خاص – دير الزور
من كل دول العالم، كان الحجاج الشيعة يتقاطرون إلى عين علي، البعيدة كيلومترات قليلة من مركز مدينة الميادين على أطراف البادية السورية، وقد سمي هذا المزار تيمناً بعين ماء في المكان.
وبعدما طردت القوات الحكومية والفصائل المدعومة من إيران تنظيم “داعش”، المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى، من مناطق غرب الفرات شمال سوريا، وضعت إيران يدها على مزار عين علي بحجة “حماية المراقد المقدسة”.
وفي أواخر عام 2018، بنى الحرس الثوري الإيراني تحصينات مسلحة بالحديد في حرم المزار، كما حفر انفاقاً ضخمة، ثم أعلن حرم المزار قاعدة عسكرية، مانعاً اقتراب المدنيين والحجاج، علماً أن القاعدة تبعد نحو 300 متر عن المزار. واليوم، يتولى العراقي الحاج أبو زينب الكربولي مسؤولية مكتب الحجاج والإشراف على المزار.
كاشف الأسرار
جعفر أبو البتول عنصر في “الحرس الثوري” الإيراني ينحدر من مدينة السخنة بدير الزور ويعمل في قاعدة عين علي مشرفاً على المطعم المخصص للعناصر منذ 3 سنوات، يكشف لـ”963+” عن معلومات حصرية عن القاعدة، في تسريب هو الأول من نوعه لما تتألف منه القاعدة.
تتألف القاعدة الإيرانية القريبة من مزار عين علي من أقسام علنية وأخرى سرية. ويقول أبو البتول: “الأقسام العلنية هي الظاهرة فوق الأرض، كالغرف العادية التي يقيم فيها المستشارون، ومكاتب الضباط الإداريين، وقاعة للاجتماعات، وغرف للمراقبة، ومطعم. وفي القاعدة أكثر من 200 شخص بين مستشار وضابط وقياديين وإداريين وعناصر حراسة، أغلبيتهم من جنسيات عراقية وإيرانية ولبنانية، وجميعهم من الشيعة”.
وفي الأقسام السرية مستودع سلاح ضخم، يشرف عليه قيادي إيراني يدعى “أزاد”، له مداخل ومخارج عدة تحت الأرض، تمتد جميعها في أنفاق إلى خارج محيط القاعدة، كما يسرّب أبو البتول، مضيفاً: “تدخل بين الحين والآخر سيارات مدنية إلى هذا المستودع، فتُفرغ حمولتها وتخرج، ولا نسمع إلا ضجيجاً، ولا نعرف أنواع الأسلحة التي تخزن هناك، ولا نستطيع الاقتراب من المكان بسبب انتشار كاميرات المراقبة، كما يُمنع العناصر من الأقتراب من أبواب الأنفاق إلا برفقة أحد المستشارين الإيرانيين”.
سجن واجتماعات
وفي هذه الأقسام أيضاً سجنٌ، بشهادة أبو البتول، “معتم حالك، يشرف عليه الضابط العراقي ’حيدر‘ المعروف بقسوته وجبروته، ويتميّز برائحة نتنة، فيه غرف عدة بينها غرف التعذيب”. يضيف: “لا أحد يعرف عدد المساجين هناك، فإننا ننزل إلى النفق مرة في الأسبوع لنجمع بقايا الطعام والخبز العفن، يفتشوننا قبل الدخول إلى القبو وبعد الخروج منه، كي يصادروا أي أجهزة اتصال أو كاميرات تصوير”.
ولم يسمع أبو البتول لهجة سورية في السجن، “فأغلبية المساجين من جنسيات إيرانية وعراقية، كانوا في عداد الفصائل المدعومة من إيران، لكن ثبت تورطهم بالعمالة أو التجسس لصالح جهات أخرى، فأودِعوا هذا السجن السري، وغالباً ما نسمع صراخهم في أثناء تعذيبهم، وهو صراخ مخيف، ربما يخيفني أكثر من تخيل قسوة التعذيب الذي يتعرض له السجين”..
إضافة إلى المستودع والسجن، ثمة قاعة للاجتماعات السرية مكيفة ومجهزة بكاميرات مراقبة، قريبة جداً من السجن، وفيها مقاعد وشاشة عرض كبيرة. يُعقد اجتماع في هذه القاعة كل أسبوع تقريباً، “لكن الغريب أن الأشخاص الذين يعقدون الاجتماعات يأتون من خارج القاعدة، يدخلونها بسيارات حديثة مصفحة ومظللة بشكل كامل، وسط إجراءات أمنية دقيقة في القاعدة وفي محيطها، مع قطع شبكة الإنترنت ونشر عناصر إيرانيين للحراسة بدلاً من عناصر الحراسة الاعتياديين، ويستمر الاجتماع ساعات طويلة، ويشارك فيه مسؤول السجن ومسؤول الحجاج ومسؤول السلاح”.
التغلغل الإيراني في سوريا: من التغيير المذهبي إلى البناء المسلح
المقبرة
أما القسم الرابع فهو المقبرة. يروي أبو البتول: “والمقبرة هي عبارة عن ثلاثة قبور طولية الشكل، متصلة بعضها ببعض، وملاصقة للقاعدة”. وبحسبه، يُمنع أي شخص من الدخول إلى المقبرة، وكل من دفن فيها كان سجيناً في السجن، قتل هناك أو لقي مصرعه تحت التعذيب.
ويقول: “منذ أيام، شاهدت عناصر إيرانيين يدفنون عنصراً عراقياً كان يخدم ضمن القاعدة منذ شهور، اختفى بين ليلة وضحاها. عندها، تم إبلاغنا أنه نُقل إلى مركز حراسة في الأراضي العراقية، لكنني رأيته في السجن بلمحة عابرة في أثناء جمعي فتات الطعام، ولا أعرف لماذا اعتُقل، ولا كيف قُتل”.
بعد أسبوع من دفنه، وصلت سيارة إسعاف ترافقها دورية عناصرها إيرانيون كلهم، نبشوا قبراً ملاصقاً لقبر ذلك العنصر العراقي، وأخرجوا جثة مجهولة، ووضعوها في سيارة الإسعاف ونقلوها خارج القاعدة بحسب أبو البتول