خاص ـ دير الزور
كشف ضابط في القوات الحكومية السورية من داخل مطار الحمدان، في دير الزور على الحدود السورية العراقية، لموقع “963+”، اليوم الثلاثاء، عن أن روسيا تضغط على دمشق لإخراج “الحرس الثوري” الإيراني، من المطار .
ويعكس هذا التحرك ديناميات متوترة في العلاقات الروسية-الإيرانية، حيث تضغط موسكو إلى تقليص نفوذ طهران في سوريا لتحقيق أهداف استراتيجية متعددة.
وأفاد ضابط في القوات الحكومية السورية من داخل مطار الحمدان، في البوكمال بدير الزور، لموقع “963+”، أن “الضغط الروسي على دمشق لإخراج الحرس الثوري من مطار الحمدان، يهدف إلى تمكين الحكومة من تقليل اعتمادها على إيران، وبالتالي تعزيز سيادتها على المواقع الاستراتيجية”.
ويُعتبر مطار الحمدان قاعدة عسكرية مهمة تسيطر عليها قوات الحرس الثوري الإيراني، حيث تم استخدامه كنقطة انطلاق لنقل التعزيزات العسكرية والإمدادات إلى الفصائل الموالية لطهران في المنطقة. وقد زادت أهمية المطار إثر تصاعد الأنشطة العسكرية الإيرانية، مما أثار قلق موسكو، التي تسعى إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، بحسب المصدر ذاته.
ويعتقد الضابط أن “الضغوط الروسية على القوات الحكومية للسيطرة على المطار، هي خطوة لتعزيز موقف دمشق، وتقليل الاعتماد على القوى الإيرانية”.
وقد عقدت القوات الحكومية بمشاركة ضباط روس اجتماعاً موسعاً أمس الاثنين، في دير الزور، ركز على خطة “لإخراج الحرس الثوري الإيراني من مطار الحمدان”، بسحب المصدر.
وتسربت نتائج الاجتماع إلى قادة طهران، ما أثار غضبهم ودفعهم إلى إرسال تعزيزات عسكرية من ريف حمص ومدينة الميادين إلى المطار.
كما أصدرت القيادة الإيرانية، بحسب الضابط في القوات الحكومية، “أوامر بإخراج المسلحين المحليين من القاعدة خشية وقوع خيانة أو تصعيد داخلي”.
وبالتزامن مع ذلك، بدأت إجراءات تحصين مكثفة، تضمنت حفر خنادق وبناء أنفاق، استعداداً لأي ضربات جوية محتملة، في ظل تصاعد التوتر بين الأطراف المتنازعة.
التوتر الروسي-الإيراني
التوتر بين روسيا وإيران لم يتوقف عند مطار الحمدان، بل سبقه تحركات قريبة من مطار دير الزور العسكري، قبل أيام.
ووفقاً لمصادر محلية، طالب ضباط روس الفصائل الإيرانية بإخلاء مواقع حساسة، مثل مبنى التنمية في حي هرابش وعدد من المقرات في حي الموظفين وشارع بورسعيد، ونقلها إلى مناطق أقل أهمية مثل جبل ثردة وبادية دير الزور.
ويرى محللون أن روسيا تهدف من خلال هذه التحركات إلى “إعادة ترتيب الخارطة العسكرية في شرقي سوريا، وتقليل احتمالية تعرض قواتها ومواقع قوات الحكومة لضربات إسرائيلية أو هجمات من التحالف الدولي، الذي كثف عملياته ضد الفصائل المدعومة من إيران”.
تقليص النفوذ الإيراني لمصلحة الاستقرار الروسي
تحاول روسيا الحد من نشاط الفصائل الإيرانية و”حزب الله” في سوريا لأسباب سياسية وعسكرية. إذ ترى موسكو أن وجود هذه الفصائل يزيد من احتمالية التصعيد مع إسرائيل، التي استمرت في شن ضربات جوية على المواقع الإيرانية داخل سوريا.
ويأتي ذلك في سياق اتفاق غير معلن بين روسيا وإسرائيل يسمح للأخيرة بمواصلة عملياتها لضمان أمنها القومي، ما يحد من التحركات الإيرانية بالقرب من الجولان، بحسب ما بحسب تقرير نشر في معهد واشنطن للدراسات.
التوتر بين روسيا وإيران تسبب في تآكل الثقة بين الطرفين. وفي رد فعل واضح، نفذ “الحرس الثوري” الإيراني حملات اعتقالات داخلية للتحقيق في احتمال وجود تسريبات من داخل صفوفه. كما بدأت بعض الفصائل، مثل “حزب الله”، نقل عائلات عناصرها إلى العراق، تجنباً لأي تصعيد كبير.
روسيا وإيران على مفترق طرق
التوتر الروسي-الإيراني في سوريا ليس مجرد خلاف عابر، بل هو جزء من صراع أكبر على النفوذ الإقليمي. ورغم أنهما تعاونتا في الدفاع عن الحكومة السورية، فإن المصالح المتباينة بينهما باتت تفرض تحديات جديدة على هذا التحالف.
فموسكو تريد احتكار القرار العسكري في سوريا، خاصة في المناطق الاستراتيجية مثل دير الزور، بينما تسعى إيران إلى تثبيت وجود طويل الأمد من خلال شبكات محلية شبيهة بنموذج “حزب الله” في لبنان، بحسب تقارير صحفية.
ويتداخل المشهد السوري مع التوترات الإقليمية الأوسع، خاصة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. ووفقًا لتقارير إسرائيلية، فإن موسكو وتل أبيب اتفقتا منذ 2018 على ضرورة إبقاء القوات الإيرانية بعيدة عن الحدود الشمالية لإسرائيل، وهو ما يعكس التعاون الضمني بين روسيا وإسرائيل في سوريا.
على الصعيد السياسي، كانت روسيا قد استبعدت إيران من اجتماعات مؤتمر أستانا في عدة مناسبات، وصرح مسؤولون روس بأن العلاقة مع طهران ليست تحالفاً حقيقياً، بل هي “تعاون مصلحي فرضته الظروف”. في المقابل، يتهم مسؤولون إيرانيون موسكو “بالتواطؤ مع إسرائيل ضد مصالح طهران، مشيرين إلى تسريبات استخباراتية ساهمت في استهداف قادة إيرانيين في سوريا”.
وتدرك إيران أن تراجعها في سوريا سيؤثر سلباً على نفوذها في المنطقة، وخاصة في لبنان والعراق. لذلك، تسعى إلى التمسك بمواقعها الحالية مهما كانت الضغوط.
نحو تصعيد أم تفاهمات جديدة؟
يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح روسيا وإيران في إدارة خلافاتهما والتوصل إلى تفاهمات جديدة في سوريا؟ أم أن صراع النفوذ في دير الزور سيقود إلى تصعيد أكبر يعيد رسم خارطة النفوذ في البلاد؟
الأيام القادمة قد تشهد تصعيداً عسكرياً جديداً، خاصة مع استمرار الضربات الإسرائيلية وتصاعد الضغوط الدولية. وفي هذا السياق، يبقى التنسيق بين موسكو وطهران معقداً، وسط مؤشرات على إعادة تشكيل التحالفات داخل سوريا بما قد يغير موازين القوى في المنطقة بشكل جذري.