هاجم أنصار فصائل موالية لإيران بعد منتصف ليل أمس الجمعة، مكاتب قناة “إم بي سي” السعودية بالعاصمة العراقية بغداد وعاثوا فيها خراباً، بعد بث القناة تقريراً وصف قادة فصائل بـ”الإرهابيين”. وأثارت الحادثة سخط كُتاب وصحفيين عراقيين اعتبروا ما جرى اعتداءً على حرية وسائل الإعلام، فيما تقصدت وسائل إعلام عراقية وعربية عدم التطرق إلى الحادثة “مغازلة ” للفصائل الإيرانية.
في التفاصيل اقتحم أنصار فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بين 400 و500 شخص بعد منتصف ليل الجمعة-السبت مقر شركة تنتج محتوى لقناة ” إم بي سي ” السعودية وأقدموا على تحطيم الأدوات والأجهزة الحاسبة وحرق قسم من المبنى” وفق ما أفاد مصدر أمني عراقي لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس).
وعرضت القناة السعودية تقريراً يوم أمس الجمعة ضمن برنامج “إم بي سي في أسبوع”، تحت عنوان “ألفية الخلاص من الإرهابيين”، تحدث عن مقتل عدد من الشخصيات بينهم القائد السابق لـ”فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني، الأمين العام لـ “حزب الله ” اللبناني، بالإضافة إلى زعيم حركة ” حماس ” يحيى السنوار الذي قتلته إسرائيل يوم الخميس الماضي والزعيم السابق لتنظيم “القاعدة ” أسامة بن لادن.
ومن جانبها، أصدرت حركة “حماس” اليوم السبت، بياناً طالبت فيه إدارة قناة “إم بي سي” بالتراجع عن التقرير. وقال البيان” لا يخرج التقرير عن صحافة صفراء وطابور خامس، يجب على إدارة القناة التراجع الفوري عن هذا السقوط”.
والهجوم على مكاتب “إم بي سي” ليس الأول من نوعه بالعراق، حيث تعرض مبنى القناة ببغداد في 18 أيار/ مايو 2020 لهجوم مماثل من قبل أنصار الفصائل الموالية لإيران، على خلفية تقرير ربط بين أبو مهدي المهندس، والتفجير الذي استهدف بسيارة مفخخة مبنى السفارة العراقية في بيروت، وقتل خلاله نحو 60 شخصاً بينهم بلقيس الراوي زوجة الشاعر السوري نزار قباني في 15 كانون الأول/ ديسمبر 1981.
ردود متباينة “مع وضد ”
أعلنت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، اليوم السبت عقب حادثة الاقتحام وقف عمل قناة “إم بي سي” السعودية في البِلاد على خلفية بثها للتقرير المثير للجدل وقالت في بيانها إن ” قرار الإيقاف جاء نتيجة لانتهاك القناة الفضائي للوائح البث الإعلامي من خلال تجاوزاتها المتكررة وتطاولها على قادة النصر والمقاومة “، على حد وصفها.
وأثارت عملية الاقتحام ردود فعل متباينة على وسائل التواصل الاجتماعي ما بين مؤيدٍ لها بذريعة أن “القناة ” شوهت صورة “المقاومة” وأن تقريرها استند على الرواية الإسرائيلية، فيما ندد آخرون بينهم سعوديون وعراقيون بالاعتداء على القناة وقالو بأن ذلك يعد “انتهاكا صارخاً لحرية الإعلام والتعبير” في العراق. وقال الكاتب ومقدم البرامج العراقي عمر الجمال بإن “المهاجمين استهدفوا شركة عراقية متعاونة مع الـ إم بي سي وقد أسفر الإعتداء عن سرقة أموال عراقية وليست سعودية ” على حد تعبيره .
ومن جانبه، يقول الصحفي العراقي نبيل الجبوري: “تقف القوات الأمنية عاجزة أمام ردع من يقتحم ويحطم مؤسسات إعلامية تارةً وسفارات وبعثات دول أجنبية لها علاقات واتفاقيات مكفولة من قبل الدولة العراقية تارةً أخرى وفي الوقت نفسه وفي قلب الجنوب، يقمع متظاهرون بحجة أن ذلك غير سلمي واعتداء على القوى الأمنية”.
ويشير في تصريحات لـ”963+”، إلى أن ” الحكومة العراقية محرجة من تصرفات مجموعات تتبع فصائل مسلحة تتبنى سياسة جهات خارجية وتسعى لتصفية حساباتها “، ويضيف: “نحن نرفض أيضاً استفزاز الآخرين بأي تقارير أو معلومات تظهر على الإعلام وتكون غير خاضعة لمعايير المهنية والحياد والموضوعية، إلا أن ذلك يمكن أن يعالج من خلال مؤسسات قانونية ورسمية يمكن أن يكون لها القول الفصل”.
وبحسب الكاتب العراقي المقيم في لندن علي الصراف فإنه “ما كان يجب على إم بي سي، أن تتبنى نهجاً يقول: أنا والإسرائيلي على إيران وحزب الله، هذه حماقة لا مبرر لها، وغير ضرورية وتنطوي على سوء تقدير في كل شيء، من حيث: التوقيت والموقف الشعبي حيال القضية الفلسطينية وموطئ القدم بين الخنادق، وبالمقابل فما كان للذين هاجموا مقرات إم بي سي بالعراق أن يتبنوا سلوكاً مماثلاً من سوء التقدير”.
المرتبة 169 عالمياً
يقول الصراف، إن “الذين اعتدوا على مقرت إم بي سي، ارتكبوا عملاً جنائياً ضد حرية الرأي وكان الأولى بهم أن يتذكروا أن “الضد يظهر حسنه الضد”، ففي مقابل قناة تمارس سوء التقدير هناك العشرات من القنوات ممن يفترض أن تحسن التقدير فلماذا الاعتداء، إذا غضبت من رأي، فلك أن تحتج وأن تتظاهر وأن تقول رأياً آخر يقتفي أثر الحق”.
وأضاف في تصريحات لموقع “963+”، أنه “لا يعتبر السياسات التحريرية لـ “إم بي سي” عقلانية وناضجة أو منطقية في كثير من الأحيان، وفيها من سوء التقدير الكثير، لكن هذا شيء والاعتداء على مقراتها شيء آخر، فالأول هو اختلاف في وجهات النظر، أما الثاني فهو جريمة بالمعنى الجنائي للكلمة، وهو دلالة على الضعف وفقر الحاجة والعجز عن الصواب”.
في أيار/ مايو 2023، أصدر المرصد العراقي لحقوق الإنسان، تقريراً بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، قال فيه إن “حرية الصحافة في العراق صارت أدنى بكثير مما يجب أن تكون عليه في بلد رفع شعار الديموقراطية منذ 20 عاماً”، ووثق شهادات عن انتهاكات بحق صحفيين وإعلاميين غطوا المظاهرات الشعبية التي اندلعت بالبلاد في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
وكان المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان أعلن في تقريراً له نهاية يونيو 2024 إن العراق تراجع في مجال حرية الصحافة، إذ حل بالمرتبة 169 عالمياً و 12 عربياً.
وكان تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” في حزيران/ يونيو 2022، قد قال إن “السلطات العراقية تضيق على حرية وسائل الإعلام وحرية التعبير وتواصل استخدام قوانين مبهمة الصياغة وتوجيه تهم ضد الآراء التي لا تعجبها”. ووثقت المنظمة في تقريرها، شهادات عن عمليات اختطاف لصحفيين وإعلاميين عاملين في قنوات تلفزيونية على يد عناصر فصائل مسلحة موالية لإيران، لتنيهم نهجاً مخالفاً لخط تلك الفصائل.