دمشق
يحلّ أيلول/سبتمبر ثقيلاً على شرائح واسعة من السوريين. في هذا الشهر تنشط العائلات في تحضير “مونة” الشتاء، إلى جانب شراء مستلزمات الأطفال المدرسية، لذا تتضاعف التكاليف على أصحاب الدخل المتدني والمحدود، خصوصاً ممن يتقاضون رواتبهم بالليرة السورية، التي منيت بانهيارات مدوية متلاحقة خلال سنوات الحرب.
وارتفعت أسعار الخضار هذا العام بشكل لافت، متأثرة بالتغيرات المناخية التي أدت لتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، ومنها الخضار وفق ما يقول مزارعون تحدثوا لموقع 963+.
من جهة أخرى ساهم فتح باب التصدير إلى دول الجوار في زيادة الطلب على الخضار وارتفاع أسعارها.
مع نهاية الصيف واقتراب الخريف: وجهان متناقضان للتغيرات المناخية في سوريا
وهذا الشهر وصل سعر البندورة إلى 7 آلاف ليرة (أي ما يعادل 45 سنتاً أميركياً)، والفاصولياء والبامية 14 ألف، بينما يبلغ سعر الباذنجان (المستخدم للمكدوس) 6 آلاف، والفليفلة 3500 ليرة، والملوخية المقطوفة 8 آلاف ليرة، وهي الأسعار في موسم إنتاج الخضروات، بينما كانت أسعارها في ذات الفترة من العام الماضي أقل بمعدل النصف.
وفي آذار/مارس الماضي، وافقت حكومة دمشق على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة تكليف وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، المتابعة مع “الجهات المعنية” لوضع آلية لتلافي المعوقات التصديرية للمنتجات الزراعية، وزيادة كميات الأصناف الزراعية المصدَّرة إلى الخارج، كونها “ستسهم في زيادتها داخل الأسواق المحلية وبأسعار منخفضة”.
وتواجه قرارات تصدير المنتجات الزراعية انتقادات سكان، ويصفها البعض بأنها “مزاجية” و”عشوائية”، كونها تخلق فجوة في السوق المحلية وتسهم برفع الأسعار، ويجد محدودي الدخل صعوبة في مجابهتها.
وارتفعت أسعار الخضروات بمعدل الضعف مقارنةً بالعام الماضي، بينما صعد سعر الصرف الدولار بحوالي 1500 ليرة، حيث بلغت قيمته في ذات الفترة من عام 2023 بحدود 13500 ألف ليرة سورية.
أجور متدنية وفقر
يحتاج موسم المؤنة مبالغ طائلة تصل وسطياً إلى مليوني ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق رواتب الموظفين بأضعاف. وتعد الأجور المتدنية المسألة الأبرز التي تتسبب بمعاناة السكان، حيث يتقاضى الموظفون لدى الحكومة السورية أجوراً تتراوح بين (19 – 40 دولاراً أميركي)، بينما يبلغ وسطي العاملين في المؤسسات المدنية لدى الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا وهي منطقة خارجة عن سيطرة دمشق 66 دولاراً.
وتترك الأجور المتدنية نسبة كبيرة من السوريين بمواجهة تكاليف باهظة، تتراكم خلال أيلول، ويضع تصنيف البنك الدولي لعام 2024-2025 سوريا في فئة البلدان منخفضة الدخل، مع دول الصومال والسودان وجزر القمر واليمن، حيث بلغ نصيب الفرد وفق التقديرات نحو 560 دولاراً سنوياً.
وفي منتصف حزيران/يونيو 2023، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن 9 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر. وقال إن أكثر من 15 مليون سوري، أي 70% من إجمالي عدد السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.
وفي عام 2023، كشف البنك الدولي عن أن أكثر من ربع السوريين يعيشون في فقر مدقع، وتوقع التقرير أن ينكمش الاقتصاد السوري بنسبة 1.5% مقابل 1.2%، فقد أدى أكثر من عقد من النزاع إلى تدهور كبير في رفاه الأسر السورية. وأشار إلى أن 27% من السوريين، أي نحو 5.7 ملايين نسمة، يعيشون في فقر مدقع.
ويُعرّف الفقر المدقع بأنه العيش على أقل من 2.15 دولار للشخص الواحد في اليوم، وفقاً لمعيار القوة الشرائية لعام 2017، وقد يجد ما يقدر بنحو 7% من سكان العالم أنفسهم محاصرين في الفقر المدقع بحلول عام 2030.
تكاليف بالملايين
في ظل ذلك، يأتي افتتاح المدارس ليفاقم المعاناة. وتسعى الغالبية لتأمين ألبسة أطفالهم الذين سجلوا في المدارس الرسمية. ويحتاج تجهيز الطالب وسطياً إلى 350 ألف ليرة أي ما يعادل راتب موظف.
ورغم أن المدارس تراخت بشأن الزي المدرسي الرسمي بقرارات من الجهات التربوية، إلا أن ذلك لا يغني عن شراء ألبسة جديدة.
وكانت قد قررت كل من الحكومة السورية والإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد بدء الدوام الفعلي في المدارس في الثامن من سبتمبر الجاري.
ونتيجة الغلاء وارتفاع تكاليف تجهيز طلاب المدارس، لجأ سوريون لشراء الألبسة المستعملة “البالة” تخفيفاً للمصاريف، لكن هذه أيضاً ارتفعت أسعارها “بحجة زيادة الضرائب عليها”.
ويسجل سوريون أطفالهم في رياض تبدأ أقساطها بمبلغ 200 ألف شهرياً، وتصل إلى أكثر600 ألف ليرة، وباتت الدراسة تشكل عبئاً على العائلات، فضلاً عن ذلك قد تشمل الأقساط أجور المواصلات، وقد تنفصل عنها بمبالغ إضافية في بعض الحالات.
والخميس الماضي، قال مدير التعليم في وزارة التربية راغب الجدي، إن الأقساط باتت تتراوح ما بين 5 ملايين و11،5 مليون ليرة سورية، وفق ما نقل موقع “كيو بزنس” المحلي.
وأضاف: “هناك شكاوى تتعلق بتقاضي بعض المدارس الخاصة أقساط أكثر من الحد المسموح به، إذ تصل إلى 30 مليون ليرة”، مشيراً إلى أن أقساط الجامعات الخاصة هي ربع أقساط المدارس الخاصة، “وهذا الأمر غير منطقي من الناحية التعليمية”، على حد وصفه
وذكر الجدي، أنه تم تحديد القسط التعليمي من قبل وزارة التربية ما بين 750 ألف ليرة و2،450 مليون ليرة، أما الخدمي ما بين 50 و 90 ألف على النقطة التعليمية.
وأوضح أنّ أقساط المدارس الخاصة تُقسّم إلى شقين تعليمي وخدمات، الأول يتعلّق بجانب الخدمة التعليمية الذي يقدمها المدرس داخل غرفة الصف، وتشمّل “السبورة والكراسات والمقعد والوسائل التعليمية”، بينما الثاني يُقصد به فندقة المدارس، من ملاع
زاد انهيار قيمة العملة السورية وتدهور قيمتها الشرائية من معاناة السوريين، إذ فقدت الأجور نسبة كبيرة من قدرتها الشرائية منذ عام 2011، ما أدى لارتفاع تكاليف المعيشية حيث تحتاج عائلة من 4 أشخاص إلى مصاريف شهرية بين 4 – 7 ملايين ليرة سورية.
في هذا الشهر يحتاج سوريون لمصادر متعددة لتأمين متطلبات عائلاتهم، ويختلف الحال بالنسبة لمن لديهم مغتربين، إذ يقدر البنك الدولي في تقرير له، إجمالي الحوالات بنحو 1.5 مليار دولار في عام 2022، حيث تعتمد نسبة كبيرة من السوريين على الحوالات الخارجية في معيشتهم، وباتت شريان حياة لشريحة واسعة بسبب الحرب والضائقة الاقتصادية، في حين تحدثت تقديرات أن الناتج الإجمالي المحلي لعام 2023 بلغ نحو 6.2 مليار دولار.