خاص – دير الزور
شهدت محافظة دير الزور السورية على الحدود مع العراق، تطوراً جديداً يعكس تصاعد التوترات بين روسيا وإيران في المنطقة، مع مطالبة روسيا الفصائل الإيرانية بإخلاء مواقع استراتيجية قريبة من مطار دير الزور العسكري، في خطوة تعكس تغيراً في الموازين العسكرية والسياسية بسوريا.
تفاصيل الطلب الروسي لإخلاء المواقع
وفقاً لمصادر محلية، عُقد اجتماع أمس الجمعة داخل مبنى أمن الدولة بدير الزور، جمع بين ممثل عن القوات الروسية وآخر من “الحرس الثوري الإيراني”. وطالب الجنرال الروسي قسطنطين من “الحاج عسكر”، القيادي الإيراني في المنطقة، إخلاء جميع النقاط الإيرانية القريبة من مطار دير الزور العسكري، بما يشمل مبنى التنمية في حي هرابش، ومقار أخرى في حي الموظفين وشارع بورسعيد.
كما طُلب من الفصائل نقل مواقعها إلى مناطق أقل حساسية، مثل جبل ثردة وبادية دير الزور.
توتر بين الحليفين: أسباب وتحفظات
هذا الطلب الروسي أثار غضباً في صفوف الفصائل الإيرانية، التي تخشى أن يؤدي الانسحاب إلى تثبيت روسيا مواقع جديدة” في النقاط المخلاة، مما يقلّص نفوذها، بحسب ما كشف مصدر عسكري في القوات الحكومية السورية العاملة في دير الزور لـ”963+”.
وعلى الرغم من أن الوجود الروسي في المنطقة يقتصر حالياً على قواعد في القرى المهجرة بدير الزور، إلا أن الخلاف بين الطرفين يعكس صراعاً خفياً على النفوذ داخل الأراضي السورية.
إيران، التي تَعتبر وجودها العسكري في سوريا “استراتيجياً لضمان التواصل مع حلفائها في لبنان والعراق”، أبدت رفضاً قاطعاً لهذه التحركات. ووفقاً للمصدر، بدأت إيران في “إنشاء أنفاق” وحفر مواقع جديدة بالقرب من مطار دير الزور لتأمين تنقلاتها، فيما رفعت أعلام الحكومة السورية على بعض نقاطها لتفادي استهدافها”.
التوترات الإقليمية تزيد من تعقيد المشهد
يأتي هذا التوتر بين روسيا وإيران في ظل تصعيد عسكري متزايد تشهده المنطقة. حيث كثّفت إسرائيل ضرباتها الجوية على مواقع إيرانية في سوريا، بينما شهدت الأيام الأخيرة اشتباكات بين الفصائل الإيرانية وقوات التحالف الدولي، خاصة في محيط حقول الغاز شمال دير الزور.
واليوم السبت، استهدفت قذائف مدفعية يرجح أن مصدرها قوات التحالف الدولي في قاعدة كونيكو شرقي الفرات، مقراً لفاطميون الأفغاني ببلدة الجفرة، وآخر حكومي للفرقة ١٧ عند مدخل مدينة دير الزور ببلدة هرابش، ما أسفر عن إصابة ثلاثة عناصر من القوات الحكومية، وأضرار مادية، بحسب ما قاله مصدر عسكري لـ”963+”.
كما استهدفت قذائف أخرى مواقع لإيران والقوات الحكومية ببلدات مراط وطابية وخشام وحطلة من بين المواقع منصة إطلاق صواريخ في مدرسة خشام شرقي، لكن لم يكشف المصدر عن حجم الخسائر في الأرواح والماديات، وسط استنفار كبير للفصائل الإيرانية في مناطق غرب الفرات واختباء غالبية عناصرها بين منازل المدنيين.
والخميس الماضي، قصفت القوات الأميركية المتمركزة في “قاعدة كونيكو” المدفعية الإيرانية في المنطقة، وذلك بعد إطلاق صواريخ استهدفت القاعدة.
وتزامن ذلك مع تحليق مكثف للطائرات الأميركية في أجواء المنطقة، ما اعتبر رسالة واضحة لتحذير الفصائل الإيرانية من أي تصعيد إضافي.
إعادة التموضع وتقييد الأنشطة الإيرانية
تحاول روسيا تقليص نشاط الفصائل الإيرانية و”حزب الله” اللبناني في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية، لتفادي الاستهداف الإسرائيلي المتكرر.
وقد أدى هذا التقييد إلى “تآكل الثقة” بين القيادة الإيرانية والفصائل السورية الموالية لها، مما دفع إيران إلى “إجراء حملات دهم واعتقال” في صفوف عناصرها للاشتباه بتسريب معلومات لصالح أطراف معادية، بحسب معهد واشنطن للدراسات.
بالتوازي، بدأ “حزب الله” اللبناني بنقل بعض عائلات عناصره من سوريا إلى العراق عبر دير الزور، مما أثار خلافات بين الحزب والقوات الحكومية السورية على الحواجز العسكرية.
ويتزامن ذلك مع “انخفاض شعبية المراكز الثقافية والصحية الإيرانية” التي أنشأتها طهران في دير الزور، حيث تشهد هذه المؤسسات عزوفاً شعبياً دفع القادة المحليين الموالين لإيران إلى “الضغط على الموظفين” لحث الأهالي على المشاركة في أنشطتها.
هروب عناصر وإعادة الانتشار
في تطور لافت، أفادت وسائل إعلام محلية عن “هروب أكثر من 20 عنصراً” من “الفوج 47” التابع “للحرس الثوري” الإيراني في البوكمال إلى مناطق خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد). وذكرت تلك الوسائل، أن السبب يعود إلى “الخوف من القصف الجوي المكثف” على مواقعهم.
كما أشارت وسائل الإعلام أن “مكتب الأمن الإيراني شنّ حملة اعتقالات داخل صفوف الفصائل، حيث تم توقيف أحد العناصر بتهمة تسريب معلومات إلى جهات معادية”.
في سياق متصل، تم العثور على جثة عنصر من “الفوج 47” مقتولاً بعدة طعنات في حاجز السويعية بريف البوكمال، مما يعكس تصاعد التوترات الأمنية داخل الفصائل الإيرانية.
انعكاسات الصراع على التحالف الروسي-الإيراني
يشير التصعيد الأخير إلى “تحولات جوهرية في التحالف الروسي-الإيراني” داخل سوريا، بحسب واشنطن للدراسات، إذ يبدو أن روسيا تسعى لتقليل التبعات العسكرية على قواتها في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة. وتحاول موسكو الحفاظ على توازن دقيق بين دعم دمشق وتجنب استفزاز إسرائيل، وهو ما يفسر ضغطها على إيران لتخفيف وجودها العسكري في بعض المناطق.
من جانب آخر، تدرك إيران أن انسحابها من دير الزور قد يؤدي إلى “توسع النفوذ الروسي” على حسابها، مما يجعلها أكثر تمسكاً بمواقعها الحالية، رغم التهديدات العسكرية المتزايدة من التحالف الدولي وإسرائيل. كما أن أي تراجع إيراني في سوريا قد يعكس “ضعفاً إقليمياً” يضر بمصالح طهران في لبنان والعراق.
وتشير هذه التطورات إلى أن التوتر بين روسيا وإيران في دير الزور قد يؤدي إلى “إعادة تشكيل التحالفات” العسكرية داخل سوريا، خاصة إذا ما قررت روسيا “تثبيت نفوذها في المناطق المخلاة” من الفصائل الإيرانية.
كما قد يشهد المشهد السوري، بحسب محللين، “مزيداً من التصعيد العسكري”، سواء من جانب التحالف الدولي أو إسرائيل، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات جديدة بين موسكو وطهران.
وفي ظل استمرار الضغوط الدولية والعسكرية، يرى محللون أن إيران ستسعى إلى “إعادة تقييم استراتيجياتها” لضمان بقائها لاعباً رئيسياً في الساحة السورية، مع الحفاظ على شبكة تحالفاتها الإقليمية. ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية، قد يصبح التنسيق بين روسيا وإيران أكثر تعقيداً، مما قد يفتح المجال لمزيد من الصدامات على الأرض.
ويبقى السؤال المطروح حالياً: هل ستتمكن روسيا وإيران من “إدارة خلافاتهما” والتوصل إلى تفاهمات جديدة، أم أن صراع النفوذ في دير الزور سيقود إلى “تصعيد أكبر” يُعيد رسم خريطة النفوذ في شرقي سوريا؟ الإجابة ستتحدد في ضوء التحركات العسكرية المقبلة والتطورات الإقليمية المتسارعة.