خاص – حسن العلي / دير الزور
سناء العلي، ثلاثينية نشأت في مجتمع عشائري محافظ في قرية بريف دير الزور الغربي، واجهت تحديات كبيرة بسبب جنسها، “فالمرأة في مجتمعي تخضع لسلطة الرجل، ولا تجرؤ على المطالبة بحقوقها، لكنني لم أكن مستعدة لقبول هذا الواقع، فقررت أن أناضل من أجل حقي في التعليم والعمل. وبفضل إصراري ومثابرتي، تمكنت من إكمال تعليمي الثانوي والالتحاق بالجامعة”.
بعد تخرجها، كانت العلي راغبة في تحقيق استقلاليتها. تقول لـ”963+”: “رغم معارضة مجتمعي العشائري الشديدة، وجدت عملاً في التدريس، مكّنني من الاعتماد على نفسي مادياً وتعزيز استقلاليتي. اليوم، أفخر بنفسي وبقدرتي على الصمود في وجه القيود العشائرية وتحقيق نجاحي المهني. كما أسعى إلى دعم المرأة في مجتمعي، والمساهمة في تحريرها من قيود الماضي، وأنصح النساء في المجتمعات العشائرية بعدم الاستسلام للواقع. وأقول لهن: تعلّمن، فالتعليم هو السلاح الأقوى، يساعدكن في نيل حقكن بالمساواة مع الرجل”.
الاستقلال بالمهارات
تُظهر التجارب النسائية الناجحة في دير الزور أن الإرادة القوية والتحدي يحدثان فرقًا كبيرًا، حيث بدأت نساء في تحقيق إنجازات ملحوظة في مجالات عدة: الأعمال اليدوية، والزراعة، والخدمات. مع ذلك، ما زالت الحاجة ماسة إلى دعم أكبر من المجتمع المحلي والجهات المعنية لتعزيز حقوق المرأة وتمكينها.
تقول سميرة الحسن، من ريف دير الزور الشرقي، لـ”963+”: “منذ الصغر، قيل لي إن المرأة خُلِقت للزواج والمنزل، عليها أن تخضع لسلطة الرجل، الأب فالأخ فالزوج. كبرت، فبدأت أشعر بأنني لا أستطيع تحمّل هذا الواقع، فقررت البحث عن فرصة عمل لأعيل نفسي وعائلتي الفقيرة. كان هذا تحديًا كبيرًا في ظل المعايير العشائرية المتشددة”.
لم تستسلم سميرة. تدرّبت على مهارات الخياطة والتفصيل، وأنشأت ورشة خياطة صغيرة في منزلها، رغم معارضة عائلتها وأفراد عشيرتها، “لكن بجهودي المتواصلة وإصراري على النجاح، نجحت في تطوير ورشتي وتوسيع نطاق عملي، حتى صارت مقصدًا لنساء بلدتي والمناطق المجاورة، يبحثن عن خدمات خياطة وتفصيل ذات جودة عالية”.
وهذه عليا النجم، نشأت هي الأخرى في مجتمع عشائري محافظ في قرية الكسرة بريف دير الزور الغربي، وكبرت وهي تواجه تحديات وصعوبات كبيرة، “فالمرأة في مجتمعي أداة في يد الرجل، تنفذ ما يطلبه منها”، كما تقول، مضيفةً لـ”963+” أنها بدأت في البحث عن عمل بعد سنوات من حكم تنظيم “داعش”، المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي دول عربية وآسيوية أخرى، وخوض معركة من أجل حريتها وحقوقها. تروي: “تمكنت من الحصول على تدريب مهني، ونجحت في الحصول على وظيفة في مشروع إغاثي. واليوم، أفخر بقدرتي على الاعتماد على نفسي ماديًا، وأشجع الأخريات على المطالبة بحقهن في المشاركة في الحياة العملية”.
ظاهرة تتسع
تقول عايدة الجولان، المسؤولة في دار المرأة بدير الزور، إن العشيرة تلعب دورًا محوريًا في تحديد مكانة المرأة، “لذا تبقى المرأة في مجتمعنا العشائري عرضة للعنف المنزلي والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي. وفي حالات الحروب والنزاعات، تزداد معاناتهن مع فقدان الأزواج والأبناء وتعرضهن للنزوح والتشرد”.
وتضيف الجولان لـ”963+”: “تواجه نساء دير الزور عوائق كبيرة للمشاركة في العمل والمناصب السياسية، وفي حريتها الشخصية، كما تعاني تمييزًا واضحًا في فرص التعليم والتوظيف، رغم أنها تؤدي هي نفسها دورًا محوريًا في دعم المعنفات والمحرومات من حقهن في العمل، حين ترفض الرضوخ، وتمسك بزمام المبادرة بنفسها، غير آبهة بكل هذه التقاليد العشائرية المقيّدة”.
فهي توفر لنظيراتها المعنفات والرافضات ما يحتجنه من مأوى ورعاية نفسية واجتماعية، وتقدم برامج تدريبية ومهنية لتمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا، كما تساهم منظمات غير حكومية حاضرة في دير الزور في تمكين المرأة ببرامج تدريب مهني ومساعدات اقتصادية، إضافة إلى الدعوة لتعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. ويقدم بعض هذه المنظمات دعماً قانونياً لضحايا العنف الأسري العشائري.
وبحسب الجولان، تتّسع حالة التمرّد النسائي على القيود العشائرية في دير الزور، “وتتمظهر هذه الحالة في انضواء النساء في قطاعات عدة، مثل الزراعة والخدمات والتجارة الصغيرة”، لتختم بالقول: “إن سعي المرأة في دير الزور إلى نيل استقلالها خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة مع الرجل، إلى حد ما، فالمجتمعات المتقدمة نفسها تعاني نسبة معينة من اللامساواة الجندرية”، مؤكدةً أن الطريق أمام المرأة في المجتمع السوري طويلة كي تنال كامل حقوقها التي أقرتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، “وهذا يتطلب جهودًا متكاملة تبذلها الأطراف المعنية، من مجتمع محلي وحكومة ومنظمات غير حكومية، لمنح المرأة الفرصة لإبراز قدراتهن ومساهمتهن في بناء مجتمع أكثر عدلاً وتوازنًا”.
أخيراً، ليس دعم تمكين المرأة واجبًا إنسانيًا فحسب، “إنما هو استثمار في مستقبل أكثر إشراقًا واستقرارًا للمنطقة بأسرها”.