خاص – أحمد عبد الرحمن / إدلب
تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية شمالي البلاد، توجهاً غير مسبوق على المدارس والمعاهد الخاصة من عائلات مقتدرة ماديًا تقدر نسبتهم 10% وفق دراسات بحثية وميدانية، وتعزو الآنسة فردوس اسطنبولي، مديرة مدرسة النخبة الخاصة بإدلب، السبب إلى “خدمات مميزة تقدمها المنشآت المخدمة ببنية تحتية ملائمة واستقطاب الخبرات التعليمية المميزة وارتباطها بقوة مع الطلبة ومتابعتهم بشكل فردي، إضافة إلى توافر أساليب التعليم الحديثة والمقاعد المحدودة ضمن الغُرف الصفية”.
أضافت اسطنبولي لـ”963+” أن التعليم الخاص كان يركز سابقاً على طلاب الشهادة الثانوية للرفع من سويتهم التعليمية والحصول على مقعد في إحدى الجامعات.
خفض الدعم الأممي أظهر قطاعاً رديفاً في مناطق إدلب: التعليم الخاص، حيث بلغ عدد المدارس والمعاهد الخاصة المرخصة بشكل رسمي في مديرية التربية أكثر من 808 مدارس تؤوي قرابة 123 ألف طالب، تُدرس فيها المراحل الثلاثة من الابتدائية حتى الثانوية بالمنهج العام الموحد، وفق أحمد الحسن، مدير التربية والتعليم في إدلب، الذي يضيف: “على الرغم من استقطابها شريحة لا بأس بها من الطلاب، فإن تلك المدارس لا تسدّ كل الفجوات في قطاع التعليم، فغلاء الأقساط حال دون التحاق عدد أكبر من الطلاب الذين يشكون رداءة التعليم العام”.
أريد الأفضل لأولادي
في بداية العام الدراسي الفائت، قررت أسماء الصرما، التي تعيل 3 أطفال، نقل ابنها نور صابوني (13 عاماً) من التعليم العام إلى الخاص، على الرغم من تكاليفه الباهظة وتدني الدخل المادي الشهري للعائلة، الذي بالكاد يكفي لتأمين متطلبات المنزل اليومية على مدار الشهر. تقول الصرما لـ “963+”: “عدم توفر كوادر تدريسية ذات كفاءة لكافة المواد وشحّ الموارد المخصصة للتعليم، وخوفاً من تراجع المستوى التعليمي لطفلها كما حصل مع رفاقه، دفعني إلى اتخاذ قرار قطعي، بتدريسه عن بعد أو بنقله إلى مدرسة خاصة”، مضيفة أن ابنها “من العباقرة و المتفوقين في دراستهم من الصف الأول حتى السابع، وهذا ما دفعني إلى نقله إلى مدرسة خاصة حتى لو حرمنا أنفسنا الأكل”.
وبحسب الصرما، لا ميزانية مخصصة لتدريس نور بمفرده، ولا إمكانية لذلك، فالمبلغ المطلوب كبير مقارنة بالدخل المتوسط الذي تحصل عليه لقاء عملها في أحد المراكز النسائية، “فالقسط يبلغ نحو 20 دولاراً من دون المواصلات شهرياً، ما يعني 180 دولاراً في العام الدراسي في أقل تقدير”، كما تقول، إلا أنها تقتطع جزءاً من مصروف العائلة اليومي وتجمعه إلى أن يحين موعد تسديد القسط الشهري.
وتتراوح قيمة الأقساط الشهرية في المدارس والمعاهد الخاصة بين 15 و40 دولاراً في الشهر، أي ما يتراوح بين 150 دولاراً و 400 دولار للعام الدراسي. ويعود الاختلاف في الأقساط بين القطاع الخاص بحسب كل مرحلة دراسية، ولما توفره المدرسة لطلابها من مستلزمات لوجستية وتحفيزية.
نخب منتقلة
أمام تنامي القطاع الخاص على حساب العام في إدلب، توجهت نُخب الكوادر التعليمية للعمل ضمن المدارس والمعاهد الخاصة التي ازدادت بشكل كبير وشارف عددها من الوصول إلى العامة، في وظائف مختلفة، ما جعل المدارس الخاصة وجهة ضرورية، بل حتمية، لآلاف الأسر المقتدرة التي تبحث عن بيئة تعليمية أفضل لأبنائها.
رند عبيد إحدى معلمات الحلقة الأولى، قدّت استقالتها من العمل في مديرية التربية بإدلب بعدما بدأت الهوّة التعليمية بين العام والخاص بالاتساع، بحسب وصفها. تقول لـ”963+”: “تراجع المستوى التعليمي بسبب ظروف الحرب ثم الزلزال، والازدحام في المدارس، دفعاني للانتقال إلى القطاع الخاص”.
وتوجد في شمالي سوريا 2071 منشأة تربوية عامة، وفق إحصائيات رسمية تقدمها السلطات والمنظمات المحلية المهتمة بالقطاع التعليمي، منها 1143 في إدلب وريف حلب الغربي الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، تديرها مديرية التربية والتعليم.
تحتاج أكثر من نصف المدارس المشيدة ببناء إسمنتي، وعددها 901 مدرسة، إلى عمليات ترميم كلي أو جزئي جراء القصف الجوي والبري الذي وجهته القوات الحكومية السورية وحلفاؤها خلال الحرب، فضلاً عن الكوارث الطبيعية، فيما تحتاج 242 منشأة إلى استبدال بأبنية إسمنتية كونها مؤلفة من خيام وكرفانات مسبقة الصنع… إلا أن خفض التمويل المخصص لقطاع التعليم يحول دون ذلك، ويخلق معوقات أخرى أمام هذا القطاع الأكثر تهميشاً.
يقول الحسن لـ”963+” إن عدد الغرف الصفية في المدارس العامة 15,100 غرفة، بينها 1573 خيمة، أي 10% من العدد الكلي للطلاب يدرسون في خيام غير ملائمة للتعليم، كما يشهد عدد كبير من الشُعَب اكتظاظاً في أعداد الطلاب، حيث يزيد على 50 طالب/ة بسبب قلة عدد الأبنية المدرسية النظامية وعدم توفر الكتب والوسائل والأدوات التعليمية، إلى جانب النقص في الكوادر التدريسية نتيجة العمل التطوعي الذي سببه نقص التمويل.
ويوضح الحسن “أن عدد الطلاب الذين اجتازوا اختبارات الفصل الدراسي الثاني مع انتهاء العام الدراسي الفائت في المجمعات التربوية التابعة للمديرية تجاوز 599 ألف طالب/ة في المراحل الثلاثة”، لافتاً إلى أن قرابة 35 ألف طفل تسربوا من المدارس كليًا في العام ذاته.
عفرين وشمال حلب وشرقها
يُقدر عدد المدارس العامة في مدينة عفرين ومناطق شمال حلب وشرقها بنحو 928 مدرسة، تؤوي 508 آلاف طالب. ويواجه قطاع التعليم في المناطق آنفة الذكر تحديات كبيرة تزيد على منطقة إدلب كون هذا القطاع يخضع “للإشراف التركي”، ويرتبط بشكل مباشر بمديريات التربية والتعليم التركية التي لا تسمح للمدرسين السوريين بأخذ أي قرار يخص سير العملية التعليمية أو حتى الإدلاء بشهاداتهم وانتقادهم لأي قضية تخص التعليم.
تحدث ف. ش. مدير إحدى المدارس في عفرين لـ”963+” عن نقص الموارد المالية والتجهيزات، وضعف البنية التحتية، حيث تفتقر الكثير من مدارس المدينة إلى الوسائل التعليمية الأساسية مثل الكتب والأدوات والمخابر وقاعات الحاسوب التي تحد من قدرة المعلمين على تقديم التعليم بالشكل المطلوب وتؤثر سلباً على السوية التعليمية، إضافة لعدم وجود مركزية واحدة وحوكمة بين مديريات التعليم.
ويوضح ف. ش.، مُفضلاً عدم ذكر اسمه لأن الحكومة التركية لا تسمح له بالتصريح للإعلام، أن المناهج التي تدرّس في عفرين “لا تتناسب مع الطلبة وخاصة اللغة التركية التي فُرضت على المنطقة جبراً، واعتبارها مادة رئيسية “ناهيك عن جعل نظام الامتحانات مؤتمت وإشراف التربية التركية بشكل مباشر على وضع نظام أسئلة الامتحانات الفصلية”. ويضيف: “تدني رواتب المعلمين والازدحام في المدارس نتيجة تهجير عدة مناطق سورية إلى المدينة واكتظاظ الشُعب الصفية من أبرز المشاكل التي تعاني منها الكوادر التدريسية لصعوبة التركيز على احتياجات الطلاب بشكل فردي”.
خصخصة وتسرّب
يزداد عدد المتسربين من التعليم في شمال غرب سوريا، وتقدر نسبة التسرب بنحو نصف مليون طفل، تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و18 عاماً، وتتصدر محافظة إدلب النسبة الأعلى، إذ بلغت 63%، تليها عفرين وريفها بنسبة 62%.
أخرج منهل أرمنازي ولديه (7 و9 أعوام) من المدرسة، محملاً “خصخصة التعليم وما خلفته من آثار سلبية على النسبة الأكبر من السكان” المسؤولية عن ذلك، مضيفاً لـ”963+” أن للسلطات المحلية دور أساسي ومباشر في إنشاء المدارس الخاصة بهدف الاستثمار لا الحاجة، وانتقال الكفاءات من المعلمين نحوها ونحو أعمال أخرى بسبب رواتبهم المتدنية، ليبقى الطلاب في صراع بين الدراسة المتقطعة أو التسرب المدرسي”.
عبد الرحمن الأصيل نازح من حمص إلى مخيم أرض الجمعية بريف إدلب الشمالي، أب لأربعة طلاب في المرحلة الابتدائية، نقل أبناءه إلى مدرسة خاصة في العام الفائت خوفاً عليهم من الفشل التعليمي والضياع، “ففي جواره لا يوجد إلا مدرسة واحدة، تعليمها ضعيف”، كما يقول لـ”963+”، ثم اضطر بعد نحو شهرين من الدوام المدرسي أن أعيدهم إلى المنزل، وأعتمد مع والدتهم على التعليم المنزلي بسبب الدخل المادي المتدني، “فالقسط الشهري في المدرسة الخاصة 80 دولاراً، حتى بعد الخصم الذي حصلنا عليه للإخوة”.
وكانت منظمة اليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد أصدرت بياناً في 24 كانون الثاني/يناير 2021، بمناسبة اليوم الدولي للتعليم، قالت فيه إن أكثر من 2,4 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا، 40% منهم من الفتيات.