غاندي المهتار – بيروت
أثار اغتيال حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله”، تكهنات وسيناريوهات ونظريات مؤامرة مختلفة حول الغارة الإسرائيلية التي أودت بحياته في المركز الرئيسي للحزب على عمق 4 طبقات تحت الأرض، أسفل بناء سكني في منطقة حارة حريك بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، في يوم الجمعة 27 أيلول/سبتمبر الجاري.
لا خداع
أحد أكثر السيناريوهات إثارة للجدل هو “الخطة المحكمة لتنفيذ عملية الاغتيال”، وأن سفر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، “كان جزءًا من عملية خداع، كي يشعر نصر الله وقادة حزبه بأن شيئاً لن يتم في غياب نتنياهو، فحصل استرخاء في التدابير الأمنية، ما فتح ثغرة استغلتها إسرائيل”.
وينفي مسؤولون إسرائيليون لصحيفتي “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية و”نيويورك تايمز” الأميركية هذا الأمر، ويزعمون أن نتنياهو ضغط لتأجيل الاغتيال حتى عودته من نيويورك، لكنه استجاب لضغوط وزير دفاعه يوآف غالانت ورؤساء المنظومة الأمنية الذين كانوا يخشون فقدان فرصة نادرة.
وتضيف الصحيفة العبرية: “كانت هناك جاهزية عملياتية منذ الثلاثاء، وضغط نتنياهو بكل قوته لتنفيذ العملية، وطلب مواصلة الغارات لإلحاق الضرر بقدرات ’حزب الله‘ العسكرية. وحصل اجتماع هاتفي مع الكابينت من نيويورك صباح الجمعة ليلاً وتقرر تخويل نتنياهو وغالانت تنفيذ الاغتيال”.
وتتابع الصحيفة روايتها: “في الساعة الرابعة، وصلت ’معلومة ذهبية‘ تفيد بوجود نصر الله في المركز الرئيسي للحزب، فأتى الضوء الأخضر النهائي على الهاتف الأحمر، وقبل دقائق قليلة من الاغتيال أبلغت اسرائيل الأميركيين بالهجوم والهدف. وكان ما كان”.
خيانة داخلية
تفترض نظرية أخرى أن اغتيال نصر الله ربما يكون قد انطوى على خيانة داخل “حزب الله” أو بين حلفائه. تقول وكالة “رويترز”: “في أعقاب الهجوم، سرت تكهنات حول من كان لديه إمكانية الوصول إلى معلومات حساسة حول تنقلات أمين عام ’حزب الله‘، والتي يمكن أن تسهل مثل هذا الهجوم”.
وأفاد بعض الصحفيين اللبنانيين بأن الكثيرين يشككون في ولاء بعض القيادات داخل “حزب الله” نفسه، “خصوصاً بعد إعلان إسرائيل نفسها أنها تلقت ’معلومة ذهبية‘ تؤكد وجود نصر الله في الموقع المستهدف، ما يشير إلى أن شخصاً ما ربما يكون قد سرب تفاصيل مهمة حول تحركات نصر الله أو الترتيبات الأمنية”، كما تقول “واي نت” الإسرائيلية.
وتضيف “رويترز”: “إن سرعة الغارة، والصواريخ الدقيقة وشديدة الانفجار المستخدمة، وكثافة النيران، عوامل تؤكد أن تل أبيب كانت متأكدةً أن نصر الله موجود في هذا المكان”.
وطرح بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، ممن يناصرون “حزب الله”، أسئلة من قبيل: “كيف يكون نصر الله وحده في الاجتماع، وكلا يكون معه نائبه نعيم قاسم؟”، غامزين من قناة اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية، الرئيس السابق لحركة “حماس”، في بناء محمي في قلب طهران، حيث كان قاسم في المبنى نفسه، ولم تقدم إسرائيل على اغتياله، رغم أنها كانت فرصة سانحة. وهذا ما لم يتأكد أبداً، وما لم تتحدث عنه أي من التقارير التي تناولت عملية اغتيال هنية.
خيانة إيرانية
حين خرجت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية صباح اليوم معلنة أن “جاسوساً إيرانياً هو من دلّ إسرائيل على مكان نصر الله، ما أدى إلى اغتياله”، عزز هذا الخبر همساً متداولاً في بيروت، مفاده أن لإيران مصلحة في تحييد نصر الله في هذه المرحلة، التي يحاول فيها الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان التقرّب من الإدارة الأميركية.
وكان أول من أشاع هذه الأجواء النائب اللبناني السابق وئام وهاب، أحد مناصري نصر الله، بتصريح متلفز قال فيه: “إيران باعتنا للأميركيين”.
وتقول “هآرتس” الإسرائيلية: “إن السرعة المذهلة لتهافت القيادة العليا في حزب الله، منذ عملية تفجير أجهزة الاتصال في 17 من الشهر الجاري، ثم اغتيال قادة قوة الرضوان جميعهم، وتتبع القادة الميدانيين بالحزب وقتلهم في لبنان وسوريا، وأخيراً قتل حسن نصر الله بسهولة تثير الصدمة، تدفعنا إلى الاقتناع بأن إسرائيل كانت قادرة فعلياً على تنفيذ هذه العمليات من زمن، لكن كان ثمة خطوط حمراء تمنعها، واليوم سقطت الخطوط الحمراء”، لافتةً إلى أن اغتيالاً بهذه الخطورة ما كان ليحصل لولا أن إيران غضّت الطرف.
من جانب آخر، رداً على ما تسميه “لو باريزيان” بأنه “طعنة في الظهر”، تسأل “نيويورك تايمز” إن كان ممكناً أن تتخلى إيران عن أهم قوة لها في المنطقة، “حيث كان ’حزب الله‘ درّة أذرعتها العسكرية؟”.
مات.. لم يمت
أصيب أنصار نصر الله بصدمة كبيرة عندما صدر البيان الرسمي عن الدائرة الإعلامية لـ”حزب الله” ناعياً الأمين العام. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل مرئية وصوتية تنفي موته، وتقول إنه حيّ لكنه سيغيب الآن عن الساحة السياسية، وأخرى تؤكد أنه لم يكن موجوداً في الأصل في ذلك الاجتماع، إنما أعلن ذلك من قبيل خداع الإسرائيليين.
وتداول أنصار نصر الله رسالة صوتية على هواتفهم تؤكد أنه حي يرزق، وأنه سيخرج في الوقت المناسب، حين تتوقف المسيرات الإسرائيلية عن التحويم في أجواء الضاحية الجنوبية.
واستمر تداول هذه الرسائل حتى بعد الإعلان على العثور على جثمان نصر الله، ونقل وكالة “رويترز” عن مصدرين أمنيين لبنانيين قولهما إنه لم يصب بجروح ظاهرة، إنما توفي بسبب العصف الذي سببه انفجار الصواريخ، وهو تحت الأرض.