أحمد الجابر – دمشق
باتت إسرائيل أكثر وضوحاً في مواجهة “حزب الله” اللبناني، منذ الجمعة الماضي عندما قتلت الأمين العام للحزب حسن نصر الله بضربة جوية في ضاحية بيروت الجنوبية.
حينها، أسقطت إسرائيل أطنان المتفجرات في المكان الذي قالت إنه المقر المركزي لـ “حزب الله”، وسوّت قنابلها 6 أبنية بالأرض، واستغرق البحث عن جثة نصر الله يومين حتى عثرت الفرق عليها.
ودخل “الحزب” الذي لم يعيّن بديلاً لنصر الله بعد، في حالة من التخبط، لاسيما أن إسرائيل استمرت بملاحقة قادة بارزين فيه.
على عكس تل أبيب التي لم تتوقف بعد اغتيال رأس هرم “حزب الله” وقتلت بضربات جوية في الضاحية نبيل قاووق، وحسن خليل ياسين، وهما قياديان بارزان بصفوف الحزب المدعوم من إيران.
ورغم اغتيالها كامل هرم قيادة “حزب الله” إلا أن إسرائيل مستمرة في تصعيد القصف، واستهدفت فجر الاثنين شقة سكنية خارج معقل “الحزب”، قتلت فيها ثلاثة قادة في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” في العاصمة اللبنانية بيروت.
يقول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن “اغتيال نصر الله مهم، لكنه ليس النهاية”. هنا يُطرح سؤال عن ما هي السيناريوهات المحتملة للحرب في لبنان؟
اجتياح وشيك
يبدي الجيش الإسرائيلي استعداده لحرب أوسع، ويقول إن “العملية البرية خيار مطروح”، وقال رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي إن “أياماً صعبة تنتظر إسرائيل”.
ويتوقع الجيش أن “حزب الله” لا يزال بإمكانه إطلاق النار على إسرائيل.
وقالت صحيفة “هآرتس” إن مسؤولين كباراً في القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي يضغطون من أجل بداية غزو بري للبنان.
وذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن تل أبيب تسعى لاجتياح لبنان من أجل التفاوض على إخراج مقاتلي “حزب الله” من الحدود باتفاق مكتوب.
وحشدت تل أبيب قوات كبيرة للغاية في المنطقة الشمالية بعد تحول التركيز إلى الحرب ضد لبنان الذي شهد هجمات إسرائيلية يومية على أهداف لـ “حزب الله” شملت اغتيال نصر الله.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هاليفي، الأسبوع الماضي، إن الغارات الجوية ضد حزب الله “كانت استعداداً لغزو بري، ونحن نستعد لعملية برية، وهو ما يعني أن أحذيتكم العسكرية، أحذيتكم المناورة، ستدخل أراضي العدو”.
فيما قالت صحيفة “وول ستريت” الأميركية نقلاً عن مصادر إن “قوات خاصة إسرائيلية تنفذ توغلات صغيرة في جنوب لبنان، لجمع المعلومات الاستخباراتية والتحقيق قبل شن اجتياح بري أوسع نطاقاً قد يأتي هذا الأسبوع”.
وأشارت الصحيفة إلى أن توقيت أي اجتياح بري قد يتغير، حيث تتعرض إسرائيل لضغوط شديدة من الولايات المتحدة لعدم القيام بغزو كبير.
ولم يتضح على الفور المدة التي تهدف إسرائيل إلى البقاء بها على الأراضي اللبنانية، أو شكل هذا الغزو، بحسب “وول ستريت”.
وتتحدث الإدارة الأميركية عن ضغوط على إسرائيل كي تمتنع عن اجتياح بري في لبنان، إلا أنها عززت القوات الأميركية في المنطقة بادعاء ردع دول مثل إيران عن التدخل والاستعداد للرد على أي تصعيد.
وقال وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أمس الأحد، إنها ستبقي على حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” والسفن المرافقة لها بالقرب من البحر الأحمر.
فيما وصلت حاملة الطائرات “هاري إس ترومان” إلى البحر المتوسط، علما أنه من غير المعتاد أن تحتفظ الولايات المتحدة بحاملتي طائرات في المنطقة.
محاولات متأخرة للاحتواء
نقلت صحيفة “جيروزاليم” عن مصادر في الجيش الإسرائيلي إنهم مندهشون من عدم فاعلية “حزب الله” في الرد بعد مقتل أمينه العام نصر الله.
وتلقى “الحزب” ضربات “مزلزلة” خلال أيام قليلة إذ أنه لم يخرج من صدمة تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية، حتى قُتل أمينه العام ذو الشعبية الواسعة.
ورغم تصريحات “حزب الله” إنه سيعين قادة بدل عمن قتلتهم إسرائيل إلا أنه لم يعين بعد أميناً عاماً في حين تميل ترجيحات إلى هاشم صفي الدين قريب نصر الله، وأثّر مقتل القادة على عمليات “حزب الله العسكرية”.
وفي وقت كان يُنتظر فيه تعيين أميناً عاماً لحزب الله، خرج نائب الأمين العام نعيم قاسم في كلمة مصورة، يبدو أن هدفها الأبرز معنوياً.
قال قاسم: إن “حزب الله مستمر بأهدافه، وسنتابع الخطط البديلة التي وضعها نصرالله، والجميع حاضر في الميدان”
وشدد على أن “رغم فقدان بعض القادة، لن نتزحزح عن مواقفنا، وستواصل المقاومة مواجهة العدو الاسرائيلي، ومساندة لفلسطين ودفاعاً عن لبنان”.
وأشار إلى أن “ما نقوم به هو الحد الأدنى، وسنقوم بمتابعة المعركة حسب الخطط المرسومة”.
وتحدث عن أن “إسرائيل لم تستطع ضرب قدراتنا العسكرية”، معتبراً هذا “حلم لم ولن يصلوا إليه”، لأن “قدرتنا متينة وكبيرة، ولدينا الجهوزية الكاملة”.
وقال قاسم: “سنفوز كما فزنا في تموز 2006. النصر حليفنا ونحتاج بعض الصبر أما العدة فقد أعدينا ما لدينا”.
إلى شمال الليطاني
تبحث إسرائيل عن تأمين مناطقها الشمالية التي شهدت حركات نزوح نتيجة قصف حزب الله المتكرر للمنطقة، لذا باتت ترى أن وجود الحزب بالقرب من الشريط الحدودي يشكل خطراً عليها.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم الإثنين، إن إسرائيل لن توقف إطلاق النار في لبنان، وفق ما نقلت الإذاعة الإسرائيلية.
وأضاف: “إسرائيل تريد انسحاب حزب الله إلى ما بعد الليطاني ونزع سلاحه، تطبيق كل قرارات مجلس الأمن السابقة حول لبنان، سيتيح التوصل إلى وقف إطلاق النار”.
وشهد لبنان في صيف 2006 حرب مدمّرة مع إسرائيل، عرّضت البنى التحتية جنوبي البلاد لدمار هائل، وانتهت الحرب بعد 32 يوماً مع صدور القرار الأممي “1701”.
ونصّ القرار على إنهاء العمليات القتالية وإضافة 15 ألف جندي لقوة حفظ السلام الدولية في لبنان (يونيفيل)، وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأزرق، ومقاتلي “حزب الله” إلى شمالي نهر الليطاني.
وفي خضم الحديث عن عملية برية في لبنان، أبدى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بعد لقائه برئيس مجلس النوب، نبيه برّي، اليوم الاثنين، استعداد حكومته للالتزام بتطبيق القرار 1701 بعد وقف فوري لإطلاق النار.
وتطالب إسرائيل بانسحاب مقاتلي “حزب الله” إلى شمالي نهر الليطاني، وتقول إنها ستنفذ عملية برية لضمان ذلك
وبحسب ميقاتي، سيسعى لبنان مع وقف إطلاق النار لنشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية مع فلسطين، وسحب “حزب الله” لقواته. وستتواجد إلى جانب الجيش قوات دولية.
ماذا عن الحلفاء؟
قال ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إنّ طهران لن ترسل مقاتلين إلى لبنان وغزة لمواجهة إسرائيل.
وأضاف: خلال مؤتمر صحفي، “نعتقد أن حزب الله لديه القدرة على الدفاع عن نفسه ضد إسرائيل، ولا داعي لإرسال قوات متطوعين إيرانية”، وفق ما نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية.
وقال كنعاني: “لم يكن لدينا أي طلب من أي جانب لإرسال قوات. لقد أثبت لبنان أنه قادر على هزيمة النظام الصهيوني، وطرد قوات الاحتلال من مناطق النزاع عام 2000. المقاومة لديه القدرة على دعم نفسها”.
واعتبر أن عدم قيام طهران بالرد على عمليات الاغتيال والهجمات التي تشنها تل أبيب بالمنطقة، سببه “صبر لحكمة تحتمها أوضاع المنطقة”.
وتابع: “صبرنا يأتي من باب الحكمة وفي إطار الحفاظ على الأمن الإقليمي، والكيان المحتل يعلم أننا قادرون على الرد على مغامراته الحمقاء ولن نتهاون بالدفاع عن مصالحنا”.
وأمس الأحد، قال وزير الخارجية، عباس عراقجي: “من المؤكد أن مقتل نصر الله خسارة كبيرة، لكنها لن تسبب أي خلل في المقاومة، والدليل أن مقتل الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي، أدى إلى نمو الحزب وتعاظمه”.
وكانت إيران قد اكتفت بالتعبير عن “قلقها العميق” تجاه ذراعها في لبنان، بينما تُتهم طهران بالتخلي عن حزب الله في معركته ضد إسرائيل.
وتتشابه في الحال مع الحكومة السورية التي اكتفت ببيان إدانة بعد يوم من الغارة التي قتلت الأمين العام لحزب الله.