خاص – علي محمد برهوم/ دمشق
“أخذت مني الحرب 9 سنوات و100 حلم، وربما حياة كاملة”. بهذه الكلمات البائسة يصف يوسف (33 عاماً) من ريف طرطوس، حاله. فقد وصلت ظلمة الحرب وقهرها إلى قلوب الشباب السوري، وانتشرت بينهم أخيراً حالات الموت المفاجئ بسبب جلطات دموية تزاحم البارود على حياة السوريين
السوري بين فكي كماشة
واجه يوسف واقعاً مريراً. خطب ممرضة منذ سنتين، أصيب باكتئاب لعدم قدرته على توفير احتياجاته اليومية وهو أعزب بوظيفة حكومية لا تسد الرمق، ما دفعه ليعمل مع “معلم صحية”، فازداد كآبةً حين اكتشف أن جسده لم يعد كما كان قبل الحرب. يقول لـ”963+”: “إن هذا العجز الذي وصلت إليه جعلني سريع الغضب، متوتراً بشكل دائم. فلا جسد سليم ولا عمل يسد الرمق، وفي إحدى الليالي اجتمعت عائلتي على صراخي وسقوطي أرضاً فتم نقلي إلى المستشفى، تبين أنني أصبت بجلطة قلبية… لكنني نجوت بأعجوبة”.
يقول الدكتور نبوغ العوا، العميد السابق في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، في تصريح إعلامي إن ترقب المستقبل الذي يعيشه الشباب السوري “سبب رئيسي في موتهم المفاجئ، فالحزن والخوف يساهمان بشكل كبير في حدوث الجلطات، وثلاثة أرباع الشعب السوري مهموم”.
وأعراض الجلطة واحدة تقريباً لدى أغلب المرضى على اختلاف أعمارهم: ألم في الصدر خلف القص، وضيق في النفس، وتعرق بارد، وآلام في النصف الأيسر من النصف العلوي للجسم، مع شحوب وغثيان وحرقة بالمعدة.
ويوضح طبيب مقيم، متخصص في الأمراض الداخلية والقلبية في مشفى تشرين الجامعي، لـ”963+” أن الجسم في حالة التوتر يفرز مستوى فوق طبيعي من هرمونات الشدة، وأبرزها الأدرينالين والكورتزول، “وهذه الهرمونات تُحدِث انقباضاً في الشرايين، وتجعلها أكثر عرضة للتشنج، كما تُرفع الضغط الدموي ومستوى السكر في الدم، وهذه كلها أسباب رئيسية لحدوث الجلطات”.
تحت الـ30!
يتلاقى كلام العوا مع إحصائيات وأرقام قدمها الدكتور حسام خضر، المدير العام لمشفى الجراحة الجامعي بدمشق، إذ يلفت إلى أن “نحو 50 في المئة من إجمالي العمليات التي يجريها طاقم المستشفى تكون لمرضى شبان لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً، ما يؤكد تزايد الضغوط النفسية والاضطرابات المتراكمة التي تواجه هذه الفئة”.
ويضيف خضر لـ”963+”: “نلاحظ انخفاض سن المراجعين المرضى الذين يصابون بالجلطات في دمشق إلى 30 عاماً”.
وما يثير الخطر هنا هو أن أغلبية الجلطات “مميتة”. فقد أفاد العوا بأن الجلطات المنتشرة بين فئة الشباب تحت سن 50 سنة “قاتلة”، فيما يقول الدكتور نجاح جميل مرعي، المتخصص في أمراض القلب والأوعية الدموية، لـ”963+” إن الشرايين الإكليلية لدى الشباب “لينة ومرنة، وبالتالي عرضة للتشنج بشكل أكبر مقارنة مع كبار السن”.
عصة قبر
توفي حازم وكان في الثامنة والثلاثين، بعدما توقف عامين كاملين عن تناول الدواء بسبب ارتفاع ثمنه، وبعدما لجأ إلى الطب العربي والتداوي بالأعشاب والعلاج الروحي. تقول أم حازم (70 عاماً)، من مدينة حمص، لـ”963+” إن ولدها “كان يتحسن في بداية الأمر، لكن سرعان ما تدهور وضعه، ويقول الأطباء إن وضعه ما كان ليسوء لو استمر في العلاج”.
يعلّق طبيب نفسي في دمشق على كلام أم حازم بالقول: “هذا هو العلاج الإيحائي، ويعتمد على إيمان المريض بالعلاج وليس بفعالية العلاج، ونتيجة هذه الطمأنينة يفرز جسم المريض هرمون الأندرفين لفترة وجيزة، ما يساهم في تسكين الألم ومنح الإنسان شعوراً بالارتياح، لكنه لا يعالج المرض”.
ويضيف الطبيب لـ”963+”: “هذا الإجراء يفيد ضمن المعالجة التلطيفية، وعلينا الانتباه إلى عدم الوقوع في فخ الارتياح الزائف، فيما ينتشر المرض”.
ويلفت خضر إلى أن عدداً كبيراً من المرضى يقومون بتبديل الأدوية أو حتى الاستغناء عنها بسبب ارتفاع أسعارها أو عدم توافرها.
تتعدد الأسباب…
يصنف الكثير من الأطباء التدخين العامل الأول في إحداث جلطات قلبية مميتة. فالتدخين يؤثر في بنية القلب الطبيعية، ويؤذي صماماته، ما يعيق أداءه الطبيعي، ويقلل كمية الأوكسجين المحملة بالدم. وهذا يتطلب من القلب بذل جهد مضاعف، ما يضعف القلب أكثر. وهذه الحالة تدخل القلب في حالة تلقيم راجع إيجابي معيبة، وينتهي الأمر بانسداد الشرايين الإكليلية وحدوث الجلطة.
ثم يأتي ارتفاع كولسترول الدم مسبباً أساسياً في الجلطات القلبية، “إذ تتشكل ترسبات في الشرايين ومنها الإكليلية، ما يجعل لمعة الشريان ضيقة وقد يصل الأمر للانسداد”، كما يقول خضر، علماً أن مستوى الكولسترول عند الإنسان يرتفع بسبب اتباعه نظاماً غذائياً غير صحي، مليئاً بالدهون والشحوم، ويتفاقم مع الخمول وعدم ممارسة الرياضة.
وهل يسبب البرد الجلطة؟ الإجابة نعم. فقد أكدت دراسات عدة أن خطر الإصابة بالنوبة القلبية والجلطة الدماغية يزداد في البرد بمقدار الثلث، لأن البرد يزيد من لزوجة الدم ويسبب تضيق في الأوعية الدموية، كما أن القلب يعمل بمجهود أكبر للحفاظ على حرارة الجسم الطبيعية، والأمر نفسه ينطبق على فكرة الخروج من غرفة حارة إلى جو بارد جداً.
وفي تقرير نشرته “سي أن أن” الأميركية في تشرين الأول/أكتوبر 2023، ورد أن لقاحات كوفيد قد تزيد قليلاً من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية لدى كبار السن، خصوصاً عند إعطائها مع بعض لقاحات الإنفلونزا. ويقول الطبيب السوري طلال السعدي، المتخصص في الجراحة القلبية، لـ”963+” إن مثل هذه الحالات تحدث بنسبة 1 في المئة ألف، “فأخذ اللقاح بعيوبه أفضل من عدم أخذه، كما أن تناول الاسبيرين في حالة الجلطات الناتجة عن لقاحات كورونا غير مجد”.
ويشار إلى أن اتهامات كثيرة وجهت إلى لقاح “أسترازينيكا “البريطاني بوجود صلة بينه وبين حدوث الجلطات القلبية ،حيث ادعت عائلات عدة قضائياً ضد الشركة المصنعة للقاح.
تقديرات وغياب إحصائيات
يشير زاهر حجو، رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي في دمشق، إلى أن المجتمع يقف عائقاً أمام فهم المشكلة وحلها، “حيث يرفض هذا المجتمع فكرة تشريح جثة المريض لمعرفة السبب بشكل قطعي، بينما العلم بأمس الحاجة لهذ الإجراء”، كما يقول لـ”963+”.
ويفيد الطبيب مناف الجاسم، المتخصص في الأمراض القلبية، في تصريح صحافي، بأن مرضى الاعتلالات القلبية يشكلون 40% من عدد مراجعي مشفى المجتهد بدمشق، ونحو 5 شباب مرضى شهرياً يزوره بعيادته بسبب الجلطات القلبية.
ويقول طبيب مقيم في قسم الجراحة القلبية في مشفى الباسل بطرطوس لـ”963+” إن حالات الوفاة بين الشباب “زادت بنسبة 100 في المئة في السنتين الأخيرتين، نصفها سببها أمراض قلبية”.