تسبب معبر أبو الزندين القريب من مدينة الباب بريف حلب، خلال الفترة الماضية، بخلافات بين فصائل المعارضة المسلحة، بينما تحاول تركيا افتتاح المعبر بالتنسيق مع روسيا.
وبعد أيام من تصاعد حدة الخلافات بين “الجبهة الشامية” و”الحكومة المؤقتة”، ساد هدوء بين فصائل المعارضة العسكرية، ومظلتها السياسية المفترضة، المتمثلة في “المؤقتة”.
لكن، هذا الهدوء قطعه حل أحد أقدم فصائل المعارضة العسكرية بقرار تركي، إذ أصدرت أنقرة قرار بحل فصيل “لواء صقور الشام” أو ما يعرف أيضاً “صقور الشمال”، وطالبته بتسليم جميع قطاعاته لحرس الحدود والشرطة العسكرية، الأمر الذي تسبب بتوترات بين الفصائل.
و”لواء صقور الشام” فصيل مسلح معارض تشكّل في وقت مبكر من اندلاع الحرب في البلاد لمواجهة الحكومة السورية، وشهد الفصيل انشقاقات أواخر العام الماضي.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلن “صقور الشام” انفصاله عن “الجبهة الوطنية للتحرير” العاملة في “الجيش الوطني” الحليف لتركيا، بسبب “تهميشه”. واتجه للعمل مع غرفة عمليات “الفتح المبين” التابعة “لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً”.
ما علاقة معبر أبو الزندين؟
أعطت أنقرة أوامر لتسليم النقاط التي يسيطر عليها والأسلحة، بعد أن أبلغته بقطع الدعم عنه وقرار حلّه، وبعد ذلك أصدرت وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” قراراً بحل الفصيل الرافض لفتح معبر أبو الزندين.
وفي 17 أيلول/سبتمبر الجاري، أعلن “صقور الشمال” عن انضمامه إلى “الجبهة الشامية” العاملة تحت مظلة الفيلق الثالث، وذلك بعد إعلان وزارة الدفاع لدى “الحكومة السورية المؤقتة” حل الفصيل.
وتسبب الأمر باشتعال فتيل أزمة واستنفار عسكري لفصائل “الجيش الوطني” والجيش التركي في منطقتي أعزاز وعفرين في ريف محافظة حلب الشمالي.
وتعمل وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة”، بتوجيهات من الجانب التركي، على إعادة هيكلة فصائل “الجيش الوطني” التي تتبع شكلياً لوزارة الدفاع، ودمجها ضمن ثلاثة فيالق عسكرية رئيسية.
وأفادت قناة “تلفزيون سوريا” المعارضة، بأن مسؤولين أتراك طالبوا “الجبهة الشامية” بتسليم قائد “صقور الشمال” والمقار التابعة للفصيل خلال اجتماع عُقد يوم 20 سبتمبر الجاري في منطقة حور كلس بريف حلب الشمالي، مقابل تهدئة التصعيد من “القوة المشتركة” ضد “الجبهة الشامية”.
ويشير مراقبون إلى أن “صقور الشمال” كان يُعارض فتح معبر أبو الزندين في ريف محافظة حلب والذي يربط بين مناطق سيطرة المعارضة والحكومة السورية، فيما حصلت تركيا على موافقة جميع الفصائل العسكرية لفتح المعبر.
في عام 2019 افتتح معبر “أبو الزندين” في ريف حلب، وعبرت منه بضائع ومدنيين، وأجرت فصائل المعارضة والحكومة السورية من خلاله صفقات تبادل، برعاية الدول الراعية لمسار “أستانة”. إلا أنه أغلق بعد تفشي جائحة “كورونا” وبقي على حاله إلى أن تم افتتاحه منتصف آب/أغسطس الماضي.
وبعد افتتاح المعبر بساعات أعادت “الشرطة العسكرية” إغلاقه، بعدما نصب محتجون “خيمة اعتصام” بالقرب منه.
وفي أواخر حزيران/يونيو الماضي أصدر مجلس مدينة الباب المحلي التابع “للحكومة المؤقتة” بياناً جاء فيه أن “معبر أبو الزندين سيفتح أبوابه تجريبياً، من أجل اعتماده كمعبر تجاري رسمي، وفق ضوابط وتعليمات”، مشيراً في البيان إلى أن افتتاح المعبر من شأنه أن يحسّن الظروف المعيشية لأهالي المنطقة، وتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي، إذ سيتمكن التجار وأصحاب الأعمال من استخدام المعبر لنقل البضائع والسلع، مما سيسهم في تنشيط الحركة التجارية وزيادة موارد المجلس المحلي”.
مصدر في معبر أبو الزندين: عودة حركة الشاحنات التجارية بين المعارضة والحكومة السورية
وفي 19 أغسطس الماضي -أي بعد أيام على افتتاح المعبر- فكك مسلحون موالون لتركيا في مدينة الباب، خيمة الاعتصام المطالبة بإغلاق المعبر، وشهدت المدينة توترات عسكرية حينها.
وحينذاك طالب وجهاء مدينة الباب بإصدار بيان حول ما يحصل من إساءة وقيام شبان بنزع خيمة اعتصام رافضة لفتح المعبر.
ولا تزال خيمة الاعتصام قائمة، فيما يرفض محتجون في الباب وأعزاز ومارع وعفرين فتح المعبر، وسط صمت فصائل المعارضة المسلحة والحكومة المؤقتة.
خلافات واتهام بالعمالة
في 5 أيلول/سبتمبر الجاري، أعلن فصيل “الجبهة الشامية” التابع لـ”الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، عن تعليق عملها مع “الحكومة السورية المؤقتة” بسبب خلاف مع رئيس الحكومة عبد الرحمن مصطفى.
وقال الفصيل في بيانه إن “الجبهة علّقت عملها مع الحكومة المؤقتة حتى تتشكل حكومة رشيدة”، وطالب “الائتلاف السوري بعقد اجتماع طارئ لحجب الثقة عن حكومة عبد الرحمن مصطفى، وإحالته للقضاء”.
وفي مطلع هذا الشهر ، عُقد اجتماع في مطار ولاية غازي عنتاب، ضمّ ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية، و”الائتلاف المعارض”، و”الحكومة المؤقتة”، و”هيئة التفاوض”، ومجلس القبائل والعشائر، وقادة من “الجيش الوطني”.
ناقش الاجتماع الذي جاء في أعقاب التوترات في مدينة الباب مشكلات داخلية بين صفوف المعارضة، وعكس انقسام بين المعارضة العسكرية والسياسية.
ورغم أن الاجتماع كان مغلقاً، إلا أن بيان “الجبهة الشامية” ذكر أن معبر أبو الزندين من بين النقاط التي نوقشت في الاجتماع، حول أهميته، كمعبر حيوي إنساني واقتصادي يؤثر إيجاباً على الوضع الاقتصادي والإنساني في المنطقة.
ووجه اتهامات لرئيس “الحكومة المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى، وقال إن “عدائية مصطفى ضد الجبهة ‘معهودة’، لكنها كانت غير مسبوقة خلال الاجتماع، إذ تعمد الإساءة لبعض الفصائل الثورية، منها فصائل الشرقية التي اتهمها بـ’التخريب والإرهاب”، وفق البيان.
وأضاف البيان أن مصطفى “وجه سيلاً من الاتهامات للجبهة الشامية، منها سياسية، وجنائية، محاولًا تشويه صورتها أمام المسؤولين الأتراك ومهدداً بسحب الشرعية عنها”.
واعتبر أن “الاتهامات التي وجهها مصطفى لها، تصب في ‘مصلحته الخاصة’. مشيراً إلى أنه عدّ الحراك المعارض لحكومته في مدينة أعزاز شمالي حلب “مؤامرة تخريبية على حكومته وانقلاباً عليها”.
مسارات أمنية تطغى على أي حوار.. كيف تبدو الخارطة شمالي سوريا؟
وفي وقت لاحق أصدرت “الحكومة المؤقتة” بياناً قالت إنه لإيضاح ما حصل. وجاء في البيان أنها “فوجئت بوجود ‘عناصر ملثمين’ ضمن صفوف المحتجين قرب معبر أبو الزندين، قاموا بإطلاق النار بشكل مكثف على سيارة تابعة للشرطة العسكرية في محاولة واضحة لإلحاق الضرر بالعناصر الأمنية والمتظاهرين على حد سواء”، لافتةً إلى أن “الدوريات أرسلت لحماية المتظاهرين هناك”.
ووصفت ما حدث بأنه “محاولة تخريبية تهدف بشكل واضح إلى إحداث خلل أمني في المنطقة بهدف جر المحتجين إلى صدامات مع الأجهزة الأمنية والبيئة المجتمعية وجر المنطقة إلى حالة فوضى لا تُحمد عقباها”.
وأضاف البيان أن الملثمين “دخلوا إلى صفوف المدنيين مستغلين حق التظاهر السلمي”، وأن “أهدافهم كانت واضحة وهي زرع الفتنة بين المواطنين والقوى الأمنية، وتحويل المنطقة إلى ساحة اقتتال وفق ما تطمح إليه المشاريع الخارجية التي لا تمت بصلة لأهداف ثورتنا المباركة”.
أبو الزندين بأي ثمن
ارتبط افتتاح معبر أبو الزندين بمسار التطبيع بين تركيا والحكومة السورية، الأمر الذي يفسّر حالة الغضب لدى المحتجين.
وبينما تتجه تركيا لحل فصيل “صقور الشام” ترفض فعاليات عشائرية القرار. داعيةً أبناء العشائر للوقوف صفاً واحداً إلى جانب الفصيل وضد القرارات التي تحاك ضده، وعلى رأسها فتح المعابر مع الحكومة السورية.
وتستميت تركيا لفتح معبر أبو الزندين، وبحسب السفير السوري السابق لدى تركيا نضال قبلان، أن أنقرة تعهدت بفتح جميع المعابر الرسمية خلال 5 أشهر، وفق منشور على حسابه في “فيسبوك”.
فيما ذكرت صحيفة “الوطن” الحكومية أن محاولات تركيا إعادة فتح معبر أبو الزندين خلال الأسابيع الماضية جاءت بطلب روسي، وربطته موسكو بالتطبيع بين أنقرة ودمشق.
وتعتبر روسيا أن قرار فتح المعبر بادرة “حسن نية” من أنقرة تجاه دمشق للمضي في ملف التطبيع.
وأضافت الصحيفة أن تلك الخطوة “ستسمح بالدخول في مفاوضات تفضي إلى حلحلة المواضيع الخلافية، وصولاً إلى إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى سابق عهدها”.
وتلتزم تركيا بإعادة افتتاح معبر “أبو الزندين”، خلال الشهر الجاري وقبل الاجتماع الرباعي (التركي، الروسي، السوري، الإيراني) المرتقب، إذ تسعى لتحسين شروط التفاوض خلال اللقاء، بحسب “الوطن”.
ويأتي الاتفاق على فتح المعبر ضمن حزمة من التفاهمات المشتركة بين أنقرة وموسكو، والتي ستأخذ طريقها إلى التنفيذ تباعاً في المنطقة، وربما يستوجب طرح بعضها في مفاوضات الرباعية للاتفاق عليها، وفقاً للصحيفة.
بينما تستمر الاحتجاجات تجد “الحكومة المؤقتة” صعوبة في إنهائها بسبب “الملثمين” الذي وصفتهم بأنهم “مخربين”، وتعلم جيداً أنهم مقاتلين في “الجبهة الشامية” وهو الأمر الذي يدفعها لتأجيل إنهاء الاحتجاجات.
ويُنذر ملف أبو الزندين بالمزيد من الخلافات بين أنقرة والمعارضة التي تدعمها، وأيضاً بين المعارضة بشقيها، التي تحاول كل منها الحصول على كامل واردات المعبر.