سلافا معمو -حلب / أحمد الجابِر- برلين
تظهر صورة متداولة امرأة في العقد الخامس من عمرها مدماة الوجه، تحاول حبس عجزها، بينما تظهر صورة أخرى امرأة تحاول ربط يدها، وفي ثالثة تغطي الدماء رأس إحداهن، انتشرت هذه المشاهد بعد تعرض سكان في قرية كاخرة للضرب والإهانة على يد عناصر فصيل يعرف بـ”العمشات” تدعمه أنقرة.
وعجت مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الأسبوع بمشاهد مماثلة، يقول نشطاء وتقارير حقوقية إن القرية التي تقع في منطقة عفرين بمحافظة حلب، تعرضت لانتهاكات واسعة على يد عناصر العمشات.
يفيد تقاطع شهادات وتقارير، أن النساء الثلاثة إضافة إلى 20 شخصاً آخرين تعرضوا للضرب المبرح أثناء احتجاجات رفضت ممارسات فرقة السلطان سليمان شاه “العمشات”، وفرضه إتاوات يعدها مزارعو الزيتون في هذه المنطقة بـ”الباهظة”.
وشهدت القرية التابعة لناحية معبطلي في عفرين منذ يومين مظاهر عسكرية، وتعزيزات ضخمة، وانتشار للعناصر، وسط ترهيب المدنيين في المنطقة التي تخضع لقانون “أبو عمشة” متزعم الفصيل، بحسب السكان.
وتتبع مدينة عفرين العديد من البلدات الكبيرة، أبرزها: الشيخ حديد، بلبل، جنديرس، راجو، معبطلي، وشران، كما تتبع لهذه البلدات مئات القرى المتناثرة في جغرافيا تبلغ مساحتها أقل من 4 آلاف كيلومتر مربع، لتغطّي نحو 2 في المئة من مساحة سوريا.
وقبل عام 2011، كانت تضم نحو 500 ألف، وتعد عفرين التابعة إدارياً لمحافظة حلب، من التجمعات السكانية الكبيرة للأكراد السوريين، وكانت ثالث “كانتون” لدى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قبل أن تسيطر عليها تركيا قبل نحو 6 سنوات.
ما القصة؟
قال مصدر محلي من قرية كاخرة، لموقع 963+، إن فصيل “العمشات فرض 8 دولارات على كل شجرة زيتون وجوز وسماق، فيما فرض على من لا يستطيع دفع الإتاوة التوقيع على تنازل عن أشجار أقاربه المهجرين، ما دفع السكان للاعتراض”.
وأضاف الشاهد الذي اشترط عدم ذكر اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية: “فرضوا التوقيع على الجميع، لكن أحد السكان رفض التوقيع، ما تسبب باعتقاله وضربه، ثم أطلقوا سراحه لاحقاً في القرية، مع كيل السباب والشتائم للنساء”.
وطلب الفصيل من السكان التنازل عن الأراضي والمنازل التي يملكها أقاربهم، للاستيلاء عليها بحجة أن مالكيها أعضاء في الإدارة الذاتية بحسب المصدر.
واعتراضاً على اعتقال أزواجهن وضربهم، خرجت نساء بتظاهرة قوبلت بقمع وإطلاق نار وضرب بالعصي، كما استدعى “العمشات” تعزيزات عسكرية من الشيخ حديد، واقتحموا القرية واعتدوا بالضرب على السكان، كما حطموا منزل مختار القرية، وفق ما أفاد تقاطع شهادات سكان محليين، وبحسب ما أفادت “منظمة حقوق الإنسان في عفرين”.
ويوم الأحد الماضي، قطعت “العمشات” شبكة الإنترنت عن القرية، بعد أن قام مسلّحوها بمهاجمة التظاهرة نسائية، فأصيب ما يقارب 20 من السكان بجروح متفاوتة، بينهم أطفال، بحسب منظمة حقوق الإنسان في عفرين.
وأضافت المنظمة “العمشات” منعت نقل الجرحى إلى عفرين أو أي بلدة مجاورة لتلقي العلاج. واختطفت 5 أشخاص بينهم امرأة وفرضت “حصار خانق” على القرية، كما أُصيب ثمانية مدنيين على الأقل، بينهم ست نساء.
وزعم “العمشات” الذي شدد من إجراءاته في القرية أنه تدخل لفض مشاجرة عائلية، في حين تداول ناشطون تسجيلاً صوتياً، يطلب فيه صاحبه من الأهالي ممن يملكون وكالات مراجعة المكتب الاقتصادي في منزل شخص يدعى “أحمد قاسم”.
انتهاكات بلا حدود
تتكرر مثل هذه الانتهاكات في منطقة عفرين منذ سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني” عليها في 18 آذار/مارس من عام 2018، ما أدى لتهجير أكثر من 300 ألف من سكان المنطقة الأصليين، وفق بيانات الأمم المتحدة.
“هيومن رايتس” تصف التواجد التركي في سوريا بالاحتلال وتتهم مسؤوليها بالتورط بجرائم حرب
وتشهد عفرين خلافات متكررة على أراضٍ مستولَى عليها من قبل جماعات مدعومة من أنقرة، تعود ملكيتها لأهالي عفرين الأصليين.
ويتكرر مشهد إراقة دماء المدنيين في عفرين بين فترة وأخرى، فيما يواجه السكان مصير الاعتقال والاختفاء والخطف وجرائم القتل بحسب تقارير حقوقية.
وفي سياق الانتهاكات المتواصلة، وثقت “لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا” الجرائم المرتكبة منذ بداية سيطرة تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها على عفرين، ولغاية مارس الماضي، “خطف أكثر من (9065) شخص بينهم أكثر من (1000) امرأة، مقتل أكثر من (783) شخص بينهم (95) قضوا تحت التعذيب، (10) حالات انتحار لنساء و(74) حالة اعتداء جنسي”.
وتتواجد في عفرين فصائل “فرقة السلطان مراد”، و”فرقة السلطان سليمان شاه” المعروفة باسم “العمشات”، وفرقة الحمزة التي يعرف عناصرها باسم “الحمزات”، التي تتبع “للجيش الوطني” الذي أعادت تركيا تنظيمه منذ 30 أيار/مايو 2017،
وفي منتصف آب/أغسطس الفائت، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، وعلى مسؤولين في “فرقة الحمزة”، بينهم محمد حسين الجاسم (أبو عمشة) وأخوه وليد الجاسم، وقائد الفرقة سيف بولاد (أبو بكر)، لتورطهم في “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين”.
وأصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً بتاريخ 29 شباط/ فبراير 2024، حمَّلت فيه تركيا “مسؤولية انتهاكات جسيمة في المناطق الخاضعة لسيطرتها سواء مباشرة أو عبر فصائل مسلحة مرتبطة بها في شمال سوريا”. كما وصفت تواجدها العسكري هناك بـ “الاحتلال”.
وشدد التقرير على أن “المسؤولين الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية” على اعتبارهم السلطة المسيطرة، “وفي بعض الحالات كانوا متورطين مباشرة في جرائم حرب مفترضة في ما تسميه تركيا منطقة آمنة”، بحسب تعبير المنظمة.
ردود وإدانات
أدان المجلس الوطني الكردي في سوريا الانتهاكات ضد المدنيين في عفرين ممارسات القوة المشتركة، وفرض الإتاوات على السكان التي تصل لمبالغ طائلة.
وقال البيان إن هذه الانتهاكات تشمل عمليات اختطاف واعتقال تعسفي، حيث اختطف فصيل “السلطان سليمان شاه” في 15 أيلول المواطن إدريس عبو وأربعة آخرين من قرية كاخرة، مطالبين بفدية قدرها 11000 دولار، وعندما لم يتمكنوا من دفع المبلغ، تعرضوا للتعذيب والاعتقال. كما دعا المجلس في بيانه، إلى إخراج جميع الفصائل المسلحة من المناطق الآهلة بالسكان، وتشكيل مجالس مدنية من سكان المنطقة الأصليين لإدارة شؤونهم، وضمان عودة الأهالي إلى بيوتهم وأراضيهم بكرامة وأمان.
ودعت “منظمة حقوق الإنسان في عفرين”، في بيان إلى “إنهاء الاحتلال التركي”، والسماح للمدنيين المهجرين بالعودة إلى مناطقهم بعد ضمان أمنهم وسلامتهم بضمانات دولية.
وطالبت بالكشف الفوري عن مصير جميع المختطفين وإطلاق سراحهم دون قيد أو شرط، داعية جميع المنظمات و المؤسسات الحقوقية السورية والدولية، لتوثيق الجرائم الحاصلة، ومحاسبة المسؤولين عنها وإحالتهم إلى المحاكم الدولية.
كما دعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، لحث تركيا على “إنهاء احتلالها لعفرين”، وإيقاف مخططات التغيير الديمغرافي المستمرة فيها تجاه الكرد.
وطالبت مجلس الأمن الدولي ببحث ملف الشمال السوري بشكل عام، ومدينة عفرين بشكل خاص ووضعها تحت “الوصاية الدولية”، لتهيئة الظروف الآمنة لعودة سكانها الأصليين وإخراج الفصائل الموالية لتركيا من تلك المناطق، بحسب البيان.