جنيف
أقرَّ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمس الخميس، قراراً تقدّمت به المملكة البريطانية المتحدة نيابة عن كل من فرنسا وألمانيا وهولندا وقطر وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، بشأن حالة حقوق الإنسان في سوريا.
وقال ممثل المملكة لدى الأمم المتحدة في جنيف سيمون مانلي، في بيان تمهيدي بشأن سوريا” إنّ رئيس لجنة التحقيق الدولية باولو بينيرو، وصف سوريا بأنها “مستنقع من اليأس”، مضيفاً أن هذا “وصف مناسب، وإن كان مأساوياً، لعمق المعاناة الإنسانية التي لا يزال السوريون يتحملونها على أيدي الحكومة وحلفائها”.
وذكر مانلي، أنّ تقرير اللجنة “يوثق العنف ضد المدنيين، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز في ظل ظروف مروعة للغاية، حيث ينتشر التعذيب والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي”.
وأوضح أنّ “العائلات لا تتلقى أية معلومات، أو تتلقى معلومات مضللة عن مصير أحبائها ومكان احتجازهم بعد اعتقالهم”، مشيراً إلى أنه “لا توجد نهاية للقسوة التي يبدو أنّ الحكومة السورية على استعداد لفرضها على أولئك الذين من المفترض أن يحميهم”.
انتهاكات “جسيمة”
ويدين مشروع القرار، الانتهاكات “الجسيمة” لحقوق الإنسان ويؤكد ضرورة المساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وأهمية التوصل إلى حل سياسي في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254، ويتضمن دعوات ملحّة لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، كما يسلط الضوء على معاناة الأطفال والنساء في ظل النزاع.
وصوتت 26 دولة مع القرار، وعارضته أربع دول هي الصين وكوبا وإريتريا وبورندي، في حين امتنعت 17 دولة عن التصويت، بينها الجزائر والكويت والمغرب والإمارات العربية المتحدة.
ويدين القرار الانتهاكات الواسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك القصف العشوائي، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والعنف الجنسي، مشيراً إلى تأثير هذه الانتهاكات على المدنيين، خاصة الأطفال والنساء.
ويدعو، جميع الأطراف المتنازعة إلى الالتزام بالقانون الدولي ووقف الهجمات على المدنيين، مشدداً على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات لضمان تحقيق العدالة.
ويوثق القرار الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأطفال، بما في ذلك العنف الجنسي والاعتداءات في مراكز الاحتجاز، ويشير إلى أن أكثر من “5,000 طفل ما زالوا محتجزين أو مفقودين في سوريا”، بسبب علاقتهم المفترضة بالمعارضة، ويؤكد الحاجة إلى حماية الأطفال من العنف والاستغلال، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم.
كما يشير القرار إلى استهداف النساء بالعنف على أساس الجنس، مما يحد من حقوقهن، مثل التعليم والمشاركة في الحياة العامة، ويؤكد ضرورة معالجة الفجوات القانونية التي تعيق نقل الجنسية إلى الأطفال وضمان الوصول للعدالة للضحايا.
وينوّه القرار إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب البلاد في شباط/فبراير العام 2023، مما أدى إلى تفاقم الأزمة، ويشدد على أهمية الحفاظ على وصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن ومستدام، ويحث جميع الأطراف على إزالة العقبات التي تحول دون وصول المساعدات إلى المحتاجين، بما في ذلك المساعدات عبر الحدود.
ويلفت القرار الانتباه إلى أن 2.4 مليون طفل خارج المدارس، مؤكداً أن النزاع المستمر يزيد من تعقيد وصول الأطفال إلى التعليم، بسبب استخدام المنشآت التعليمية لأغراض عسكرية.
ويؤكد، أهمية وقف إطلاق النار الشامل في جميع أرجاء سوريا، تماشياً مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة، ويدعو إلى إجراء مفاوضات بقيادة سورية، تشمل مشاركة النساء بشكل متساوٍ وآمن، لاستعادة احترام حقوق الإنسان وتحقيق تسوية سياسية شاملة.
كما يؤكد القرار أيضاً، دعم جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، لإحراز تقدم في العملية السياسية، ويشدد على ضرورة تنفيذ جميع جوانب قرار مجلس الأمن 2254.
ويشدد القرار على ضرورة إنشاء آليات تحقيق ومساءلة فعالة لتحقيق العدالة والمصالحة، ويثني على الجهود المبذولة من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة والآلية الدولية المحايدة، مع التأكيد على أهمية مشاركة الضحايا في هذه العمليات لتحقيق تسوية شاملة ومستدامة.
وعن اللاجئين السوريين، ينص القرار بأنّ سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين والنازحين، داعياً حكومة دمشق إلى تهيئة الظروف اللازمة لعودتهم الآمنة والطوعية والكريمة، ويطالب القرار بتوفير الحماية من الانتهاكات للنازحين داخل المخيمات.
ويختتم قرار مجلس حقوق الإنسان بتجديد الدعوة إلى المجتمع الدولي للتضامن مع الشعب السوري، والعمل على وضع حد للانتهاكات ودعم جهود التوصل إلى حل سياسي شامل، بما يضمن حماية حقوق الإنسان واستعادة الاستقرار في سوريا.
فظائع النزاع
وفي السياق، ذكر عضو لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا هاني مجالي، أنّ “الأحداث في درعا كانت تحمل نفس بصمة البعض من أبشع الفظائع المرتكبة خلال أكثر من عقد من النزاع السوري، في حين أنّ القوات الحكومية المتمركزة على بعد أمتار قليلة من المجزرة فشلت في التدخل وحماية المدنيين، مُظهِرة مدى انزلاق سوريا نحو حالة الفوضى”.
وأضاف: “القوات الأمنية والفصائل المفترسة تستخدم العنف والاعتقال والتهديدات لسلب الناس أموالهم عن طريق الابتزاز، وقد يكون المرء عرضة للاعتقال أو التعذيب أو الاغتصاب أو الوفاة في الاعتقال أو الاختفاء في كل أنحاء البلاد إن كان معارضا للسلطات.”
وزير الخارجية السوري يلقي خطاباً مضللاً في مبنى الأمم المتحدة
ومن جهتها، قالت عضو اللجنة لين ولشمان: “قمنا بتوثيق حالات لتعذيب وإعدام معتقلين في شمال غرب سوريا من طرف (هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقا)، فالهيئة وبعض فصائل الجيش الوطني السوري في الشمال تستخدم في مرافق الاحتجاز الواقعة تحت سيطرتها العديد من نفس أساليب التعذيب القاسية التي تستخدمها الحكومة”.
وتابعت ولشمان: “لازال حوالي 30 ألف طفل مُحتجز من طرف قوات قسد في ظروف مزرية في مخيمي الهول وروج، بسبب انتساب آبائهم/أمهاتهم المزعوم إلى تنظيم الدولة.”
وأضافت عضو اللجنة: “على نحو صادم، فإن بعض النساء والفتيات والفتيان من الإيزيديين، وهم من الناجين من الإبادة ومن جرائم أخرى لتنظيم الدولة، تم احتجازهم لمدة تفوق خمس سنوات الآن، إلى جانب من قام باضطهادهم.”
وأُنشأت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في 22 آب/أغسطس العام 2011، من طرف مجلس حقوق الإنسان بموجب القرار S-17/1، وتتمثل ولاية اللجنة في التحقيق بشأن كل الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة منذ آذار/مارس 2011 في سوريا.
وكلف مجلس حقوق الإنسان، اللجنة بإثبات الوقائع والظروف التي قد ترقى إلى مثل تلك الانتهاكات والخاصة بالجرائم المرتكبة مع القيام بها، حيثما أمكن، بتحديد الجناة للتأكد من مساءلة مرتكبي تلك الانتهاكات، بما في ذلك التي قد ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية.
وقام مجلس حقوق الإنسان أكثر من مرة بتمديد ولاية اللجنة منذ ذلك الحين، حيث مدد الولاية للمرة الأخيرة حتى 31 آذار/مارس 2025.