بغداد
أعلنت جهات رسمية عراقية وأميركية، أمس الخميس، المساهمة في إعادة فتاة إيزيدية إلى عائلتها في سنجار العراقية بعد أكثر من عشرة أعوام على اختطاف مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لها وآلاف الإيزيديات الأخريات.
وأشعلت قضية العثور على الإيزيدية المختطفة في قطاع غزة العديد من التساؤلات عن كيفية وصولها للأراضي الفلسطينية، وعن قضايا أكبر مثل العلاقة بين التنظيمات الجهادية، ولأيّ دول يمكن أن تكون الناجيات الأخريات
قد وصلن؟
إنها الفتاة فوزية أمين سيدو التي اختطفها تنظيم “داعش” أثناء هجومه على منطقة سنجار عام 2014 حين كانت طفلة في الـ11 من عمرها.
وظهرت الفتاة مع أفراد من عائلتها في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وردّد أقاربها عبارات الشكر لله، بينما كان آخرون يقدّمون التهاني لهم بنجاة ابنتهم.
وقال مسؤولون وأفراد من العائلة لوسائل الإعلام إنهم سعداء بعودتها وإنهم لم يطرحوا عليها أسئلة لأنها بحاجة إلى الراحة بعد وصولها لعائلتها.
وقبل شهر، استذكر الإيزيديون في العالم الذكرى العاشرة للجرائم التي ارتكبها تنظيم “داعش” بحقّهم، والتي اعترفت الأمم المتحدة وحكومات وبرلمانات عديدة بأنها إبادة جماعية.
اختطاف عبر عدة دول
وأعلن جهاز المخابرات العراقي تحرير الفتاة الإيزيدية “في إحدى الدول الإقليمية”، دون أن يسمِّها، ثم إيصالها إلى بغداد صباح الأربعاء الماضي، لتبدأ إجراءات تسليمها لذويها.
وتنحدر فوزية سيدو من ناحية القحطانية الواقعة في الجهة الغربية لمحافظة نينوى العراقية بالقرب من الحدود السورية.
وتعرضت الطفلة المختطفة منذ العام 2014 للاختطاف والاستعباد بطريقة “السبي” على يد أحد مسلحي تنظيم “داعش”، واستمرّت معاناتها معه حتى مقتله قبل عدة أعوام.
وقال الموقع الرسمي لوزارة الخارجية العراقية إن تحرير المختطفة تمّ بجهود مشتركة وتنسيق عالٍ مع “سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في بغداد وعمان، والسلطات الأردنية”.
وأضافت الوزارة أنه جرى نقل الفتاة لعدة دول قبل تحريرها الذي تطلّب جهوداً ومتابعة منذ أربعة أشهر، بينما قال مسؤول محلي إيزيدي إنهم كانوا على اتصال بالمختطفة منذ أكثر من عام.
وقالت وكالة رويترز إن تحرير المختطفة من قطاع غزة تم هذا الأسبوع بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبعد “عملية سرية استغرقت شهوراً، وشاركت فيها إسرائيل والعراق”.
وقال رئيس ديوان وزير الخارجية العراقي، سلوان سنجاري، لرويترز، إن الإفراج عنها جاء بعد أكثر من أربعة أشهر من الجهود التي شملت عدة محاولات باءت بالفشل بسبب الوضع الأمني الصعب الناجم عن الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة.
اختطاف ثانٍ
اختطفت والدة العنصر المقتول الفتاة مجدداً، من خلال نقلها من الأراضي التي كانت تسيطر عليها داعش في سوريا والعراق إلى قطاع غزة.
وقالت مدير عام الناجيات الإيزيديات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، سراب إلياس، لشبكة رووداو الإعلامية الكردية، إن فوزية كانت متواجدة في قطاع غزة منذ أربعة أعوام.
وقال مدير مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين التابع لرئاسة إقليم كردستان العراق، حسين قائدي، للشبكة نفسها، إن شقيق المسلح المقتول كان قد “عقد قرانه على فوزية واتخذها زوجة”.
وفي الوقت الذي نسبت فيه المخابرات العراقية الفضل لحكومتها في تحرير الفتاة، قال مسؤولون لرويترز إن العملية برمّتها كانت بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بينما تحدثت روايات أخرى عن دور جهات خيرية بالإضافة للتسهيلات الإسرائيلية والأردنية أثناء استعادتها.
ويبدو أن كلاً من هذه الجهات ستتمسّك بروايتها ريثما تحصل الفتاة على حاجتها من الراحة والدعم النفسي، هذا إن رأت فائدة في التحدّث للإعلام.
إبادة جماعية
هاجم مسلحو تنظيم “داعش” في 3 أغسطس 2014، منطقة سنجار العراقية التي يقطنها أغلبية من الأكراد الإيزيديين، وقتلوا الآلاف من الرجال، واختطفوا 6.417 من الإيزيديين، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
وفي آذار/ مارس عام 2019، تمكنت قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي من القضاء على آخر المعاقل الجغرافية لتنظيم “داعش” إقليمياً، وكانت القوات العراقية قد أعلنت قبل ذلك استعادة أراضيها التي سيطر عليها التنظيم.
واستمرّت خلايا التنظيم بعد ذلك في شن هجمات وتنفيذ تفجيرات في سوريا والعراق ودول أخرى.
وتعرضت النساء والفتيات المختطفات لأشكال مختلفة من العنف والاستعباد والاغتصاب وأشكال المعاملة اللاإنسانية، وأجرت محاكم عراقية وأوروبية محاكمات لعناصر “داعش” الذين تم التعرف عليهم بعد ارتكاب الانتهاكات ضد الإيزيديات.
وجرى تحرير أكثر من نصف المختطفات الإيزيديات، بحسب إحصاءات مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين في إقليم كردستان العراق.
وفي أغسطس الماضي، قالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، براميلا باتن، إن من المرجّح أن العديد من الناجين والناجيات ما زالوا محتجزين، وقد لا يكشفون عن هويتهم بسبب مخاوف من الانتقام أو انفصالهم عن أطفالهم.
وأضافت أن هناك قلقاً بالغاً من أن يكون الأطفال الإيزيديون من بين المفقودين، وقد لا يعرفون أو يتذكرون هويتهم لأنهم كانوا صغاراً جداً وقت الاختطاف.
وفي حالة الناجية فوزية سيدو، تفيد التصريحات أن الشخص الذي اختطفها في البداية كان عنصراً لتنظيم “داعش”، لكنّ الاستعباد استمر على يد عائلته التي انتقلت لغزة الخاضعة لحركة “حماس”.
ورغم عدم وجود ارتباط هيكلي بين “داعش” و”حماس”، إلا أن استعباد الفتاة فوزية استمر حتى بعد انتهاء حكم تنظيم داعش على الأرض.
لكن ارتكاب الانتهاكات ضد الأقليات الدينية شائع لدى غالبية التنظيمات المتشددة، لا سيما ضد الإيزيديين في العراق وسوريا.
لجنة أميركية: فصائل مدعومة من تركيا دمرت دور عبادة شمال سوريا
وتبقى قصة فوزية مختلفة عن قصص الناجيات الإيزيديات اللواتي عُثر عليهنّ في سوريا والعراق، من خلال تفاصيل عبورها المناطق وحدود الدول الإقليمية.
كما تعيد القصة التذكير بانتشار عائلات مسلحي “داعش” في أرجاء العالم بعد انهيار سيطرة التنظيم الجغرافية، مع أسرار عن مصير نحو 2600 آخرين من الإيزيديين، لا يزالون مسجلين كمفقودين لدى الحكومة العراقية.