حكيم أحمد
ضاعفت مؤسسة الطيران العربية السورية رواتب موظفيها لشهر أيلول/سبتمبر الحالي بنسب متفاوتة عقب انتقال إدارتها لشركة خاصة، وسط شح التصريحات الرسمية وتناقض المعلومات المتداولة.
وقال موظف في “السورية للطيران”، طلب عدم نشر اسمه، لموقع “+963″، إن قيمة الزيادة التي منحتها شركة إيلوما للموظفين من غير الطيارين “بلا قيمة تُذكر حقيقةً”.
وأضاف أن الموظفين كانوا يتداولون بداية هذا الشهر أنباء غير مؤكدة حول أن الراتب المستلَم مبدئي ريثما يبدأ العمل، “لكن ما من شيء يدعم ذلك الآن”.
ورفعت الشركة، الأحد الماضي، سعر التذكرة بين دمشق والقامشلي من 914 ألف إلى مليون ونصف ليرة سورية (حوالي 100 دولار أميركي)، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان استئناف رحلاتها المتوقفة سابقاً إلى القامشلي شمال شرقي سوريا.
كما أضافت “السورية للطيران”، خلال الأسبوعين الحالي والماضي، عدة وجهات ورحلات إضافية إلى برامجها، كان آخرها أمس الثلاثاء إعلان رحلتين إضافيتين إلى القاهرة والدوحة.
أنباء غير مؤكدة
وقال موظف آخر، يداوم في مطار دمشق الدولي، إنه علم من إداري في السورية للطيران أن الشركة الخاصة ستحدد الاختصاصات والأعداد اللازمة لها من الموظفين، وأنها ستجري اختبارات لانتقاء من يعملون معها.
وأضاف لموقع “+963”: “لكن ذلك لا ينسجم مع الأنباء عن استثمارها المؤسسة الحكومية، إذ يُفترض أن تشغّل الموظفين أنفسهم أو تعمل كشركة أجنحة الشام إن كانت متخصصة بالطيران وتمتلك طائرات خاصة”.
وقالت جريدة الوطن المقربة من الحكومة السورية إن الزيادات في الرواتب “ستقترب من المستوى المتعارف عليه دولياً”.
وأضافت أن ذلك يأتي بعد “هروب” عدد كبير من الطيارين والمهندسين الفنيين للعمل في شركات عربية وأجنبية بسبب تدني الدخل في السورية للطيران.
وتبلغ قيمة رواتب الطيارين المساعدين الجدد 3500 دولار أميركي، بينما يصل راتب الطيار القائد مع التعويضات المخصصة له إلى تسعة آلاف دولار تسدّد بالليرة السورية، بحسب “الوطن”.
لكن الصحيفة لم تنقل خبرها عن تصريح مسؤول في الحكومة أو السورية للطيران ولا حتى الشركة الخاصة، بل استخدمت عبارات “علمت الوطن”، و”بحسب المعلومات التي حصلت عليها الوطن”.
والأربعاء الماضي، قال موقع هاشتاغ إن موظفي السورية للطيران مصدومون من الرواتب التي كانت 100 % فقط ولم تتجاوز 400 ألف ليرة سورية (حوالي 25 دولاراً أميركياً)، إلى جانب زيادة ساعات وأيام الدوام.
ونقل الموقع عن موظفين أنه سيجري نقل بعضهم لفروع أخرى تتبع وزارة النقل، بينما قالت “الوطن” إن زيادة الرواتب تشمل جميع العاملين لدى المؤسسة وعددهم 3500 عامل.
إمكانات وعقوبات
وخلال الأشهر الماضية، ألغت مؤسسة الخطوط الجوية السورية عدداً من رحلاتها وعدّلت مواعيد أخرى، معللة ذلك بـ”أسباب تشغيلية وفنية”.
وتأسست الخطوط الجوية السورية عام 1946، وبدأت بتسيير رحلات داخلية بطائرتين مروحيتين بين دمشق وحلب ودير الزور ثم القامشلي.
وفي خمسينات القرن الماضي، استلمت المؤسسة 11 طائرة من نوع داكوتا، وشملت الرحلات بيروت وبغداد وعمان والقدس، ثم القاهرة والكويت والدوحة، بالإضافة لرحلاتها في مواسم الحج.
وكان مرسوم رئاسي عام 1975 قد عدّل اسم “شركة” إلى “مؤسسة” الطيران العربية السورية، التي تم تعديلها مرة أخرى إلى مؤسسة الخطوط الجوية السورية بموجب مرسوم تشريعي عام 2020.
وخلال العامين 1998 و1999، أدخلت السورية للطيران ست طائرات من نوع إيرباص للعمل، بعد أن تم تنسيق الطائرات القديمة.
وأصبح أسطول الخطوط الجوية السورية يتكون من 12 طائرة: ست طائرات إيرباص أيه 320-200 تستخدم في نقل المسافرين، وست طائرات إليوشن المخصصة للشحن، بحسب منصة “Tripadvisor” الخاصة بالسفر في العالم.
وكانت تنظم حتى وقت قريب رحلات منتظمة إلى خمس مدن سورية هي دمشق وحلب واللاذقية ودير الزور والقامشلي، وحوالي 20 وجهة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأوروبا، قبل أن تتوقف غالبية الرحلات خلال الحرب في البلاد.
وفي تموز/يوليو الماضي، طرحت مؤسسة الطيران السورية “السورية للطيران” للاستثمار، بشرط إعفاء الجانب الحكومي من أي أعباء وتحسين الخدمات الجوية والأرضية.
وفي آب/أغسطس، أعلن المدير العام لخطوط السورية للطيران، حاتم كباس، أن العقد مع شركة إيلوما الخاصة يتضمن زيادة عدد طائرات الأسطول الجوي السوري إلى 20 طائرة.
من العقوبات إلى العقوبات
وتهدف مؤسسة الخطوط الجوية السورية، بحسب موقعها على الإنترنت، إلى المساهمة الجادة والفعالة في “دعم عجلة الاقتصاد المتنامي” في البلاد.
وقال الموظف في المؤسسة، لموقع “+963″، إن رحلات السورية للطيران كانت تعتمد خلال سنوات الحرب على طائرتي إيرباص، وطائرتين تابعتين لوزارة الدفاع السورية.
وتسببت الأعطال وعدم تمكن الشركة من استيراد قطع الغيار بسبب العقوبات الأوروبية والأميركية على سوريا إلى لجوء المهندسين لاستخدام قطع من طائرة متوقفة لتأمين استمرار عمل الأخرى، كما أن وزارة الدفاع السورية أوقفت إعارة طائرتيها بعد عدم تسديد السورية للطيران التزاماتها المالية، بحسب المصدر نفسه.
وقامت “إيلوما” بتشغيل طائرة ثانية بعد أن كانت الطيران السورية تعتمد على طائرة وحيدة مؤخراً، مع خطط لإضافة الطائرة الثالثة والرابعة خلال الأشهر القليلة المقبلة لإعادة الوصول إلى الوجهات التي توقفت سابقاً، بحسب “الوطن”.
وأثار الإعلان عن التعاقد مع شركة “إيلوما”، تساؤلات حول الشركة الناشئة حديثاً وقدرتها على تأمين قيمة العقد التي تبلغ 370 مليون دولار أميركي.
ويرد اسم الشركة مشمولة بعقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي في 22 كانون الثاني/ يناير الماضي، والتي تضمنت 6 أفراد و5 كيانات على صلة مباشرة بالحكومة السورية، من بينهم مستشار اقتصادي للرئيس السوري بشار الأسد، و3 رجال أعمال، وخمس شركات هي “إيلوما للاستثمارات الخاصة، وأجنحة الشام، ومؤسسة الطير الحر للسياحة والسفر، ومجموعة الدج، وشركة العقيلة”.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، رفضت المحكمة العامة الأوروبية طلباً تقدم به رجل الأعمال السوري ومالك شركة “أجنحة الشام”، عصام شموط، لرفع اسمه من قائمة العقوبات المفروضة على الحكومة السورية.
حقائق مغيّبة
ووصلت أبحاث عن أصحاب الشركة إلى أن مالكيها قريبون من القصر الجمهوري والغرفة التجارية السورية الإيرانية، بحسب تقرير نشره موقع المدن في آب/ أغسطس الماضي بعنوان “ الخطوط السورية في قبضة إيلوما الغامضة”.
وبحسب موقع الجمهورية نت، فإن إيران وروسيا حاضرتان في الصفقة مع القصر الجمهوري، “إذ يتشارك ملّاك شركة إيلوما على الورق شركاتٍ أخرى مع شخصيات إيرانية أو محسوبة عليها”.
ويعود ترخيص الحكومة للشركة إلى العام الماضي 2022 فقط، ما يدعم المزاعم حول أن الشركة تأسست أصلاً لغرض استثمار “السورية للطيران”.
ونشره موقع قاسيون لحزب الإرادة الشعبية مقالاً بعنوان “التفريط بـالخطوط السورية: نموذج آخر عن بيع التاريخ والمستقبل”، يقول فيه كاتبه أحمد الرز إن الحكومة لم تعلن بشكل رسمي عن هوية الشركة الخاصة التي ستتولى زمام واحدة من أقدم مؤسسات الدولة السورية، كما أنها لم تكشف رسمياً عن بنود العقد الكاملة.
ويرى أن الاكتفاء بالتسريبات الإعلامية وما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، هو “استهتار بالسوريين” وحقهم في معرفة الحقائق.
وتتفق المصادر الإعلامية السابقة على أنه بإمكان الحكومة السورية شراء طائرات مباشرة من روسيا إذا ما كانت تستطيع الالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية، ولا معنى للجوء لشركة خاصة معاقبة أيضاً.
كما أن الأرباح التي ستجنيها خلال 20 عاماً من العقد مع إيلوما، يمكن جنيها خلال 3 سنوات على الأكثر، إذا ما استمرت الحكومة في تشغيل المؤسسة.
وفي النهاية تعلن وزارة النقل السورية أن موظفي السورية للطيران “تنفّسوا الصعداء” دون معلومة واضحة غير راتب الطيار القائد (تسعة آلاف دولار) التي تداعب مخيلة موظفي المؤسسة الذين استلموا ما يعادل 25 دولاراً بعد زيادة رواتبهم بنسبة 100%.