دمشق
تضع الهجمات الإسرائيلية على “حزب الله” نحو مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين في لبنان في مأزق حرج بسبب تلاشي الخيارات الآمنة لديهم، بعد نجاتهم سابقاً من تدابير الترحيل القسري، ووسط حرب لا تستثني البلد الأصلي ولا المضيف.
ووسط تركّز الاهتمام الدولي والإعلامي على الحرب التي تهدد بالاتساع وفقدان الاستقرار في لبنان والشرق الأوسط، يبدو أن اللاجئين السوريين لا يملكون الكثير من الوقت للتفكير في خيارين أحلاهما مرّ.
وأعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، إن مئات المركبات التي تقل الفارين من الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان تتكدس على الحدود السورية.
وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين،فيليب غراندي، إن الشرق الأوسط لا يحتمل أزمة نزوح جديدة.
ورغم التحذيرات الحقوقية والأممية المتكررة من الأوضاع غير الآمنة للعودة إلى سوريا، أعلنت الحكومة السورية ووسائل إعلام مقربة منها، أمس الثلاثاء، زيادة الاستعدادات لاستقبال الوافدين من لبنان، كما أعلنت الإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد استعدادها لاستقبال العائدين.
ولبنان هو البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين بالنسبة لعدد سكانه، تليه الأردن وتركيا وقبرص والنمسا ثم ألمانيا، بحسب ما كشف موقع دويتشه فيله (DW) الألماني بداية سبتمبر الحالي.
تصريحات متناقضة
وأعلنت وزارة الصحة السورية، أمس الثلاثاء، تعزيز استجابتها على الحدود مع لبنان على مدار الساعة مع عودة لاجئين سوريين بعد الهجمات الإسرائيلية.
واليوم الأربعاء، نقلت الوطن، المقربة من الحكومة السورية، عن عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل بحمص بشار العبد الله قوله إن 583 مواطناً سورياً و830 مواطناً لبنانياً دخلوا سوريا خلال اليومين الماضيين عبر منفذ جوسيه، في حين دخل حوالي 400 مواطن لبناني بما يقارب 80 عائلة عبر معبر مطربا.
وبحسب إذاعة شام إف إم، التي تبث برامجها في دمشق، فقد وصل عدد من دخلوا عبر معبر جديدة يابوس الحدودي مع لبنان ،الثلاثاء، إلى 200 شخص ومعظمهم سوريون، ودخل اليوم الأربعاء 2000 سوري و3900 لبناني من المعبر نفسه.
وكانت إذاعة المدينة إف إم، وهي أيضاً مرخصة من الحكومة، عن نائب محافظة دمشق جاسم محمود قوله إنه لم يتم تسجيل دخول أي وافد لبناني في معبر جديدة يابوس حتى مساء الثلاثاء.
وأعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا استعدادها لتقديم المساعدة المطلوبة لعودة اللاجئين إلى سوريا، مطالبةً دمشق بـ “التعاون لتسهيل مرورهم، وأخذ معاناتهم بعين الاعتبار وبشكل جدي”..
وقال ممثل الإدارة الذاتية في لبنان، عبد السلام أحمد، لـ ” 963+”، إن “المعطيات الحالية تشير إلى أنّ الحرب ستتسع وسيطول أمدها”.
وتابع: “نحن معنيون بأوضاع السوريين اللاجئين من الجنوب اللبناني”، مشيراً إلى عدم وجود تنسيق مع المنظمات الدولية التي تعنى بشأن عودة اللاجئين إلى سوريا حتى الآن.
الإدارة الذاتية تشكل لجنة لمتابعة شؤون اللاجئين السوريين في لبنان
مزيد من التصعيد
وشنت طائرات إسرائيلية، الثلاثاء ولليوم الثاني على التوالي، غارات عنيفة على مناطق متفرقة في جنوب وشرق لبنان.
ونزحت مئات العائلات من محيط مناطق تعرضت لغارات إسرائيلية كثيفة في جنوب لبنان.
وارتفعت الحصيلة الرسمية للقتلى أمس الثلاثاء بسبب الغارات الإسرائيلية إلى 558 شخصاً، بينهم 50 طفلاً ، و94 امرأة، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 45 سورياً قُتلوا في الضربات الإسرائيلية على لبنان.
وتتجه الأوضاع نحو مزيد من التصعيد، إذ قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إنه “يجب ألا تعطي قواته حزب الله متنفساً”، مشدداً على أن الجيش سيزيد من وتيرة الهجمات على “حزب الله”.
وأضاف خلال تقييمه للوضع الميداني الثلاثاء، “لا يجوز منح “حزب الله” مهلة، علينا الاستمرار في العمل بكل قوة، سنسرع العمليات الهجومية اليوم، ونكثف كل التشكيلات القتالي.
في الأراضي السورية
ولا تستثني الضربات الإسرائيلية الأراضي السورية، كما يشمل نشاط “حزب الله” الأراضي السورية منذ تدخله إلى جانب الحكومة السورية في قمع المعارضين عقب احتجاجات العام 2011.
وقالت جريدة هآرتس الإسرائيلية، الثلاثاء، إن الجيش الإسرائيلي يتابع بقلق قدوم نحو 40 ألفاً من سوريا والعراق واليمن إلى الجولان وينتظرون دعوة نصر الله للقتال.
وأضافت على لسان الجيش الإسرائيلي: “قدوم المقاتلين أمر خطير وسنتدخل في سوريا، لنوضح للأسد أننا لن نقبل وجودهم بهذا المكان”.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الدفاعات الجوية السورية تصدت، أكثر من ساعة و20 دقيقة مساء الثلاثاء، لأهداف في المياه الإقليمية قبالة طرطوس غربي سوريا.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر في الجيش السوري، إن الدفاعات الجوية السورية اعترضت “صواريخ يشتبه أنها إسرائيلية كانت تستهدف مدينة طرطوس الساحلية على البحر المتوسط”.
ونأت دمشق بنفسها نسبياً عن حرب التصريحات المتبادلة بين إيران وإسرائيل عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية في طهران نهاية تموز/ يوليو الماضي.
هل أخرجت موسكو دمشق من محور المقاومة في معادلة الردّ الإيراني على إسرائيل؟
لكن مصدراً مقرباً من “الحرس الثوري” الإيراني كشف، لموقع “963+”، عن دخول ثمانية قادة رفيعي المستوى من “حزب الله” اللبناني إلى مدينة تدمر وسط سوريا قادمين من لبنان.
وقال المصدر إن قادة “حزب الله” عقدوا اجتماعاً سريعاً صباح اليوم الثلاثاء مع قيادات في “الحرس الثوري” الإيراني ليتم نقلهم بعد ذلك إلى مقر عسكري يقع بجانب مركز الدراسات بمدينة تدمر وسط حراسة مشددة وإيقاف شبكة الانترنيت في المناطق المحيطة بالمركز.
وأضاف أن “ثلاث سيارات تابعة للحرس الثوري الإيراني توجهت مساء الإثنين إلى الحدود السورية اللبنانية، لتعود صباح الثلاثاء برفقة سيارة من نوع مرسيدس تحمل لوحة لبنانية وبداخلها قادة حزب الله”.
عودة غير آمنة
وتكرر الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية أن سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين مع استمرار ارتكاب الانتهاكات فيها، ما يعرّض العائدين لمخاطر عديدة.
وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى ترحيل 13,772 فردًا من لبنان أو إرسالهم إلى الحدود السورية خلال العام الماضي 2023.
وبداية سبتمبر الحالي، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية الجيش اللبناني والسلطات القبرصية بالتعاون لمنع اللاجئين السوريين من الوصول إلى أوروبا، ثم إعادتهم قسراً ليواجهوا الخطر في سوريا.
لكن اللاجئين السوريين ربما يواجهون هذه الأيام مخاطر أكبر إن بقوا في لبنان دون أن يحصلوا على ملاذ من الضربات الإسرائيلية.
محمد نحلاوي، لاجئ سوري في لبنان، يصف وضع السوريين بأنه من أصعب الأوضاع، إذ تقطعت بهم السبل. ويقول لموقع “963+”: “معظم اللاجئين السوريين غير قادر على العودة إلى سوريا بسبب المخاطر الأمنية، كما أنهم غير قادرين على البقاء في الجنوب اللبناني الذي يشهد حرباً وقصفاً”.
وأضاف: “إن توجهوا إلى الشمال اللبناني، فإنهم لا يحظون بنفس الاستقبال الذي يحظى به اللبنانيون. تُفتح المراكز للاجئين اللبنانيين، بينما يضطر السوريون إلى اللجوء إلى أقاربهم أو افتراش الطرقات بحثاً عن مأوى”.
أما أبو فارس، وهو لاجئ سوري معني بشؤون اللاجئين السوريين، فيؤكد أن الحرب في لبنان لا تميز بين أحد، وأن الضغوطات تطال الجميع.
ويقول لـ”963+”: “السوريون منتشرون في معظم المناطق اللبنانية، لكن الجنوب شهد حركة نزوح كبيرة باتجاه المناطق الأكثر أماناً، مثل طرابلس وعرسال”.
يشير أبو فارس، إلى أن “بعض اللبنانيين تمكنوا من دخول سوريا بتسهيلات معينة، وكذلك بعض السوريين غير المطلوبين أمنياً”.
ويوضح أن هناك ثلاث شرائح رئيسية من السوريين في لبنان: الشريحة الأولى تشمل المطلوبين أمنياً الذين لا يمكنهم العودة إلى سوريا، والشريحة الثانية تضم المهجرين الذين لا ينتمون لأي طرف في النزاع والعمال،” وهؤلاء يمكنهم العودة في حال لم يجدوا مأوى آمناً في لبنان. الشريحة الثالثة تشمل السوريين الذين عادوا إلى سوريا بسبب عدم توفر الأمان في لبنان”.
ويضيف: “في ظل هذه الأوضاع، يلجأ العديد من السوريين إلى مراكز الإيواء أو إلى الأقارب في المناطق الآمنة. وهناك لجان مشتركة من اللبنانيين والسوريين تعمل بالتنسيق على إدارة مراكز الإيواء وتوجيه انتباه الجمعيات والمنظمات لدعم العائلات المحتاجة”.
ومع ذلك، فإن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، بحسب أبو فارس، “تبدو عاجزة ومشلولة في التعامل مع الأزمة، وتقتصر جهودها على إرسال رسائل تحذيرية للمجتمع المضيف أو للاجئين”.
والجمعة الماضية، حذّر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، من خطر اندلاع حرب إقليمية واسعة تجرّ الشعب السوري إلى مرمى نيرانها.
وتحدث أمام مجلس الأمن الدولي عن تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا مع ازدياد الاضطرابات الإقليمية وأحداث الانتهاكات داخل البلاد ومناهضة اللاجئين خارجها.
ودعا المبعوث الأممي إلى حماية السوريين أينما كانوا، وإيقاف خطابات وأفعال مناهضة اللاجئين في البلدان المضيفة، وإحراز تقدم حقيقي نحو “بيئة آمنة وهادئة ومحايدة” للعودة الطوعية التي تتم بأعداد صغيرة، فيما يستمر الناس في مغادرة سوريا.
وفي منتصف أيلول/ سبتمبر الحالي، زارت مساعدة المفوض السامي للاجئين للحماية، روفيندريني مينيكديوبلا، لبنان، وقالت إن الأعمال العدائية في الجنوب أدت لفقدان للأرواح ونزوح آلاف اللبنانيين كما اللاجئين السوريين.
وأضافت أن ما لفت انتباهها أثناء لقاءاتها مع لاجئين سوريين وعراقيين هو الكم الهائل من المآسي الشخصية والصعوبات التي اضطروا لتحمّلها.
ويحتاج اللاجئون في لبنان للدعم والحماية، لكن حكومة لبنان التي تستضيفهم تحتاج إلى المساعدة أيضاً، بحسب مينيكديوبلا.
ودعت مساعدة المفوض السامي المجتمع الدولي لتقديم المساعدة، وإيجاد الحلول، “خاصة من خلال تحسين الأوضاع في سوريا بشكل يسمح للاجئين بالعودة الطوعية في ظروف آمنة وكريمة”.