وصل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، بعد ليلة من نار، وجّهت فيها إسرائيل ضربات جوية عنيفة، حيث استهدفت فروع “القرض الحسن” التي تعتبر مالية “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، وبعلبك والبقاع والهرمل شرق لبنان وصيدا جنوبه. بعد تحذيرات لسكان 22 منطقة في لبنان.
وسبق زيارة هوكشتاين، وثيقة تحدث عنها موقع “أكسيوس” الأميركي حيث نقل عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن تل أبيب قدمت لواشنطن وثيقة خلال الأسبوع الماضي بشأن شروطها للتوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الحرب في لبنان.
محاصرة الحراك الديبلوماسي
قال المحلل السياسي اللبناني حنا صالح لـ “963+”: إن “العدو الإسرائيلي حاصر زيارة هوكشتاين بالنار والشروط، وتشترك طهران في فرض هذا الحصار الناري بعدما تولت زمام قيادة حزب الله وسطت علانية على قرار الحرب. ويدفع لبنان من دم أبنائه وعمرانه أثماناً باهظة لا قدرة له على تحملها، وهي أثمان تتفاقم مع انعدام أي مبادرة لبنانية تضع لبنان على طريق الخلاص”.
وأضاف أن ثنائي الواجهة، بري ونجيب ميقاتي، “يمعنان في أداء خطير ما يوحي بأنه لا يرى حجم الكارثة المتدحرجة التي تخنق لبنان وشعبه”.
وما التصعيد الإسرائيلي الخطير في آخر 48 ساعة وبينها تدمير مبانٍ ومقار لمؤسسة “القرض الحسن” إلاّ المؤشر عن ذهاب “العدو” إلى الحد الأقصى في تطبيق “عقيدة الضاحية” التي تفرض عقابياً جماعياً على اللبنانيين، بحسب صالح.
وأشار إلى أنه بتدمير هذه المؤسسة وقبلها خزينة “حزب الله”، فإن خسائر جسيمة لحقت بعشرات آلاف الأسر، كما أن ضرراً كبيراً أصاب كل “الاقتصاد الموازي” الذي أقامه “حزب الله” وتغول على اقتصاد البلد.
وقال المحلل السياسي: إن “لبنان الآن في قلب حرب إسرائيلية إيرانية، مرجح لها أن تتصاعد أكثر وأن تتسع أكثر خصوصاً مع اتجاه تل أبيب إلى توجيه ضربة عسكرية كبيرة لإيران، قد تستجلب رداً إيرانياً فإسرائيلياً”.
وتوقع أن “هذه الحرب ستتصاعد حتى موعد الانتخابات الأميركية بعد نحو أسبوعين”، والتي يريد منها بنيامين نتنياهو خلق وقائع على الأرض تضع الرئاسة الأميركية، أياً كان الفائز دونالد ترمب أو كامالا هاريس، أمام معطيات جديدة ومغايرة.
وبهذا السياق فإن الشروط التي قيل أن إسرائيل أبلغتها إلى الموفد الأميركي مقابل وقف النار، وهي “استباحة البلد، بجنوبه وكل الأجواء، ليست إلاّ أول غيث التطرف الصهيوني، وبالطبع لا تساعد على الحل”، وفق ما رأى حنا صالح. محملاً الطبقة السياسية مسؤولية ما يجري في لبنان، خاصة أنهم “تعاموا عن الجريمة بحق لبنان التي ارتكبت يوم 8 تشرين أول/أكتوبر 2023 والمستمرة”.
وبحسب مسؤول إسرائيلي فأن أحد مطالب إسرائيل هو السماح لجيشها بتنفيذ إنفاذ فعّال -أي حرية العمل العسكري- للتأكد من عدم إعادة تسليح “حزب الله” وإعادة بناء بنيته التحتية العسكرية في المناطق الجنوبية اللبنانية قرب الحدود. كما تطالب بحرية عمل قواتها الجوية في المجال الجوي اللبناني، حسب المسؤول، لكن هذين الطلبين يتعارضان مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي ينص على أن يفرض الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”.
القرار 1701 غير كافٍ
كان المبعوث الأميركي قد وصل إلى لبنان في زيارة رسميّة لمناقشة أمور الحرب والتفاوض حول وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، عشية إعلان قوات “اليونيفيل”، عن أن جرافة إسرائيلية “هدمت عمداً” برج مراقبة وسياجاً محيطاً بموقع للأمم المتحدة ببلدة مروحين جنوبي لبنان أمس الأحد. واعتبرت ذلك خرقاً صارخاً للقانون الدولي وقرار مجلس الأمن 1701.
في الأثناء، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين، تأكيدهم على أنه “لا يمكن أن تكون اليونيفيل القوة الوحيدة الموجودة في جنوب لبنان”. مضيفةً: أن “إسرائيل مستعدة لأن تكون اليونيفيل جزءً من تسوية سياسية في لبنان”.
وعقب لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، قال هوكشتاين: “لا أتحدث عن تعديل للقرار 1701، وستكون لنا محادثات بناءة مع لبنان وإسرائيل لوضع أفضل الطرق لوقف النزاع، ولكن الـ 1701 كالتزام عام وعلني لا يكفي وعلينا أن نضع النقاط التي ستضمن تطبيقه من جانب الجميع”.
ورأى المبعوث الأميركي أن “الوضع في لبنان خرج عن السيطرة”، مشدداً على أن “ربط مستقبل البلاد بالنزاعات ليس في مصلحة اللبنانيين”. واعتبر أن عدم تطبيق القرار 1701 هو السبب وراء احتدام واستمرار النزاع، مضيفاً أن “المجتمع الدولي ملتزم بإعادة الإعمار ودعم الجيش اللبناني”.
من جانبه، علّق بري، الذي كُلف من قبل “حزب الله” بالتفاوض في إطار مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار مع إسرائيل، على اللقاء بالقول إن “العبرة في النتائج”.
“الأخ الأكبر” بحسب ما وصفه “حزب الله” في أحد خطاباته، قال في تصريحات نقلتها قناة “العربية” إن زيارة هوكشتاين تعد الفرصة الأخيرة للولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية، وتمسك بالقرار 1701 ورفض أي تعديل عليه.
“محور المقاومة” يخوض “حرب بقاء”
رأى الصحافي اللبناني أن “ما تندفع لتحقيقه تل أبيب الآن هو رسم حدود الأدوار ومواقع الأطراف، وقد تفرض إعادة نظر بالخرائط، في حين أن محور الممانعة بقيادة رأسه طهران يخوض حرب البقاء لا أكثر”.
وأضاف: “على الأرجح فإن طهران التي تبجحت طويلاً بالسيطرة على أربع عواصم عربية، تخوض الآن معركة الحد من خسائرها إن استطاعت، والأمر المخيف والذي يدعو للقلق أنها تخوضها بدماء اللبنانيين وأرواحهم”.
وفي الوقت ذاته، تنظر بقلق كبير إلى خطوات “النظام السوري” لتحييد الأرض السورية وتقييد حركة الفصائل الإيرانية في سوريا، وتدرك جيداً محدودية قدرة الفصائل العراقية التابعة لها مع إعتزام الحكومة العراقية الإمساك بقرار الحرب والسلم، و”تعرف أن زمن القرصنة الحوثية إلى أفول”، وفق قول صالح.
في مسألة وقف الحرب في لبنان، لا يمكن فصل سوريا عن المشهد، خاصةً أن يد إيران ممتدة من طهران إلى ضاحية بيروت الجنوبية، رغم محاولات دمشق التخلص منها وعدم الاستجابة لرغبات إيران.
وشهدت جارتي لبنان حراك ديبلوماسي، حين زار رئيس حكومة تصريف الأعمال المملكة الأردنية. وتبعها إرسال الأردن لوزير خارجيته إلى دمشق حيث التقى الأحد، الرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الخارجية بسام الصباغ، في زيارة عنوانها العريض “معالجة ملف اللاجئين”.
لكن، المحلل الأردني عدنان السواعير، يرى أن الزيارة كان في وقت تحاول فيه دمشق الخلاص من مظلة إيران، وجاءت لتطوير العلاقات العربية العربية، دون السماح لأطراف أخرى بالتدخل بين الدولتين.
وأضاف لـ “963+” أن الأردن يرى استقرار سوريا لا ينفصل عن الاستقرار في المملكة، وتنظر عمان إلى أن ما جرى من اضطرابات الحدود تقف ورائه أطراف أخرى دون أن يكون لدمشق دور في ذلك. لذا يحاول الأردن تطوير العلاقات السياسية في الفترة الحالية، وفصل ذلك عن الإشكالات الأمنية على الحدود الجنوبية.
وتسببت تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن بأزمة سياسية بين البلدين، عقب ضرب سلاح الجو الأردني لمهربي مخدرات داخل الأراضي السورية، وكانت عمان تتهم أطراف إقليمية في إشارة إلى إيران بالضلوع في مسألة التهريب.
حراك دولي
عقب وصول آموس هوكشتاين، وصل الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، اليوم الاثنين، إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت على رأس وفد من الجامعة العربية، ولتقى خلال الزيارة عدد من المسؤولين اللبنانيين.
ومن بيروت، دعا إسرائيل إلى الانسحاب على الفور من أي أرض لبنانية احتلتها أو توغلت فيها، وقال للصحفيين: “نرى أن القرار 1701 هو قرار محوري وينبغي تنفيذه حرفياً وفي أسرع وقت ممكن”.
والتقى أبو الغيظ أيضاً رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وأكد له على أولويات محددة للجامعة العربية من بينها الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في لبنان. مشدداً على أن أي تدخلات على الأراضي اللبنانية “يعد أمراً غير مقبول”. واعتبر أن “الصمت على تكرار سيناريو غزة في لبنان هو اشتراك في الجريمة”.
فيما دعا الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الاثنين أيضاً، إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة. وأكد خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أن الأمم المتحدة يجب أن تمارس “دورها كاملاً” في جنوب لبنان، لإفساح المجال أمام عودة السكان المدنيين.
وطلب ماكرون من نتنياهو “الحفاظ على البنية التحتية وحماية السكان المدنيين والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن” في لبنان.
في حين، أعلنت الخارجية الأميركية، عن أن بلينكن سيتوجه الاثنين، إلى “إسرائيل” ودول أخرى بالمنطقة لبحث أهمية إنهاء الحرب وإطلاق الرهائن، مشيرةً إلى أنه سيناقش الحاجة إلى التوصل إلى حل دبلوماسي بين إسرائيل و”حزب الله”.