بيروت
تحاول فرنسا إيجاد حلّ ديبلوماسي للحرب بين إسرائيل و”حزب الله” في لبنان، من دون أن تنجح في ذلك بعد، كما لم تؤد مساعيها منذ عامين إلى إخراج البلاد من مأزق الشغور في منصب رئيس للجمهورية.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، قال مبعوث الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان، الذي سيشارك في مؤتمر دولي حول لبنان الخميس في باريس: “لبنان يواجه خطر الموت والتفكّك”، علماً أن فرنسا لم تتمكّن من تحقيق أي اختراق على خط أزمات البلد الذي يعاني انقسامات سياسية وطائفية عميقة، حالت دون انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من شغور المنصب منذ عامين.
وبدأ الشغور إثر انتهاء عهد الرئيس ميشال عون في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2022، تزامناً مع غرق البلاد في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أثرت بنحو كبير على السكان الذين ثاروا على فساد الطبقة السياسية، لكن شيئاً لم يتغير في المشهد السياسي.
ومنذ عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حزيران/يونيو 2023 مبعوثا خاصا الى لبنان، سافر لودريان إلى بيروت من دون أن تثمر جهوده في إقناع القوى السياسية بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، فيما تهدّد الحرب بين “حزب الله” المدعوم من إيران وإسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، سيادة هذا البلد الصغير.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الثلاثاء أن “لبنان يجب أن يتمكن من استعادة السيطرة على مصيره”.
متعددة الجنسيات بالجنوب
تطرح فرنسا فكرة نشر قوات متعدّدة الجنسيات في جنوب لبنان إلى جانب الجيش، في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
وكانت اسرائيل قد صعّدت منذ 23 أيلول/سبتمبر غاراتها الجوية على “حزب الله” في الضاحية الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، ثم بدأت عمليات توغّل برّي في الجنوب.
وقال ديبلوماسي فضل عدم الكشف عن هويته لصحيفة “لوريان لو جور” اللبنانية الناطقة بالفرنسية: “يجب التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وبقوة فصل تحظى بثقة الجانبين، وقد يتم هذا الأمر من خلال الجيش اللبناني وقوات دولية”، في إشارة الى قوات خارج إطار اليونيفيل، علماً أن 9500 جندي أممي ينتشرون في جنوب لبنان حالياً إلى جانب الجيش اللبناني. واتهمت اليونيفيل في الآونة الأخيرة القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على مواقع لها في جنوب لبنان.
وقال المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين الاثنين، خلال زيارة لبيروت، إن الالتزام العلني بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 “ليس كافياً لوقف الصراع بين حزب الله واسرائيل، فهذا القرار هو قاعدة أي حلّ، مع الشيء الإضافي الذي يمكن القيام به للتأكد من تطبيقه بطريقة عادلو وشفافة”.
ويعود القرار 1701 إلى عام 2006، وهو ما أوقف الأعمال الحربية بين إسرائيل و”حزب الله” بعد الحرب المعروفة باسم “حرب تموز” ويتحدث مسؤولون ووسائل إعلام محلية عن اقتراحات ينقلها ديبلوماسيون إلى لبنان من أجل إجراء تعديلات أو إضافات على القرار 1701.
وقال الديبلوماسي إن الدفع نحو تطبيق القرار ’1701 بلاس‘ (أي 1701 مع إضافة) هو انعكاس لحقيقة مفادها أن أيا من الجانبين لم ينفّذ من قبل القرار 1701.
إسرائيل مستعدة
وفي ظل الفشل الديبلوماسي الفرنسي والسعي إلى تنفيذ القرار الأممي 1701 معدلاً، أكد مصدر أمني إسرائيلي الأربعاء أن الجيش جاهز “لما لا يقل عن أشهر” للقتال في قطاع غزة ولبنان، بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب، قائلاً: “نحن مستعدون لعدة أشهر وسنبقى طالما كان ذلك ضروريا لضمان أمننا”، في إشارة إلى العمليات العسكرية المستمرة في قطاع غزة ولبنان والرد المحتمل على الهجوم الإيراني الذي نفذته الجمهورية الإسلامية في الأول من أكتوبر الجاري.
ونقلت “فرانس برس” عن المصدر نفسه قوله إن إسرائيل لا تشن “حرباً على غزة ولا حرباً على لبنان، بل تحارب إيران بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر في أحيان أخرى عبر حلفاء إيران”، مضيفاً أن الدولة العبرية نجحت في القضاء على كامل التسلسل القيادي لحركتي “حماس” الفلسطينية و”حزب الله” اللبناني، فضلا عن تفكيك “جزء كبير من قدراتهما العسكرية”.
في شمالي إسرائيل يتواصل تبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي إذ تتعرض المنطقة لإطلاق صواريخ ومسيرات فيما يكثف الجنود عملياتهم داخل الأراضي اللبنانية. وفي غزة يشن الجيش منذ مطلع الشهر الجاري هجوما واسعا في شمال القطاع المحاصر مخلفا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
وقتل منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 29 جنديا إسرائيليا في معارك مع “حزب الله”، فيما قتل في قطاع غزة 358 جندياً.
نعي صفي الدين
من جانبه، نعى “حزب الله” اليوم الأربعاء رئيس مجلسه التنفيذي هاشم صفي الدين، الذي كان المرشح الأبرز لتولي منصب الأمين العام خلفاً لحسن نصرالله، مؤكدا أنه قضى مع عدد من “إخوانه المجاهدين” كمما جاء في البيان، في غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت مطلع تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
وأضاف البيان أن صفي الدين قدّم “جلّ حياته في خدمة حزب الله والمقاومة الإسلامية ومجتمعها وأدار على مدى سنوات طويلة من عمره الشريف بمسؤولية واقتدار المجلس التنفيذي ومؤسساته المختلفة”.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أكد ليل الثلاثاء “القضاء” على صفي الدين في غارة جوية “قبل ثلاثة أسابيع”. وقال المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي في منشور عبر منصة اكس: “يمكن الآن تأكيد خبر قيام الجيش قبل ثلاثة أسابيع بالقضاء على هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله”، مشيرا الى أن الضربة أدت إلى مقتل “علي حسين هزيمة، قائد ركن الاستخبارات في حزب الله، إلى جانب قادة آخرين من التنظيم”.
وكان مصدر رفيع في حزب الله أفاد وكالة “فرانس برس” في 5 تشرين الأول/أكتوبر بأن الاتصال “مقطوع” مع صفي الدين منذ سلسلة غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبعد مقتل نصرالله بغارات إسرائيلية على الضاحية في 27 أيلول/سبتمبر، تردد اسم صفي الدين كمرشح أبرز لخلافته بسبب علاقته الوثيقة بإيران وقربه الشخصي والحزبي من نصرالله، وموقعه على رأس المجلس التنفيذي المشرف على الهيكلية التنظيمية للحزب.
أكمل صفي الدين، الذي كان يبلغ الستين من العمر، دراساته الدينية في مدينة قم الإيرانية، وابنه متزوج من زينب سليماني، ابنة قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني الذي قتل بضربة أميركية في بغداد في عام 2020. ويتولى شقيقه عبدالله مسؤولية مكتب حزب الله في إيران. ويعد صفي الدين من الرعيل المؤسس لحزب الله في عام 1982، وقد ترأس المجلس التنفيذي منذ 1994.
ولم يعلن “حزب الله” بعد انتخاب خلف لنصرالله. وأكد نائب الأمين العام نعيم قاسم في 8 أكتوبر أن الأمر سيتم “وفق الآليات التنظيمية وسنعلن عن ذلك عند الانجاز”، مشددا على أن الحزب تخطى “الضربات الموجعة” وملأ كل المواقع القيادية الشاغرة.