أحمد الجابر/دمشق
بعد مرور أكثر من 24 ساعة على إعلان مقتل الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، الجميع كان ينتظر، فقد كان موقف سوريا، وخاصة بشار الأسد، هو الأكثر غموضاً في هذا الحدث الكبير.
وفي ليلة الجمعة 27 أيلول/ سبتمبر الجاري، هزّت انفجارات عنيفة الضاحية الجنوبية لبيروت. استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية المقر العسكري لـ”حزب الله”، الذي لطالما كان محصناً ضد أي هجمات سابقة.
في صبيحة اليوم التالي للهجوم أعلنت إسرائيل، عبر بيان رسمي، عن أن نصر الله قد قُتل، إلى جانب القيادي في الحزب علي كركي.
وجاء بيان للحزب يؤكد فيه مقتل أمينه العام نصر الله، وجاء فيه: “لقد التحق سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحوا من ثلاثين عاماً”.
ورغم العلاقة المتينة التي جمعت بين الحكومة السورية و”حزب الله”، جاء النعي متأخراً وبصورة مقتضبة، في بيان للرئيس السوري بشار الأسد، لم يتجاوز عدد كلماته 50 كلمة، نشرته وكالة الأنباء السورية “سانا”.
البيان الرسمي الذي صدر عن الأسد بدا بعيداً عن التفاعل العاطفي القوي الذي كان متوقعاً من دمشق. فقد جاء فيه: “تشارك الجمهورية العربية السورية الشعب اللبناني الشقيق أحزانه بمصابه الجلل باستشهاد سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله”.
تضمن البيان إعلان الحداد الرسمي في البلاد لمدة ثلاثة أيام، مع تنكيس الأعلام في جميع أنحاء سوريا.
لماذا تأخر النعي؟
السؤال الأبرز الذي تردد بين المتابعين كان: لماذا تأخر الأسد في نعي حسن نصر الله؟ كانت التكهنات متعددة. فمن جهة، أشارت بعض التحليلات إلى أن التأخير قد يكون نتيجة الحاجة إلى تنسيق موقف دمشق مع حلفائها، إيران و”حزب الله”، لضمان وحدة الرسائل السياسية في هذه المرحلة الحساسة.
ومن جهة أخرى، رأت بعض المصادر أن الأسد ربما كان يترقب ردود الأفعال الدولية والإقليمية قبل اتخاذ خطوة إصدار بيان رسمي. التصعيد الإسرائيلي في لبنان والأجواء المتوترة في المنطقة قد دفعته إلى التريث وتجنب أي تحرك قد يفاقم الوضع المتأزم.
غموض الإعلام السوري
من الملاحظ أن الإعلام السوري الرسمي تجاهل تماماً الحديث عن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مجمعاً سكنياً في الضاحية الجنوبية لبيروت مساء يوم 27 أيلول/ سبتمبر.
وفي وقت كانت جميع وسائل الإعلام العالمية والمحلية تنقل صور الدمار وأعمدة الدخان المتصاعدة من المواقع المستهدفة، فضلت دمشق الصمت.
حتى مساء الجمعة، كانت إسرائيل قد شنت غارات جوية عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، مدمرة عدة أبنية بالكامل.
وبينما كانت التقارير الإعلامية تتحدث عن سقوط قتلى وجرحى، ظل الإعلام السوري صامتاً، مما زاد من حالة الغموض حول موقف دمشق.
الضربة الإسرائيلية، التي وُصفت بالدقيقة والمحسوبة، استهدفت قادة بارزين في “حزب الله”، على رأسهم نصر الله.
وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تبرر هجماتها على الضاحية بأنها تستهدف “أشخاصاً يخططون لشن هجوم على إسرائيل”، لم تكن دمشق تبدو معنية بالتعليق على الحدث، رغم العلاقة الطويلة التي تجمعها بـ”حزب الله”.
حتى مع بدء التصعيد الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية وامتداده إلى مناطق أخرى في لبنان، مثل البقاع وبعلبك، لم يصدر عن دمشق سوى تصريحات مقتضبة، تكررت فيها نفس الصيغ الرسمية المعتادة.
تحالفات الأمس
لطالما كان “حزب الله” الحليف الأبرز للحكومة السورية، خاصة بعد اندلاع الحرب السورية في عام 2011. الحزب الذي كان له دور رئيسي في دعم الأسد ضد فصائل المعارضة، تورط في العديد من المعارك العسكرية على الأراضي السورية.
مقاتلو الحزب نشروا في مناطق عدة، لا سيما ريف دمشق وحمص وحماة. ومنذ انخراطه في الحرب السورية، فقد الحزب العديد من قادته البارزين في ضربات إسرائيلية استهدفت مواقعهم.
هذا التحالف الذي دام سنوات طويلة، جعل من الغريب موقف دمشق البارد تجاه مقتل نصر الله.
فالذاكرة تعيدنا إلى حرب 2006 عندما فتحت سوريا حدودها لدعم “حزب الله” في معركته ضد إسرائيل، وأمدته بالسلاح والصواريخ.
كان الدعم السوري في تلك الحقبة علنياً، لكن الأمور تغيرت كثيراً مع مرور الزمن.
اليوم، يبدو أن دمشق غير قادرة على تقديم نفس الدعم لـ”حزب الله” كما فعلت في الماضي. فالوضع الداخلي السوري بات هشاً للغاية، مع استمرار الحرب الأهلية في الشمال والبادية.
يقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن “سوريا ببساطة ليست في وضع يسمح لها بالتدخل في الصراع اللبناني. لا تمتلك دمشق القدرات العسكرية لمواجهة إسرائيل، خاصة في ظل الحرب المستمرة ضد المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا”.
ابتعاد محسوب عن “محور المقاومة”
بدا واضحاً خلال السنوات الأخيرة أن الأسد يتخذ خطوات محسوبة للابتعاد تدريجياً عن “محور المقاومة” الذي يضم إيران و”حزب الله”. فمع تصاعد الضغوط الإسرائيلية والدولية على الحكومة السورية، اختار الأسد التركيز على استقرار نظامه بدلاً من الانخراط في مغامرات عسكرية جديدة.
تحليل الأحداث الأخيرة، وفق تقارير صحفية، يظهر أن الأسد يحاول موازنة علاقاته مع حلفائه التقليديين، مثل إيران، ومع المجتمع الدولي.
فالحكومة السورية تمر بأزمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات المفروضة عليها، ولا تستطيع تحمل تبعات الدخول في صراع إقليمي قد يزيد من عزلتها ويعمق أزمتها الداخلية.
تحذيرات من الخارج
تشير تقارير إلى أن الأسد قد تلقى تحذيرات واضحة من بعض الحلفاء، مثل روسيا والإمارات، بعدم الانجرار إلى أي مواجهة مع إسرائيل.
في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، كشف موقع “Axios” عن تحذير إماراتي لسوريا من مغبة التدخل في الحرب بين “حماس” وإسرائيل.
كما تم توجيه رسالة مماثلة من إسرائيل، حيث هددت دمشق بالرد بقوة في حال تم استخدام الأراضي السورية لشن هجمات ضدها.
هذا الحذر من جانب دمشق يتماشى مع خطاب الأسد الأخير. فقد سبق أن صرح في أيار/ مايو الماضي خلال اجتماع للجنة المركزية لحزب البعث، بأن سوريا ستقدم الدعم لأي مقاومة ضد إسرائيل “ضمن إمكانياتها”، وهي عبارة تعكس مدى محدودية قدرة دمشق على التدخل الفعلي في الصراع الحالي.
“حزب الله”، من جهته، يبدو أنه قد تفهم موقف الأسد. ففي آب/ أغسطس الماضي، وبعد اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر، صرح نصر الله بأنه “ليس مطلوباً من سوريا أن تدخل في قتال مع إسرائيل”، مبرراً ذلك بالظروف الداخلية التي تمر بها دمشق.
استراتيجية البقاء
يرى الصحافي اللبناني على حمادة، أن موقف “يكاد يكون محايداً، ما خلا بعض البيانات التي صدرت عن خارجيتها”.
ويقول الصحافي اللبناني العامل في جريدة “النهار”، إن صمت دمشق “لا يعني أن الأراضي السورية لم تستخدم في سياق وحدة الساحات أو الرد عليها”.
ويشير إلى أن “حزب الله” يُعفي الحكومة السورية بسبب الظروف التي تمر بها، لكن في الوقت ذاتها ينتشر “الحزب” في الأراضي السورية ويستخدمها.
في نهاية المطاف، يبدو أن الأسد يعتمد استراتيجية البقاء، مفضلًا الابتعاد عن أي تصعيد عسكري قد يهدد استقرار حكومته.
هذه الاستراتيجية جعلته يتجنب الدخول في صراعات إقليمية، رغم أنه لا يزال يحتفظ بعلاقاته مع “محور المقاومة”.
قد يكون هذا الابتعاد التكتيكي جزءاً من محاولة إعادة ترتيب الأولويات الداخلية، في وقت تعاني فيه دمشق من ضغوط متعددة، سواء من الحلفاء أو الخصوم.