم الوثائق للمواطنين السوريين. منذ أيار/مايو 2017، تعتبر تركيا هذه المناطق “آمنة”.
من العشوائي إلى المنظّم
منذ السيطرة التركية على عفرين شمال حلب في آذار/مارس 2018، شهدت المنطقة تصاعداً مستمراً في قيمة الإتاوات المفروضة على سكانها من الكرد، خصوصاً حين يحلّ موسم الزيتون. ففي السنة الأولى للاحتلال التركي، تراوحت الإتاوات التي فرضتها الفصائل الموالية لأنقرة بين 10 و25% من إنتاج الزيتون.
بمرور السنوات، تطور هذا النظام ليصبح أكثر تعقيداً وقسوة. ففي عام 2023، ارتفعت النسبة لتتراوح بين 20 و40% من الإنتاج، وكانت هذه النسبة مطلوبة من المهجرين والمغتربين. وفي العام الحالي، تتراوح الإتاوات بين 15 و25% من الإنتاج، مع فرض رسم إضافي مقطوع على المعاصر، يصل إلى 250 دولاراً لكل معصرة.
في بداية حقبة الاحتلال، مُنع إخراج الزيت مطلقاً، واشتراه مسلحو الفصائل من طريق وكلاء لهم بأسعار زهيدة، لا تتجاوز 35 دولاراً للعبوة زنة 16 كيلوغراماً، بحسب رشيد، مضيفاً: “لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. ففي بعض المناطق، لجأت الفصائل الموالية لأنقرة إلى فرض رسوم ثابتة على كل شجرة، ومنها ناحية شيه\شيخ الحديد التي يسيطر عليها فصيل “العمشات”.
ويشرح إبراهيم شيخو، وهو محامٍ وناشط حقوقي من عفرين مهجر إلى شمال حلب، هذه المسألة قائلاً: “في شيه/شيخ الحديد، فُرضت في العام الماضي إتاوة بقيمة 15 دولاراً على كل شجرة زيتون في المناطق السهلية، وأكثر من 5 دولارات في المناطق الجبلية. وفي الموسم الجاري، تراوح الإتاوة بين 20 و30 دولاراً على كل شجرة زيتون في المناطق السهلية”.
ويضيف شيخو لـ”963+”: “في القرى الواقعة تحت سيطرة فصيل ’الحمزات‘، ألغيت الوكالات وفُرضت الإتاوات بدلا عنها، حيث يتم رهن الموسم لعامين لنفس الشخص الذي ألغيت وكالته، أو يباع الموسم لشخص آخر مما يجبر الجميع على دفع إتاوات رغماً عنهم”.
أرقام تفوق الخيال
لتقدير حجم الإتاوات المفروضة، يمكن إجراء حساب تقريبي بناءً على وجود نحو 18 مليون شجرة زيتون في عفرين.
إن كانت كل شجرة تنتج نحو 10 كيلوغرامات زيتاً، فإن الإنتاج الإجمالي يقارب 180 مليون كيلوغرام من الزيت. وبناءً على النسب المفروضة (15 إلى 25%)، فإن كمية الزيت المصادرة بوصفها إتاوة مفروضة من الفصائل الموالية لأنقرة تتراوح بين 27 و45 مليون كيلوغرام.
وفي حالة فرض إتاوات ثابتة، مثل 4 دولارات لكل شجرة، فيصل المبلغ الإجمالي المحصل إلى 72 مليون دولار. وفي الحالات الأكثر تطرفاً، حيث تم فرض 20 دولاراً لكل شجرة، فيصل المبلغ الإجمالي إلى 360 مليون دولار.
في هذا الإطار، يقول جلنك عمر، وهو خبير اقتصادي من عفرين مهجر إلى شرق الفرات: “منذ عام 2018، تجبي الفصائل المسلحة سنوياً نحو 100 مليون دولار من موسم الزيتون، سواء بالسرقات أو بالاستيلاء ووضع اليد على حقول الزيتون أو بفرض الإتاوات على الفلاحين والمزارعين الكرد”.
وفي منتصف أيلول/سبتمبر 2024، شهدت قرية كاخرة في ناحية معبطلي أحداثاً دراماتيكية تلخص مأساة المنطقة بأكملها. فقد رفض أهالي القرية دفع إتاوة جديدة فرضتها “فرقة السلطان سليمان شاه”، أي “العمشات”، ووصلت إلى 8 دولارات عن كل شجرة زيتون، بغض النظر عن حجمها أو إنتاجيتها. ويروي شيخو ما حدث: “بعد رفض سكان القرية دفع هذه الإتاوة، تعرضوا للضرب والإهانة في منزل مختار القرية، وتم تحطيم أثاث المنزل. بعدها قام الأهالي، خصوصاً النساء، بالاحتجاج أمام مقر الفصيل في القرية رفضاً لدفع الإتاوات، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين الذين تعرضوا للضرب والتعذيب على يد عناصر الفصيل”.
كانت النتيجة مأساوية. يقول شيخو: “تعرضت 8 نساء للضرب والإهانة، وأصيب 12 طفلاً بإصابات بليغة”.
لاحتواء الموقف، لجأت “العمشات” إلى عزل القرية وتطويقها، وفرضت على سكانها حظراً للتجول، مانعة تواصلهم مع العالم الخارجي، ثم بدأت بالترويج لرواية مختلفة، مدعية وجود مشاجرة بين عائلتين، الأولى كردية من القرية والثانية مستوطنة، ونشرت مقطعين مصورين: يُظهر الأول زيارة “الشرطة العسكرية” منزل المسنة الكردية نازلية شيخ خليل التي تم تداول خبر مقتلها، في محاولة للطعن في صدقية الأخبار الواردة من القرية؛ ويظهر الثاني “مسرحية” في مكتب أحد متزعمي الفصيل، زعم فيها القيام بجهود وساطة بين العائلتين المتشاجرتين. إلا أن الحقيقة كانت أقوى من محاولات التعتيم، إذ تسربت صور النساء المصابات في الاعتداء إلى مواقع الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي.
وكانت انتهاكات القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لأنقرة في المناطق التي تسيطر عليها بالشمال السوري موضع استنكار من المنظمات الحقوقية في العالم. ففي تقرير أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية في شباط/فبراير 2024، قالت إن تركيا تتحمل مسؤولية الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة التي يرتكبها عناصر قواتها والجماعات المسلحة المحلية التي تدعمها في الأراضي التي تحتلها في شمال سوريا. وتضيف: “تحمّل السكان الأكراد وطأة الانتهاكات لأنه ينظر إليهم بسبب علاقاتهم المفترضة مع القوات التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على مساحات شاسعة من شمال شرق سوريا”.
تدمير منهجي للاقتصاد المحلي
يتجاوز الضرر الناجم عن تلك الممارسات كثيراً خسارة موسم الزيتون. فقد أدت هذه السياسات إلى تدمير منظومة اقتصادية متكاملة كانت قائمة في عفرين.
يقول رشيد: “قبل الاحتلال التركي، كان عدد المعاصر 250 معصرة، منها 158 معصرة طرازها قديم، و92 معصرة حديثة فنية. بعد الاحتلال، تمت سرقة الآلات من 45 معصرة كلياً، وتم تعطيل 49 معصرة نتيجة سرقة بعض آلاتها، علماً أن أسعار آلات المعاصر القديمة تتراوح بين 3 و5 ملايين دولار وقتها، والفنية أكثر من 10 ملايين دولار، وتعمل كلها اليوم تحت إشراف مسلحي الفصائل الموالية لأنقرة”.
ويتابع: “الفئة الثانية المتضررة من الاحتلال التركي هي فئة أصحاب معامل البيرين، وكان عددها 18 معملاً قبل الاحتلال، ولم يبق منها سوى 11 معملاً، وبالتالي تضرر أصحاب معامل الصابون أيضاً فتوقف إنتاجهم للصابون”.
وحتى الصناعات الثانوية لم تسلم من هذا الدمار. يقول رشيد: “ثمة صناعة أخرى كانت ناشئة في عفرين، وهي صناعة فحم النارجيلة من تفل معامل البيرين، وكان هذا الفحم الصناعي يُصدر إلى العراق، وقد توقف التصنيع والتصدير”.
تغيير ديموغرافي وتهجير قسري
يرى شيخو أن الهدف من هذه السياسات “يتجاوز النهب الاقتصادي، فهي تشكل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة، إذ تمارس الفصائل الموالية لأنقرة انتهاكاتها التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تطهير المنطقة عرقياً من شعبها الكردي، فتحقق تركيا تغييراً ديموغرافياً في المنطقة”.
ولم تقتصر الأضرار على الجانب الاقتصادي والديموغرافي فحسب، بل امتدت لتشمل البيئة والتراث الزراعي للمنطقة، حيث يقول رشيد: “بالنسبة إلى قطع الأشجار، لا إحصائيات دقيقة، وأعتقد أن هناك أكثر من مليوني شجرة زيتون تضررت، بين قطع كلي أو جزئي أو قلع من الجذور”.
كذلك، تغيرت الممارسات الزراعية بشكل كبير. يقول رشيد: “نتيجة السرقات ليلاً، يعمل المزارعون على التبكير بالقطاف، وهذا يؤدي الى تدني الإنتاج”، لافتاً إلى أن زيت الزيتون في عفرين كان يتميز بجودته العالية. يقول: “لا ترش أشجار الزيتون في منطقتنا بالمبيدات الكيماوية، وبالتالي الزيت خالي من الأثر الكيميائي، خلافاً للزيت التركي، وهذه ميزة فريدة باتت مهددة الآن بسبب الممارسات الزراعية الجديدة”.
آثار نفسية وإثنية
ثمة وجه آخر لهذه المأساة. يقول السياسي السوري المعارض فراس قصاص: “لفرض الإتاوات على الكرد في مناطقهم التي تحتلها تركيا آثار نفسية جمعية مريعة على مجمل المجتمع السوري، حيث يخدش فرض الإتاوات الوعي العام السوري الضعيف أصلاً بالمواطنة، فيضعفه أكثر فأكثر، ويعوق تعافيه واكتماله ونضجه”.
ويضيف قصاص لـ”963+”: “إن ممارسات الفصائل الموالية لأنقرة تُخرج السوري عن وعيه بالانتماء إلى دولة حديثة، ينظم فيها القانون علاقتها بمواطنيها، فيصير المواطن فريسة لقوى تمارس العنف والاعتداء على أموال ومقدرات المجتمع تبعاً لخطوط إجرامية وعنصرية”، مشيراً إلى أن هذه الممارسات الشاذة تعمّق الانقسام الإثني في سوريا. يقول: “تتعزز عملية تعميق الخنادق النفسية التي نحتتها سياسات الاستبداد البعثي طوال عقود بين المكونات السورية، كونها تصدر موضوعياً عن مكون إثني بعينه، وهو المكون العربي الذي تنتمي إليه غالبية تلك الفصائل، وتستهدف مكوناً إثنياً آخر على نحو التحديد، هو المكون الكردي ابن الأرض وساكنها الأصيل الذي يتعرض لتلك الانتهاكات”.
ووثّق تقرير صادر عن “هيومن رايتس ووتش”، وهو بعنوان “’كل شي بقوة السلاح‘: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا”، عمليات اختطاف واعتقال تعسفي واحتجاز غير قانوني وعنف جنسي وتعذيب نفذتها فصائل ما يعرف بـ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وكذلك “الشرطة العسكرية”، وهي قوة أنشأتها “الحكومة السورية المؤقتة” والسلطات التركية في عام 2018، ظاهرياً للحد من الانتهاكات.
ورغم فداحة هذه الانتهاكات، يبدو أن الطريق نحو العدالة طويل وشاق. ويشرح شيخو الصعوبات التي يواجهها الضحايا في سعيهم للحصول على حقوقهم: “هناك تعقيدات كثيرة، خصوصاً أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها، حيث يطلبون تسجيل دعاوى أمام محاكم الدرجة الأولى، سواء في تركيا أو في سوريا، وهذا صعب لأن الجهة المنتهكة تدعمها تركيا، ولا يمكن تركيا أن تقبل بمثل هذه الدعاوى، ولا يتجرأ أحد على أن يُقدم على شيء في هذا السبيل”.
مستقبل غامض وآمال معلّقة
يقول عمر: “ليس الزيتون إلا مثالاً.. فما يحصل في موسم حصاده يحصل أيضاً في المواسم الزراعية الأخرى، مثل السماق والكرمة (أو العنب) والرمان، فعفرين منطقة مستباحة تماماً”.
وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية، يوجّه الناشطون والحقوقيون نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي للتدخل ووقف هذه الانتهاكات. يقول شيخو: “على المجتمع الدولي أن يبذل قدر المستطاع للحد من الانتهاكات، وتسهيل إجراءات فتح الدعاوى أمام المتضررين ضد المنتهكين أمام المحاكم الدولية”.
ويضيف قصاص: “لا شك في أن مواجهة هذه الخطوات بشكل ناجع أمر بالغ الصعوبة، فمن يتعرض للانتهاكات يعيش تحت وطأة هيمنة تعسفي لفصائل مسلحة تابعة لدولة أخرى هي من تشرف على هذا النهب المنظم لمصلحتها من خلال فرض هذه الإتاوات، ولا يمكن أن وقف الممارسات إلا بإطاحة سلطة هؤلاء المسلحين وتحرير المنطقة من الاحتلال التركي”.
ووجدت “هيومن رايتس ووتش” أن القوات المسلحة والاستخبارات التركية متورطة في تنفيذ الانتهاكات والإشراف عليها. وقد وثّقت أيضا انتهاكات الحق في السكن والأراضي والملكية، بما فيها عمليات النهب والسلب الواسعة، فضلاً عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، وفشل محاولات المساءلة في الحد من الانتهاكات أو تقديم تعويضات للضحايا.
لكن، حتى الآن، يبدو أن لا ضوء في آخر النفق، ولا نهاية لهذه الكارثة الإنسانية والاقتصادية. فبينما تستمر أشجار الزيتون في عفرين بإنتاج ثمارها الذهبية، يبقى أصحابها الأصليون محاصرين بين مطرقة الاحتلال وسندان الفقر والتهجير، في انتظار عدالة تبدو، حتى اللحظة، بعيدة المنال.
وكما يقول “أبو نيشتمان” بحسرة: “كأن النزوح أصبح قدراً لا مفرّ منه”… كلمات تلخص مأساة شعب بأكمله، يجد نفسه مرة أخرى ضحية صراعاتٍ لم يختر التورّط فيها، وسياسات لا تراعي حقوقه الأساسية في العيش بكرامة على أرضه.