وسط تصاعد التوترات الإقليمية، وتوسع رقعة الحرب بين إسرائيل وحزب الله، تتزايد المخاوف من انعكاس تداعيات هذه الحرب على محافظة درعا في جنوب سوريا، نظراً إلى موقعها الجغرافي الحساس وقربها من الحدود مع إسرائيل، وإلى أنها ساحة استراتيجية تتواجد فيها قوات إيرانية وفصائل مدعومة من إيران.
ويتساءل سكان المحافظة عن تأثير هذه المواجهة في الوضعين الأمني والإنساني بالمنطقة، في ظل التحالفات الدولية المعقدة، وتباين المصالح بين القوى المتنافسة، خصوصاً بعدما أفادت تقارير بحصول توغل إسرائيلي في 14 تشرين الأول / أكتوبر الجاري.
وقال موقع “تجمع أحرار حوران” إن قوة عسكرية إسرائيلية، مدعومة بآليات وعناصر ومصفحات، دخلت الأراضي السورية قرب بلدة كودنة في ريف القنيطرة الجنوبي، بجانب تل الأحمر الغربي، وجرفت أراضٍ بطول 500 متر وعرض كيلومتر واحد مزروعة بأشجار الزيتون، ثم نصبت شريطاً شائكاً لفصل الأراضي المجرفة عن سوريا، وعملت على شق طريق ترابي عسكري في منطقة الجولان داخل الأراضي السورية، وعلى حفر خندق بعمق 5 إلى 7 أمتار، نصبت عليه نقاط مراقبة، بدءًا من الشمال مقابل بلدة عين التينة، جنوبًا حتى غربي بلدة أوفانيا في القنيطرة.
وأضاف الموقع نفسه أن عمليتي التجريف والضم تمّتا “وسط صمت ضباط وعناصر القوات السورية الموجودة في المنطقة، وهم لا يبعدون إلا أمتاراً قليلة، من دون أن يبادروا لأي تحرك يُذكر”.
وهذا التوغل هو الثاني بعد توغل أول في اليوم الذي سبق، حين تسللت مجموعة إسرائيلية إلى أطراف قرية معرية في حوض اليرموك، بريف درعا الغربي، لكن من دون تجريف أي أرض أو ضمها.
ويعدّ التوغلان خرقًا لاتفاق “فض الاشتباك” الموقع بين سوريا وإسرائيل بعد حرب 1973، خصوصاً أن الطريق الجديد يقع شرق “خط برافو” الذي حدده الاتفاق، والذي يعرّف بأنه بالخط الشرقي الذي يفصل بين القسمين المحرر والمحتل من هضبة الجولان.
موقع استراتيجي
يقول بشار الحاج علي، الديبلوماسي السابق وعضو اللجنة الدستورية في سوريا، لـ”963+” إن محافظة درعا بالجنوب السوري “بوابة حيوية تربط سوريا بالأردن، وتجاور هضبة الجولان المحتلة، ويُعزز موقعها الجغرافي من أهميتها بوصفها صلة وصل بين قوى إقليمية ودولية عدة، إذ تمثل خط اتصال حيوي بين العاصمة السورية دمشق والدول المجاورة، ومدخلاً لأي تحرك عسكري في اتجاه دمشق”.
ويوضح أن قرب درعا من الجولان المحتل “يضاعف حساسية المنطقة، أمنيًا وعسكريًا، فهي في مرمى التصعيد الإسرائيلي المحتمل الذي يستهدف التواجد الإيراني و’حزب الله‘، ولا خط تماس مباشر في هذا التصعيد بين إسرائيل من جهة، وإيران وفصائلها من جهة، إلا الجولان المحتل، لذا تتحول درعا إلى منطقة اشتباك محتملة”.
يصف الحاج علي الوضع الأمني في درعا بأنه “هش وغير مستقر”، بعدما شهدت المحافظة أخيراً مواجهات بين القوات الحكومية والفصائل المحلية، إلى جانب نشاط الفصائل العسكرية الموالية لإيران. ورغم التسويات السابقة التي وُقِّعت بوساطة روسية، تبقى التوترات قائمة، خصوصاً في وجود خلايا نائمة منها ما يوالي الحكومة السورية ومنها ما يعارضها.
إلى ذلك، وجود إيران وفصائلها، وفي مقدمها “حزب الله”، يزيد من تعقيد المشهد، ويُفاقم خطر التصعيد الإقليمي. يقول الحاج علي: “يمثل هذا الوجود تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي، خصوصاً في ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، ولأن تل أبيب ترى في هذا الوجود تهديدًا مباشرًا لأمنها أولاً ولوجودها ثانياً، ما يجعل أي تصعيد بين الطرفين يشمل احتمالية تنفيذ عمليات عسكرية في درعا”، لافتاً إلى أن إسرائيل تتعاون مع جهات إقليمية ودولية، بينها روسيا والأردن، للحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً، “فالأردن يؤدي دورًا حيويًا في محاولة احتواء التصعيد، فيسعى للحفاظ على حدوده آمنة ومنع تدفق اللاجئين أو المتطرفين، كما يعمل على تنسيق الجهود مع روسيا وإسرائيل”.
تغير ورفض
يتوقع العميد منير الحريري، المنشق عن الحكومة السورية، إن تتغير خارطة السيطرة العسكرية في محافظة درعا، “وأرى أن هذا التغيير سيكون خارجياً”.
ويضيف لـ”963+” أن الفصائل المحلية، مثل اللواء الثامن المحسوب على روسيا والذي يعتبر قطعة مجمدة من قطع الجيش السوري، “تحاول الانفكاك عن دمشق، خصوصاً بعد مقتل أمين عام ’حزب الله‘ حسن نصر الله، أما باقي الفصائل فلا تتأثر بالتغيير في خريطة السيطرة، إلى أن تتوضح الأمور أكثر”، مذكراً أن علاقة هذه الفصائل المحلية بالحكومة السورية “متذبذبة في الأصل، إذ لا احتواء كاملاً لهذه الفصائل، حتى المحسوبة على الحكومة السورية، كالفصائل التابعة للأمن العسكري والاستخبارات الجوية، والتي كانت تنفذ الاغتيالات والمهام لصالح الأفرع الأمنية”.
ويرى الحريري أن دمشق تحسب المنطقة الجنوبية، “من القنيطرة حتى السويداء مروراً بدرعا، مناطق خارج عن سيطرتها، لذلك تعمل على تجنيد أبناء المنطقة ليعملوا لصالحها ولتنفيذ أجندتها”، مؤكداً إن إيران لن تستمر في تعزيز نفوذها في محافظة درعا، على الرغم من وجودها في مناطق عدة في المحافظة، خصوصاً مجموعات “حزب الله”، الذراع الأقوى لإيران، “فثمة خطة دولية تنفذها إسرائيل لتطهير المنطقة الجنوبية حتى حدود دمشق من الفصائل الموالية لإيران، وأتوقع مهاجمة جميع النقاط الإيرانية ومقرات ’حزب الله‘”.
وكانت وكالة “رويترز” قد نسبت إلى مصادر أمنية قولها إن التوغل الإسرائيلي في الجولان “إشارة إلى أن تل أبيب ربما توسع عملياتها البرية ضد ’حزب الله‘، وربما تسعى للمرة الأولى إلى إصابة أهداف للحزب من مسافة أبعد نحو الشرق على الحدود اللبنانية، بينما تُنشِئ منطقة آمنة تمكنها من القيام بحُرية بعمليات مراقبة عسكرية لتحركاته”، فيما قال وقال مصدر أمني لبناني كبير إن إزالة الألغام قرب خط برافو “قد تسمح للقوات الإسرائيلية بتطويق ’حزب الله‘ من الشرق، وبالتقدم أكثر في طريق آخره العاصمة السورية”.
من يدفع الثمن؟
ويلفت الحريري إلى أن الحكومة السورية بدأت بمنع مكاتب التجنيد لصالح الفصائل الموالية لإيران ولـ “حزب الله” من العمل وتجنيد عناصر جديدة “بسبب ضغوط تمارسها عليها روسيا، وبسبب ضغوط تمارسها إسرائيل من خلال رسائل تصلها، تفيد بضرورة كف يدّ هذه الفصائل المسلحة، وبالنية في القضاء على الفصائل الموالية لإيران في كل سوريا، وتحديداً في الجنوب السوري”، بعد القضاء على قيادات “حزب الله”، وصولاً إلى نصر الله نفسه، وقدراته الصاروخية وقوته الاستخبارية.
في هذا الإطار، يعرب عن خشيته “من تحويل أهل محافظة درعا وسكانها إلى رأس حربة في معركة إخراج هذه الفصائل من الجنوب السوري، في ظل غطاء جوي قوي، ما لم تخرج هذه الفصائل من درعا بالطرق الديبلوماسية”، علماً أن أهالي المحافظة – بسبب طبيعتهم الاجتماعية وعلاقاتهم العشائرية – يرفضون وجود الفصائل الموالية لإيران و”حزب الله” والمتعاطفين معها، المطلوب من هذه الفصائل مغادرة الجنوب السوري فوراً، خاتماً بالقول: “ربما تأخرت إسرائيل!”.
دور الفصائل
ماذا عن موقف الفصائل المحلية في درعا نفسها؟
يقول رائد الجباوي، القيادي في الفصائل المحلية بدرعا، لــ”963+”، إن الموقف منقسم، “فثمة فصائل رفضت المصالحة ومستمرة في نهج “الثورة السورية”. وحتى إذا كان عملها غير معلن، فهي تحاول من دون كلل التخلص من النظام والأفرع الأمنية، ضمن استراتيجية ثابتة لتحقيق “أهداف الثورة”. أما من قبِلَ من الفصائل بالمصالحة في صيف 2018، فهي تتعامل مع الحكومة وفق مبدأ تبادل المصالح، مع الحصول على نفوذ وصلاحيات على الأرض”.
ويضيف: “احتمال نقل ساحة المواجهة بين إسرائيل وإيران إلى درعا قائم، وإن حصل هذا الأمر، فمحتمل جداً أن يعقد المشهد السياسي، خصوصاً مع تزايد النفوذ الإيراني في المحافظة، فإيران تملك مواقع مهمة في درعا، والمخاوف كبيرة من أن تزيد نفوذها هنا إذ تقلص دورها في لبنان”.
ويلفت الجباوي إلى أن الوجود الإيراني في درعا “احتلال بالقوة”، وأن الفصائل الموالية لإيران هي التي تقف وراء تردي الوضع الأمني في المحافظة، “وإذا اندلعت مواجهة محدودة بين إسرائيل وإيران في درعا، فهذه فرصة لسكان المحافظة كي يتخلصوا من النفوذ الإيراني، علماً أن الشعب السوري هو من سيدفع الثمن باهظاً في مثل هذه الحرب، وعلينا حماية هذا الشعب من احتمال وقوع مواجهة إسرائيلية – إيرانية على أراضي سوريا، لأننا نعلم أن إيران لن تتردد في استخدام الشعب السوري وقودًا لحربها لتحقيق مصالحها”.
أين تقف روسيا؟
يؤكد الجباوي التواصل الدائم مع المنظمات المحلية والدولية لتأمين الجانب الإنساني في درعا، خشية من تفاقم الوضع الهش أصلاً، في ظل امتناع المنظمات الدولية عن توفير الدعم الكافي للسوريين، بحجة تراجع التمويل.
أما تأمين الجانب السياسي، فيقول إن الأمر غير مضمون، “فقد زعمت روسيا طوال سنوات أنها تضمن أمن السوريين في جنوب البلاد، لكن هذا لم يحصل، وهي من سمح لإيران وفصائلها بالتغلغل في درعا، فيما تقف على الحياد، متحججة بعجزها عن إخراج الإيرانيين من المحافظة”.
ويذكر أن الشرطة العسكرية الروسية عادت إلى تل الحارة في ريف درعا، بعدما انسحبت منه، وانضمت إلى موقع روسي آخر في بلدة زمرين المجاورة. ويقول موقع “درعا 24” إن هذه الشرطة عادت برفقة عناصر من قوات “الأندوف” التي انتشرت في قمة التل لبعض الوقت، قبل أن تنسحب منه.
ويرى الجباوي أن روسيا تسعى للحفاظ على مكانتها في سوريا من دون مواجهة إيران، “لذا، أتوقع ألا تتدخل الفصائل التابعة لروسيا في درعا في أي صراع مقبل، سواء مع إيران و’حزب الله‘ أو ضدها”.