دمشق
تثير جرائم قتل وقعت خلال آخر أسبوعين، في العاصمة السورية دمشق وريفها الصدمة، بسبب انتماء الجناة والضحايا للعائلة نفسها، وتساؤلات حول أسباب تحول جرائم الأسرة من حوادث نادرة إلى جرائم متكررة.
ولا يستطيع الكثيرون فهم الأسباب التي قد تدفع شخصاً، حتى لو كان مجرماً، لقتل والده أو والدته أو طفلة صغيرة من العائلة، أو قد يفكرون بما تعرض له الجاني نفسه حتى اكتسب كل هذا القدر من القسوة.
والملاحظ في هذه الجرائم هو الوحشية المفرطة كالطعن لعشر مرات أو الضرب بالعصا حتى الموت، وعدم الندم بعدها إذ حاول الجناة التخلص من الجثث وإخفاء ما ارتكبت أيديهم.
والأسباب المعلنة لارتكاب هذه الجرائم وفق تحقيقات الشرطة هي خلافات شخصية وعائلية، ما يثير المزيد من الفزع مع الضغوط المعيشية والاقتصادية التي تعانيها العائلات السورية كل يوم.
جرائم مروّعة
والإثنين الماضي، عثر موظفو فرع نقابة المحامين بريف دمشق على جثة عاملة لديهم ضمن مبنى النقابة الواقع في حي عين الكرش.
وأعلنت وزارة الداخلية السورية في اليوم التالي أن الأمن الجنائي قبض على قاتلَي المرأة، لكن الصدمة هي أنهما ابنتها وصديق ابنتها.
الكشف الطبي والقضائي قال إن سبب الوفاة هو الصدمة النزفية لطعنات متعددة في الجسم بآلة حادة، بينما نشرت مصادر أخرى أنها تعرّضت لعشر طعنات.
ويثير الخبر التساؤل، ترى ما الذي يدفع فتاة للمشاركة في طعن والدتها وقتلها بهذه الوحشية، والسبب الذي قدمته خلال التحقيق “خلافات شخصية”.
وفي الثالث من سبتمبر الحالي، أعلنت الداخلية السورية مقتل طفلة تبلغ عامين من العمر على يد خالتها وزوجها اللذين كانا يرعيانها بعد وفاة والدها وغياب والدتها.
الزوجان اعترفا بضرب الطفلة بعصا حتى فارقت الحياة، وأخفيا جثتها في براد بمنزلهما حتى طلبا من شخصين آخرين دفن الجثة في مقبرة البويضة بريف دمشق
وفي الأول من سبتمبر، كشف راعي أغنام في دير عطية بريف دمشق جريمة قتل شاب لوالده بمسدس حربي، وذلك عن طريق رائحة الجثة التي دخلت مرحلة التحلل.
وأخبر الابن الأمن الجنائي أن سبب ارتكابه الجريمة هو قسوة والده حيال رغبته في الزواج من فتاة.
ودفن القاتل والده في حفرة ضمن المزرعة التي كانا يعملان بها، ثم أخذ مركبة والده وماله وعاد للمنزل ليبلغ بعدها المخفر بغياب والده.
أرقام صادمة
ووقعت 15 جريمة قتل خلال الثلث الأول من سبتمبر الحالي ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، أسفرت عن مقتل 15 شخصاً بينهم طفلان اثنان و5 سيدات، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
ذلك عدا تزايد حالات السرقة والسطو المسلح التي قد تؤدي هي الأخرى لوقوع ضحايا، والخطف بدافع طلب فدية مالية والتي ما يزال بعض ضحاياها معرضون للمخاطر بسبب عجز الجهات الأمنية عن القبض على الخاطفين.
ويعلل المرصد السوري ازدياد حوادث القتل والسرقة بعجز السلطات عن فرض الاستقرار، وانتشار السلاح بين المدنيين، بالإضافة إلى التراجع الاقتصادي الحاد الذي أدى إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، كشف مصدر رسمي في دمشق، لصحيفة الوطن المقربة من الحكومة السورية، عن ورود 50 إلى 70 ضبطاً من مختلف الجرائم إلى العدلية يومياً، تشمل عمليات تزوير وسرقات وإتجار بالمخدرات.
لكن قد يكون لجرائم القتل العائلية عوامل إضافية، رغم أهمية الظروف العامة المحيطة، خصوصاً الاقتصادية المتعلقة بالمعيشة والعمل وعقبات الحياة اليومية.
والأمور لا تبدو كذلك أيضاً، بالنسبة للجرائم المرتكبة على يد سوريين خارج البلاد، ما يدفع للتساؤل مجدداً، لمَ قست قلوب سوريين لدرجة قتل أفراد أسرهم؟
وفي الثالث من سبتمبر الحالي، ألقت الشرطة القبض على سوري دخل البلاد من لبنان قادماً من السعودية، بعد ساعات من العثور على شقيقته مقتولة في العاصمة الرياض.
وخلال التحقيقات اعترف بطعن شقيقته البالغة 28 عاماً عدة طعنات في الرقبة بواسطة سكين، وذلك أثناء غياب زوجها عن المنزل، والسبب الذي قدّمه “خلافات عائلية”.
وتحتل سوريا المركز الثامن عالمياً في معدلات الجريمة، والمرتبة الثانية في قارة آسيا بعد أفغانستان، بحسب تقرير أورده موقع “نمبيو” المتخصص في مراقبة مؤشرات الجرائم وجودة العيش في العالم منتصف آب/ أغسطس الفائت.
حوادث سابقة
وتكرر جرائم القتل عموماً، والقتل ضمن الأسرة خصوصاً، ليس وليد سبتمبر الحالي، إذ تصدرت الأخبار مرات كثيرة خلال الأشهر الماضية.
وقد يكون الدافع وراء القتل في حالات كثيرة هو الحصول على المال، كما يلعب انتشار السلاح دوراً في تحوّل أي شجار حاد لجريمة قتل.
أب يقتل والده بسبب خلاف مادي، وآخر يقتل أخاه.. تعرف على السبب؟
وفي أيار/ مايو الماضي، أقدمت سيدة على قتل زوجها بدس السم له في الطعام، أثناء زيارتهما منزل ذويه بمحافظة اللاذقية.
وفي الشهر نفسه، شهدت ريف صافيتا التابعة لمحافظة طرطوس غربي سوريا، قتل شاب لعمه الخمسيني بواسطة الطعن بسكين بعد إبعاده طيور الإوز المملوكة للجاني عن أرضه المزروعة.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، أقدم شاب على قتل ابنة عمه “ذبحاً” في ريف طرطوس، بعد قبولها الزواج من شخص آخر.
وفي آب/ أغسطس الفائت، قتل شخص في مصياف بريف حماة، شقيقه وزوجة شقيقه وطفليهما بإطلاق نار مباشر من بندقية حربية.
أسباب مختلفة
عادة ما يركّز مختصون اجتماعيون على دور التنشئة الاجتماعية السليمة داخل الأسرة والمدرسة للوقاية من الجرائم، بالإضافة للظروف الاقتصادية والاجتماعية وتوفر القانون الرادع، وهي عوامل غائبة في السياق السوري حالياً.
وفي دراسة نشرتها جريدة الدستور الأردنية، العام الماضي، حول الجرائم داخل الأسرة، يقول الباحث الاجتماعي محمد الجريبيع إن الخطوة الأولى لمنع الجرائم داخل الأسرة، هو الاعتراف بالأسباب الاقتصادية والنفسية وإعادة دور الأسرة والمؤسسات التربوية.
ويشير أخصائي الأمراض النفسية الدكتور محمد هديب، في الدراسة نفسها، إلى أن تشجيع وتغاضي المجتمع عن العنف الأسري كضرب الأطفال والزوجة وشيوع الجرائم يجعل الأمر مألوفاً وغير مستهجن، بالإضافة لنمط الشخصية العدائية والحالة المادية السيئة وعدم توفّر تواصل فعّال.
والمؤثّر في هذه الدراسة التي استهدفت أساساً المجتمع الأردني، أن إسقاط نتائجها على المجتمع السوري سيؤدي لنتائج مرعبة، مثل التدهور الاقتصادي الذي لم يتوقف منذ 13 عاماً، ومعدلات البطالة، وانتشار المخدرات والسلاح.
ثمّ نسبة غياب الأب في الأسر السورية، وفقدان المعيلين، وعدد الأطفال الذين قضوا السنوات الماضية خارج المدارس.
كما أن تحوّل المستهجن إلى مألوف لا يبدو غريباً وسط كل الجرائم والممارسات اللاإنسانية خلال الحرب المستمرة.
“قاتل الأسرة”
وفي “دراسة مكثفة في سيكولوجيا الجريمة العائلية” نشرها العام الماضي موقع “تحقيق“، المختص بعلم الجريمة والتحقيقات الجنائية، يتم الحديث عن حالة تسمّى “مدمّر الأسرة”، وهو أحد أفراد الأسرة الذي يقتل أفراداً من عائلته، وعادة ما يودي بحياة الجميع ثم يقتل نفسه.
ورغم أن هذه الحالة لا تنطبق على الجرائم التي وقعت في دمشق مؤخراً، إلا أن جرائم مشابهة حدثت على يد سوريين خلال الأشهر الماضية.
ففي أيار/ مايو الماضي، قام شخص في ريف حمص الشمالي بمحاولة قتل أطفاله الستة عبر وضع عقار سام في طعامهم، بعد طرد زوجته من المنزل إثر خلاف بينهما، ما أودى بحياة طفلة وإصابة خمسة أشقاء لها.
وحاول الأب الانتحار قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه.
وفي تموز/ يوليو الماضي، قتل شاب سوري، ينحدر من ريف القامشلي ويعيش في الأردن، اثنين من أشقائه وأصاب الثالث طعناً بأداة حادة، ثم انتحر برمي نفسه من فوق جسر عبدون.
وتورد الدراسة السابقة عن سيكولوجيا الجريمة العائلية أن باحثين من جامعة تامبيري في فنلندا قاموا، عام 2017، بفحص العوامل الأساسية التي قد تكون متورطة في قضايا الجرائم العائلي، ووجدوا أن مرتكبي جرائم قتل العائلات كانوا في الغالب رجالًا متعلمين يعانون من مشاكل نفسية، واكتئاب، والتدمير الذاتي، وقضايا تعاطي المخدرات، والعلاقات الاجتماعية غير المستقرة.
وحذّرت الدراسة من البطالة كعامل خطر للقتل فقط مع وجود تاريخ للعنف المنزلي، واختتمت بأنه من الصعب تحديد علامات التحذير، وأنه من الصعب التنبؤ بهذه الجرائم أو إيقافها.